في مناسبة الذكرى التسعين لانطلاق الصحافة الشيوعية العراقية، أجرى الرفيق علي شغاتي حوارًا واسعا مع رئيس تحرير جريدة "طريق الشعب" الرفيق مفيد الجزائري، للوقوف على محطات هذه المسيرة الفريدة، التي بدأت بصدور أول عدد من "كفاح الشعب" عام 1935، وسط أجواء الهيمنة الاستعمارية والقمع البوليسي، لتتحول الجريدة إلى منبر نضالي يتصدى للحكومات الرجعية والدكتاتورية، ويصمد في وجه الملاحقة والمصادرة، ويعبّرعن هموم الجماهير وتطلعاتها.
لا يكتفي الحوار بتسليط الضوء على سنيّ الصدور والتوزيع السريين أو على العصر الذهبي في السبعينات، بل يمتد ليشمل تجارب الصحافة في السجون والجبال وسوح النضال الاخرى، والتحديات التي واجهتها "طريق الشعب" بعد 2003، وصولًا إلى التطورات الرقمية اليوم، ورؤية الصحيفة للمستقبل في ظل التنافس الإعلامي الحاد، وضعف التمويل، والتغيّر في أدوات التأثير.
في هذا اللقاء، نتابع شهادة من الداخل عن فلسفة الخطاب الصحفي للحزب، عن الموضوعية والجرأة، عن التوازن بين المبدئية والانفتاح، وعن السعي لبناء مؤسسة إعلامية حديثة موحدة، قادرة على مواكبة المتغيرات دون التخلي عن رسالتها الجذرية.
هنا النص الكامل للحوار:
علي شغاتي: يسعدنا أن نستضيف الرفيق مفيد الجزائري، رئيس تحرير "طريق الشعب"، للحديث عن مسيرة الصحافة الشيوعية العراقية في الذكرى السنوية التسعين لانطلاقها.
نسأل اولا عن تقييمكم لهذه المسيرة على مدى العقود الماضية من الكفاح والعمل الدؤوب؟
مفيد الجزائري: هي مسيرة فريدة حقا بكل ما تعنيه الكلمة؛ فريدة في ريادتها، في جسارتها، في تحديها للظروف القاسية المتنوعة، وفي ما أنجزت وحققت. نتذكر البدايات عندما صدر أول عدد من جريدة "كفاح الشعب" في 31 تموز 1935. وقتها كانت البلاد ترزح تحت وطأة الاستعمار البريطاني، الذي كان يفرض هيمنته المطلقة عبر سفارته في بغداد وحكم أعوانه وسلطاتهم وأجهزتهم، والكبت والقهر اللذين تمارسهما قوات شرطتهم وتشكيلاتهم المسلحة الاخرى. وبجانب ذلك كانت هناك التركة الثقيلة للعهد العثماني، والتخلف الاجتماعي الشامل السائد، مقابل الصراع المتنامي الذي يخوضه المجتمع للخلاص من ظلام القرون المخيم، وللتحرر وانتزاع الاستقلال والسيادة والسعي الى التقدم.
في تلك الاجواء شكل إقدام الحزب على اصدار جريدته الاولى خطوة بالغة الجرأة، وتحديًا سافراً لسلطة الاستعمار والرجعية. فقد خرج الشيوعيون بجريدتهم السرية رغم كل القيود والمخاطر. وبعد ذلك انغمروا في دفاع لا يكل عن مواصلة إصدارها وإدامته، وواصلوا جهودهم سنين طويلة لاحقة في البيوت السرية، بعيداً عن عيون الحكام وأجهزتهم احيانا، وفي مواجهات مباشرة مع مداهماتهم وكبساتهم احيانا اخرى. ولم تحظ الصحافة الشيوعية بفرصة للصدور العلني إلا بعد ثورة 14 تموز 1958. فالتحدي لم يكن لحظة عابرة شهدتها البداية، بل شكّل مسارا طويلا بقي يتمدد مع استمرار صدور هذه الصحافة سرًّا من البيوت الحزبية، سواء في بغداد أو في المحافظات والمدن العراقية الاخرى، واستمرار توزيعها رغم المنع والملاحقة والمصادرة، واعتقال الطباعين والناقلين والموزعين وسجنهم.
