عند أطراف المدينة، حيث يظن البعض أن العين لا ترى، والنفس لا تتأذى، تتصاعد أعمدة الدخان السوداء كل صباح ومساء، معلنة ًعن محرقة غير مرئية لصحة الإنسان والبيئة. حرق النفايات أصبح ممارسة شبه يومية، يتعمدها البعض ويغضّ الطرف عنها كثيرون، وكأنها طقس اعتيادي لا يستحق التوقف عنده، بينما تدفع الأجساد ثمناً باهظاً من الرئتين والدم.
إنها ليست مجرد "زبالة تحترق" كما قد يهونها البعض. إنها كيمياء سامة تتسلل إلى صدور السكان، أطفالاً وكباراً، وتحوّل الأحياء السكنية القريبة إلى مناطق موبوءة بآثار التلوث: الربو، الحساسية، تهيج العينين، وحتى أمراض أشد خطراً على المدى الطويل. لكن الأخطر من النار، هو من يشعلها بلا وعي أو محاسبة.
عددٌ من ناقلي النفايات، وهم في الأصل مأجورون على التنظيف، تحوّلوا إلى مصدر مباشر للقذارة. يُفرغ بعضهم حمولة القمامة في الشوارع العامة، جهاراً نهاراً، وكأن المدينة مجرّد مكب مفتوح. لا رادع أخلاقيا، ولا وازع قانونيا، بل تجاوز فجّ على الذوق العام وحق المواطن في بيئة نظيفة.
هنا يطرح السؤال الأكثر إحراجاً: أين الرقابة؟ أين أمانة العاصمة والمجالس المحلية التي من المفترض أنها تتحمل مسؤولية الإشراف والمساءلة؟ هل يعقل أن تمر هذه المخالفات من تحت أنف الإدارات بلا تقرير أو متابعة؟ أم أن بعض المواقع تُترك عمداً بلا رقابة لأنها تقع "خارج الخدمة الإدارية"؟
الحل ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب إرادة وشفافية. أول الخطوات العملية تبدأ بنصب كاميرات مراقبة في مواقع التفريغ والمرور، لتوثيق المخالفات، وردع من تسوّل له نفسه العبث بالبيئة. يلي ذلك تفعيل العقوبات والغرامات بحق المتجاوزين، ونشرها للرأي العام كي يدرك الجميع أن العبث بالنظافة جريمة، لا مجرد مخالفة عابرة.
إن حماية المدينة تبدأ من التفاصيل، من حاوية تُفرغ في مكانها الصحيح، ومن شاحنة او حتى الستوتة تُحاسب إذا خرجت عن مهمتها. فصحة الناس لا تُترك على قارعة الطريق، والنظافة ليست ترفاً بل هي حق أساسي من حقوق العيش الكريم.