في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني عن انخفاض نسبة البطالة إلى 13 في المائة، تبرز مفارقة لا يمكن إغفالها: البطالة "المقنّعة" ما تزال تنتفخ وتتغلغل في مفاصل الدولة، محمية بشبكات من المحسوبية السياسية وامتيازات حزبية، حتى بات شعار "هذا من جماعتنا" هو بوابة التوظيف الأوسع، وليس الكفاءة ولا الحاجة الفعلية.
الحديث عن مساواة امتيازات القطاعين الخاص والعام عبر قانون التقاعد والضمان الاجتماعي يعدّ منجزاً مهماً على الورق، لكنه يصطدم على أرض الواقع بجدار من التعيينات غير الإنتاجية التي تلتهم الميزانية وتثقل كاهل الجهاز الإداري. كثير من تلك الوظائف لا يستند إلى الحاجة أو الخطط الاقتصادية، بل إلى "استحقاقات انتخابية" يتم فيها توزيع المناصب كما توزَّع الغنائم. إنها وظائف تضاف لا لتُنجز عملاً، بل لترضي ناخباً أو تضمن ولاء فئة، ما ينتج بطالة مقنّعة على هيئة وظائف، لكنها بلا إنتاج.
المفارقة الأدهى هي أن هذا الخطاب التنموي الحكومي، الذي يروّج النهوض بالقطاع الصناعي وتحفيز المشاريع، يجري في ظل قمع للتظاهرات السلمية التي يرفع فيها الشباب شعار "أريد وطن" و"أين حقي؟". كيف نطالب القطاع الخاص بالثقة، بينما الشباب العاطل يقمع حين يطالب بفرصة؟ كيف نفسر للمستثمر المحلي أو الأجنبي أن بيئة العمل آمنة ومشجعة بينما الاحتجاج السلمي يواجه بالهراوات؟
إنّ إطلاق مصانع جديدة وتحديث خطوط الإنتاج خطوة تستحق الإشادة، لكن نجاحها لن يكون حقيقياً إن لم تقابلها إعادة هيكلة شاملة للوظائف الحكومية، وضبط لآليات التعيين، وتجفيف لمستنقعات الامتيازات الحزبية. البطالة الحقيقية قد تنخفض في الأرقام، لكن البطالة المقنّعة ترتفع في الظل، وتبقى هي الكتلة الأخطر التي تعطل التنمية وتُفرغ الإصلاحات من مضمونها.
إننا بحاجة إلى ما هو أكثر من مؤشرات. نحتاج إلى مراجعة جذرية لمنظومة العمل العام، وإلى قوانين تجرّم التوظيف على أساس الولاء، وتحصّن الفضاء العام ليكون منصة للرقابة لا ميداناً للقمع. عندها فقط يمكننا أن نصدّق أن "القطاع الخاص يسهم في حل مشاكل المجتمع"، لا أن يكون غطاءً لخطاب لا يطال جوهر الأزمة.