اخر الاخبار

في هذا الزمن الرديء، زمن انحطاط القيم، عربيا واسلاميا ودوليا، ويخص هذا الوصف في المقام الأول المواقف الرسمية، بينما يتواصل حصار قطاع غزة وأهلها، الذي ينفذ بأدوات صهيونية، وبتواطؤ دولي ودعم سافر امريكي، ومنهج القتل العمد، والذي اتخذ من عملية ٧ أكتوبر ذريعة لا لمجرد التخلص من حماس وسلاحها كما يدعون، بل لتصفية القضية الفلسطينية، وطمس حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. ولا أدل على ذلك اليوم من قرار برلمان دولة الاحتلال بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن، في تجاوز لكل الاتفاقات والقرارات الدولية ذات العلاقة منذ عام ١٩٤٨ حتى يومنا هذا.

وفي كل يوم تثبت الادارة الامريكية الحالية انحيازها غير المحدود والمطلق للقطعان الصهيونية وعلى رأسها الفاشي نتنياهو. فهي إذ تتحدث زورا وكذبا عن مساعيها لتحقيق السلام، إنما تقوض كل فرصة لاتخاذ قرارات في مجلس الامن، تهدف لوقف العدوان المتواصل والانتصار للحق والعدل والشرعية الدولية. وحين تتحدث عن تقديم المساعدات الغذائية والدوائية لأهالي غزة المنكوبين، تقوم في الواقع بإجازة استمرار قتلهم وإباحته وتيسيره، وفي أحسن الأحوال تعمد الى تهجيرهم، وجعل القطاع ارضا بلا بشر. وهذا ما يريدون عبره وفي مخطط خبيث وإجرامي، الإجهاز على كل ما يمت بصلة الى شعب فلسطين وقضيته العادلة.

يوم امس الاول الجمعة قدمت الإدارة الأمريكية دليلا اخر على انحيازها السافر، عندما علقت على مجرد إعلان فرنسا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وعلى لسان رئيسها نفسه، بالقول ان "اعتراف ماكرون بدولة فلسطينية لا وزن له ولا ثقل". فيما ادعى وزير خارجيته روبيو ان ذلك "يقوض فرص السلام ويدعم دعاية حماس". فعن أي سلام تتحدثون، أيها الشركاء الفاعلون في منهج التجويع والقتل العمد؟! 

وتؤشر التطورات الراهنة في سوريا وخاصة ما يتعلق بالوضع في السويداء، والدخول، الأمريكي على الخط لدعم مواقف إسرائيل وقصفها واعتداءاتها المستمرة على المدن السورية، وتوغل قواتها الى داخل أراضيها، إضافة الى تلك المساعي المحمومة لكسر شوكة أي محاولة للرفض والصمود والتحدي.. ان هذا كله وغيره يؤشر ما يُخطط لهذه المنطقة، وما يراد لها في المستقبل.

ولما كان الكتاب يُقرأ من عنوانه كما يقال، فان كل هذه المقدمات تؤشر عدم وجود من هو بمعزل عن هذا المخطط الأمريكي – الصهيوني للمنطقة، وإخضاعها له وتركيعها بالكامل، واطلاق يد الكيان الصهيوني في التحكم بشؤونها والهيمنة المطلقة على مقدراتها.

لذا فان ما يحصل لمليوني فلسطيني محاصرين في مساحة لا تزيد على ٣٦٥ كم٢، ليس ببعيد عن هذا المخطط الاجرامي في المنطقة، بل هو في صلبه، وفي المقدمة منه طمس أيّ معلم والتنكر لايّ حق من حقوق شعب فلسطين، الذي ترك لوحده يقاوم ويصمد ويتحدى ويصبر على الجوع، ويتحمل أطنان القنابل التي تلقى يوميا، وتستهدف كل شيء. والمضحك انهم يتحدثون خلال ذلك عن انسيابية غذائية ودوائية؟

لقد بات انقاد أهل غزةُ ورفض مشاريع التهجير والتوطين والتطبيعُ والانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفرض إقامة دولته الوطنية كاملة السيادة على أرضه، جزءا أساسيا ومحوريا لكسر حلقات هذا المشروع، ورفض الإملاءات التي تفرض تحت عناوين وصيغ مختلفة. وان أي نجاح يتحقق في هذا سيترك اثره البين على مدى القدرة للسير في تنفيذ الحلقات الأخرى من المشروع.

فكم من أحزاب وقوى الشعب الفلسطيني تعي أهمية ذلك، والحاجة الملحة لوحدة مواقفها ودفن ما هو صغير وثانوي تجاه الخطر الوجودي المحدق؟ وكم هي الدول العربية والإسلامية وشعوبها وقواها واحزابها السياسية، التي تدرك ان من مصلحتها هزيمة المشروع الشرق أوسطي الأمريكي - الصهيوني، والحفاظ على دولها الوطنية وتطورها الحر والمستقل، بعيدا عن الإتاوات والإملاءات؟