اخر الاخبار

السياسة المالية للدولة ،خاصة عندما تتعرض إلى أزمة سواء مؤقتة او دائمة، لابد أن تقوم في الميدان الاقتصادي على أساس التعريف الذي استقر عليه الاقتصاديون في كونه (مجموعة من المصروفات التي تقوم الدولة بإنفاقها عبر استراتيجيات التنمية  والموازنات السنوية في شكل كمي من المال خلال فترة زمنية محددة لإشباع حاجات المجتمع التي تتحمل الدولة مسئولية تنظيمه) بالاقتران مع مفهوم الاستقرار الاقتصادي الذي يعني المرحلة التمهيدية لاستعادة التوازن الذي يتحقق عندما لا يتجه أي من المتغيرات الاقتصادية إلى اتجاه سلبي في الفترة المحددة.

وها هي بوادر الأزمة المالية تظهر بإطلالتها المشؤومة على الاقتصاد العراقي الذي يعاني   بالأصل  من الركود والانكماش وغياب المرونة التي تساعده في التكيف مع تلك الازمة التي قد يكون منشؤها عاملا خارجيا فضلا عن العوامل الداخلية، وقد بشر بهذه البوادر صندوق النقد الدولي الذي غالبا ما يقوم بهندسة الاقتصاد العراقي عبر مشاوراته وتوقعاته ،فقد توقع الصندوق تراجعا في المالية العراقية بشكل ملحوظ اذ يقدر العجز فيها بنسبة 4.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 ليتسع إلى 7.5 في المائة في هذا العام 2025 ثم إلى 9.2 في المائة في عام 2026 يقابلها انخفاض في الإيرادات من 32 في المائة عام 2024 ال31 في المائة عام 2026 ومقابل ارتفاع في الإنفاق من 43.5 في المائة إلى 43.8 في المائة خلال نفس الفترة كل ذلك بالتماهي مع تراجع في عائدات النفط حيث كان 94.2 مليار دولار تراجع إلى 79.2 مليار عام 2025 متأثرة بانخفاض أسعار النفط الآخذة في التراجع ليصل إلى 62 دوار للبرميل في العام المقبل، يحصل ذلك كله مع ازدياد الدين الحكومي إلى 62.3 في المائة  من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة ذاتها  وانخفاض الاحتياطات الأجنبية من 100.3  مليار  دولار إلى 79.2 في المائة دولار خلال نفس الفترة، وليس من العصي على المتابع لهذا التراجع من إرجاعه إلى السياسة الاقتصادية الفاشلة للحكومات المتعاقبة التي اعتمدت  على البترول كمصدر وحيد للأنفاق في الموازنات السنوية  وتعرض هذه الإيرادات إلى عمليات نصب واحتيال من قبل اللجان الاقتصادية للأحزاب النافذة للعبث في هذه الموارد عبر عمليات الهدر والسرقة والتهريب للعوائد المالية بشكل غسيل الأموال او تهريب العملة الصعبة إلى الخارج تحت انظار الحكومة ولجانها التحقيقية التي لا تقل فسادا عن زميلتها اللجان الاقتصادية .

ومن جانب آخر فقد عمدت الدولة كجزء من رؤيتها الاقتصادية إلى توسيع قاعدة الجهاز الإداري وإنفاقه الاستهلاكي ورفعت من مستوى الدخول مع ما صاحب ذلك من البذخ في الإنفاق خارج نطاق الانتاج من فيض في سيارات النقل الخاص  ومخصصات ما انزل الله بها من سلطان وحصرها في دوائر معينة ميدانها الرئاسات الثلاث والأمانة العامة لمجلس الوزراء والعديد من الوزارات والإيفادات السياحية بحجج التدريب وتحويل الطلب الناتج عن مضاعفة القوة الشرائية نحو الجانب الاستهلاكي التي عبرت عنه نافذة البنك المركزي حيث زادت مبيعات البنك المركزي للقطاع التجاري الخاص اكثر من 500 مليار دولار لغاية عام 2024 حيث جرى التركيز على استيراد البضائع الاستهلاكية الرديئة مما أدت إلى تدوير الجزء الاعظم من الموارد النفطية إلى الخارج عبر ما  جرى التعبير عنه  بالباب المفتوح .

إن مواجهة هذه الأزمة تتطلب إرادة حكومية حازمة في اتخاذ إجراءات عاجلة ونقترح الاتي:

  • إعادة النظر في حجم الإنفاق الحكومي وتخليصه من أبواب الهدر وإلى أدنى المستويات والالتفات إلى الانشطة التي تساهم في تنويع الاقتصاد وتوجيه الإيرادات النفطية نحو قطاعات الانتاج والابتعاد ما أمكن عن إنفاق القروض الأجنبية لأغراض الانفاق التشغيلي كي لا يكون عبئا على الاقتصاد الوطني والموازنات السنوية.
  • التشديد على تعبئة جهد وطني واسع وحقيقي متعدد الاطراف لمكافحة الفساد داخل الجهاز الحكومي والتعبئة الرقابية الشعبية وحمايتها من غدر الفاسدين وتنشيط دور القضاء لاستعادة الاموال المنهوبة والاستعانة بالجهد الدولي لهذا الغرض.