علي شغاتي: في مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز 1958، حدث نوع من الانفراج الذي سمح بصدور الجريدة بشكل علني، لكنّ معظم المتابعين يرون أن فترة السبعينات مثّلت العصر الذهبي للصحافة الشيوعية، إذ فاق تأثير "طريق الشعب" تأثير صحف الحكومة مثل "الثورة" و"الجمهورية”. بل وصلت مبيعاتها إلى أكثر من 60 ألف نسخة يوميًا. فكيف تمكنت من تحقيق ذلك الحضور والتأثير الكبيرين؟
مفيد الجزائري: نعم، الفترة الذهبية الحقيقية كانت في السبعينات وليس مباشرة بعد ثورة 14 تموز. فالمرحلة الاولى لم تدم طويلًا - سنتين فقط ، كانتا مشحونتين بالصراعات الشديدة، ولم تتوفر في أثنائهما بيئة مستقرة تتيح للصحافة النمو والتطور كما حصل لاحقًا، في السبعينات، عندما تهيأت فرص أفضل. وجاء صدور "طريق الشعب" العلني سنة 1973 ليعبّر عن تلك المرحلة، بعد أن مهّدت له مطبوعات اخرى صادرة عن الحزب الشيوعي.
جاءت ”طريق الشعب" جديدة تماما، سواء من حيث الشكل أو المضمون أو المعالجة التحريرية، واستطاعت أن تستقطب خيرة الكتّاب والمبدعين والأكاديميين، وان تجتذب وتؤهل خيرة المواهب. وكان هناك شعور بل ويقين عام بأنها تعبّر عن الناس، عن آلامهم وآمالهم ومطامحهم، فلم يكن غريبا ان تتحوّل إلى منبر واسع، بل وإلى مدرسة صحفية خرّجت أجيالًا من الصحفيين والكتاب الذين يُذكرون حتى اليوم.
علي شغاتي: أود هنا أن أركز على الجانب الشعبي في مسيرة "طريق الشعب”. كثيرون من أبناء جيلنا سمعوا قصصًا عن أناس أُعدموا لمجرد أنهم وزعوا الجريدة أو احتفظوا بها في بيوتهم، وليس لأنهم عملوا فيها مثلا. فما الذي جعل "طريق الشعب" تؤثر في وعي الناس الى الدرجة التي تثير خوف السلطة الدكتاتورية وحقدها؟
مفيد الجزائري: كانت شعبيتها طاغية فعلاً، إلى حد أن النظام البعثي، رغم كل ما امتلكه من إمكانات مالية وتقنية، لم يتمكن من أن يضاهيها بجريدتيه: "الثورة" و"الجمهورية”. كان توزيعها يسجل أرقاما مذهلة: 60 ألف نسخة يوميًا، وربما أكثر، وكانت تصل حتى الى إلأماكن النائية في أنحاء العراق. ولم يكن بمقدور أجهزة الأمن منع انتشارها، رغم الاجراءات الرادعة والملاحقات والاعتقالات. لقد فرضت "طريق الشعب" نفسها بقوة، ليس فقط بما كانت تنشر من مواد اعلامية وثقافية وتنويرية، بل وباللغة البسيطة والصادقة التي كانت تتحدث بها إلى الناس.
علي شغاتي: من الأمور اللافتة ايضا أن الحزب الشيوعي العراقي تميز بإصدار صحف بلغات غير العربية. كيف تنظرون إلى هذه التجربة؟
مفيد الجزائري: هذا بالفعل من السمات الفريدة لصحافة الحزب الشيوعي العراقي. فمنذ الأربعينات بدأ الحزب بإصدار صحف باللغة الكردية، مثل جريدة آزادي، التي عرفت لاحقًا باسم ريگاي كردستان وهي لا تزال تصدر حتى اليوم. وكانت هناك ايضا تجربة مبكرة لاصدار صحيفة باللغة الأرمنية، وقد حملت اسم “همك” (القاعدة).
نعم، كانت صحافتنا الشيوعية متعددة الأصوات، كما كانت متنوعة مواقع الصدور. بعضها ظهر في جنوب الوطن، وبعض في الفرات الأوسط، الى جانب كردستان وبغداد. وتنوعت الإصدارات ايضا، فكانت هناك صحف ومجلات الطلبة والشبيبة، وصحافة العمال، وصحف المرأة، وصحف الفلاحين، وحتّى جريدة عصبة مكافحة الصهيونية. هذا اضافة الى مجلة "الثقافة الجديدة".
هذا الكم الكبير من الإصدارات، الذي تدفق على مدى عقود من السنين، ومعظمه في ظروف العمل السري القسرية، لم يتحقق لغير حزبنا الشيوعي. ولسنا نهوّل اذا قلنا ان الصحافة الشيوعية كانت بحق مدرسة للنضال، ومدرسة للصمود بوجه القمع والانتصار عليه.
