في زمن اختلطت فيه المفاهيم، وانهارت فيه الحدود بين المدني والعسكري، تطالعنا الحكومة بقرار يمنح المهندسين رخصًا لحمل السلاح!
الخبر ليس نكتة، بل واقعة رسمية، تضيف إلى مشهدنا المقلق عنوانًا جديدًا للفوضى المقننة.
المهندس، الذي يفترض أن يحمل أدوات البناء والعلم، يُمنح اليوم رخصة لحمل أداة القتل! لا لشيء سوى أنه "طلب"، و"الوضع الأمني لا يُطمئن".
أين الدولة في كل هذا؟ ما وظيفة المؤسسة الأمنية إن كان على كل مواطن – طبيبًا كان أو محاميًا أو مهندسًا – أن يحمي نفسه بنفسه؟
هذا القرار ليس مجرد تصريح، بل إعلان رسمي عن عجز الدولة عن احتكار السلاح وضبط الأمن، وهو ما يُعد جوهر السيادة.
فبدل أن تستعيد الدولة سلطتها وتجمع السلاح المنفلت، نجدها تسير في الاتجاه المعاكس، وتشرعن التسلح تحت غطاء "الترخيص".
إن منح تراخيص السلاح بهذه الصورة هو توسيع لدائرة العنف، وخطوة خطيرة نحو تفتيت المجتمع وتحويله إلى كيانات مسلّحة، كل منها يحتكم لقانون القوة لا لقوة القانون.
ليست هذه رخصة لحماية النفس، بل رخصة لفقدان الثقة في الدولة، وفتح أبواب الفوضى المقننة.
فما بين ترخيص السلاح وسكوت الحكومة عن عسكرة المجتمع، نحن أمام دولة تفقد يومًا بعد يوم جوهر وجودها.
إننا لا نحتاج إلى سلاح في يد المهندس، بل إلى أمن في يد الدولة.