نظام التوزيع في الاقتصاد يمثل الرافعة الأساسية لتحقيق العدالة في توزيع الدخل بين المواطنين الذي أجمع عليه الاقتصاديون، وأكدت عليه مبادئ حقوق الانسان فضلا عما أكد عليه الدستور العراقي، غير أن المتابع للبنية الاجتماعية العراقية يكتشف دون تردد أن نظام التوزيع لا يستند إلى أي من المبادئ المذكورة من خلال تفاقم الفجوة الطبقية في المجتمع وظهور طبقات لوغارشية هيمنت على مصادر الدخل والثروة وسخرت وجودها في السلطة لهذا الغرض.
إن معدلات التضخم في الاقتصاد تلعب دورا أساسيا في طريق توزيع لدخل وحجمه، فالتضخم بطبيعته يؤدي إلى إعادة توزيع الدخول الحقيقية للشرائح الاجتماعية المختلفة لأن الدخول النقدية والأسعار لا تزداد بالنسبة نفسها للقطاعات كافة، إذ أن التفاوت في درجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى زيادة الدخول لشرائح اجتماعية على حساب شرائح اجتماعية أخرى والنتيجة تنعكس سلبا على المستوى ألمعاشي لهذه الشرائح فتدني المستوى ألمعاشي يكون من نصيب أصحاب الدخول الثابتة (التعاقدية) كالموظفين وجميع الذين يعيشون على المعاشات التقاعدية والإعانات والمدفوعات التحويلية (شبكة الرعاية الاجتماعية) وكذلك بعض الحرفيين الصغار والعمال الزراعيين. في حين ترتفع وبدرجات متفاوتة الدخول الحقيقية لفئة المنظمين وأصحاب المزارع والمقاولين والصناعيين والوسطاء وذوي المهن الحرة وأصحاب الشركات التجارية، لأن دخول معظم هذه الفئات تتسم بالمرونة والاستجابة السريعة لتغيرات المستوى العام للأسعار.
وفي بلادنا المبتلية بغياب الشفافية في توزيع الثروة وهيمنة الطغمة المالية والكومبرادور والبيروقراطية المتحكمة بمفاصل الدولة والمتخادمة في الهيمنة على مفاتيح الثروة تتسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء بما لا تقبل التورية او التأويل وأكثر الدراسات والأبحاث التي تجريها المنظمات الدولية ومؤسساتها المالية تشير بوضوح إلى أن العراق متأخر كثيرا في مقدار حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فاستنادا إلى تقرير مجلة (CEWORLD) المختصة بالإحصاءات فان العراق يأتي بالمرتبة 113 عالميا من أصل 190 دولة والسابعة عربيا، فعلى سبيل المثال اذا ما قايسنا حصة الفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي البالغة 4775 دولار سنويا مع نسبتها إلى حصة الفرد في بعض البلدان العربية لتبين ان هذه النسبة تشكل 7 في المائة بالنسبة إلى قطر و10 في المائة بالنسبة لدولة الامارات، وأكثر من ذلك فان العراق يأتي تراتبيا أعلى من بوروندي وأفغانستان والصومال، وتشير المصادر الموثوقة أن 36 فردا عراقيا يمتلك كل منهم اكثر من مليار دولار وأن 16 الف عراقيا يمتلكون مليون دولار فأكثر، فيما تشير مصادر وزارة التخطيط أن اكثر من 23 في المائة يقعون تحت خط الفقر، وأن ثلاثة استراتيجيات للتخفيف من الفقر ابتداء من 2010 لم تشفع لهذه الشرائح من الخروج من هذا المستوى الاجتماعي الحرج.
إن طبيعة النظام الضريبي السائد يمكن ان يكون اداة لإعادة توزيع الدخل بما يتوافق مع شروط ومتطلبات العدالة الاجتماعية وتزايد عدد السكان الذي يصل وفق آخر إحصاء 45.07 نسمة غير ان حجم الضريبة المستحصلة في العراق حاليا من الضآلة بمكان بحيث تعجز أن تكون مرجعية مضمونة لإعادة توزيع الدخل بما يحسن من مستوى معيشة الشرائح الاجتماعية الفقيرة، فعلى سبيل المثال يتم في العادة تقدير المبلغ الضريبي بين(2--3) تريليون دينار أي ما يعادل (1،1 ) مليار دولار في حين التقديرات الحقيقية تتجاوز ال7 تريليون دينار أي ما يعادل (4،8) مليار دولار وهذا التدني في التحصيل الضريبي يرجع إلى جملة من التحديات نذكر منها التهرب الضريبي وحالات الإعفاء من دفع الاستحقاق الضريبي على الشخصيات او الشركات الاستثمارية التابعة لجهات متنفذة في السلطة او عن طريق دفع الرشاوي نضير تخفيض مقدار الضريبة بأرقام فلكية، وهذا يرتبط بالوضع التاريخي للدوائر الضريبية المصابة بأمراض مزمنة من الفساد والتلاعب في تخمين الضرائب، والتحدي الآخر يتمظهر بتجاهل فرض الضريبة على أصحاب الدرجات الخاصة بالإضافة إلى رواتب الرئاسات.
إن تحقيق العدالة الاجتماعية بين العراقيين تتطلب من الدولة مراجعة مستمرة لتحويل الثروة الوطنية المتحققة من كافة مصادر الدخل الوطني وإعادة توزيعها وفقا لمبادئ (العدالة الاجتماعية) الوضعية والموضوعية.