علي شغاتي: هناك تجربة صحفية اخرى لا تقل أهمية، تجربة صحافة السجون؟
مفيد الجزائري: صحافة السجون كانت من أنصع صفحات التحدي والإبداع الشيوعيين في أحلك الظروف. فداخل "نقرة السلمان" وغيره من السجون، كان السجناء السياسيون يصدرون صحفهم بخط اليد، لتُقرأ وتُسمع جماعيًا أو تُمرر من سجين الى آخر. وكانت تلك الصحف توثق صور المعاناة، وتنشر المقالات السياسية والثقافية، وتبقي جذوة الوعي والمعرفة متقدة رغم الجدران والقضبان والعزلة المديدة.
علي شغاتي: كذلك صحافة الأنصار في جبال كردستان.. فهي فصل خاص ومميز من مسيرة الصحافة الشيوعية.
مفيد الجزائري: من دون ريب. تجربة صحافة الأنصار الشيوعيين في تلك المناطق الجبلية اثناء الفترة الممتدة بين مطالع الثمانينات وأواخرها، كانت من أروع أشكال العمل الإعلامي المقاوم. فالى جانب "طريق الشعب" التي عاودت الصدور هناك تحرسها بنادق الانصار، راحت تصدر ايضا صحيفة "نهج الانصار" عن المكتب العسكري لقوات الانصار، والعديد من الصحف والنشرات السياسية – العسكرية الاخرى في قواطع العمليات المختلفة. واضافة الى ذلك كانت تتواصل من مناطق الكفاح الانصاري البرامج اليومية لاذاعة "صوت الشعب العراقي"، التي عاودت البث بعد انقطاع سنين. ذلك انها انطلقت لاول مرة في أعقاب انقلاب شباط 1963من بلغاريا الشعبية وظلت تذيع برامجها حتى سنة 1968. ولاحقًا وبعد انتفاضة آذار 1991، عادت الى بث برامجها ومن بلدة شقلاوة، واستمرت حتى انهيار النظام الدكتاتوري في 2003.
كان الأنصار في سنوات كفاحهم تلك يشغلون الاذاعة ويديمون عملها وبثها، كما كانوا يحررون الصحف ويطبعونها ويوزعونها، متجاوزين كل التحديات الأمنية واللوجستية. وكان نشاطهم الاعلامي ميداناً لتلاقح الكلمة والسلاح، في تجربة نضالية لا تتكرر ولا تنسى.
علي شغاتي: بالانتقال إلى مرحلة ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في 2003، من المعروف أن "طريق الشعب" كانت أول جريدة توزع في بغداد آنذاك. فكيف حدث ذلك واين كانت تصدر؟
مفيد الجزائري: حتى نيسان 2003 كنا نُصدر "طريق الشعب" شهريًا من شقلاوة. نحررها هناك ونطبعها في مطبعة "روشنبيري" بمدينة أربيل، ثم نوزعها يدويًا. وكنا نستخدم إذاعتنا "صوت الشعب العراقي " في بث تقارير الجريدة وتعليقاتها وموادها الاخرى. فما ان سقط النظام، حتى سارعنا لتهيئة مواد عدد الجريدة الجديد وتصميمه وطباعته، وحالما تم ذلك توجهت بنفسي الى بغداد حاملا عددا كبيرا من نسخه، حيث وزعناها على المواطنين المندهشين وغير المصدقين في الشوارع والساحات العامة. ومنذ يومها صرنا نصدر الجريدة اسبوعيا بنفس الطريقة: نحررها في شقلاوة ونطبعها في اربيل ونوزعها في بغداد ومنها الى ارجاء الوطن. واستمر الحال كذلك بضعة اسابيع، حتى عثرنا في العاصمة على مطبعة وافق صاحبها على استئناف تشغيلها رغم الاوضاع الاستثنائية السائدة.
علي شغاتي: النظام السياسي القائم يبدي الحرص، حتى هذه اللحظة، على مواصلة اجراء الانتخابات البرلمانية، وعلى تداول السلطة سلميا، وهناك ممارسات اخرى للديمقراطية، فلماذا يقال إنه لا توجد ديمقراطية؟
مفيد الجزائري: لا اعتقد ان هناك نفيا مطلقا لوجود الديمقراطية. لكن الصحيح هو ان عندنا حتى الآن مظاهر للديمقراطية، فهي ديمقراطية منقوصة وغير مكتملة. الديمقراطية لا تختصر بالانتخابات ومجلس النواب، بل هي منظومة متكاملة من الحقوق والحريات والتشريعات والمؤسسات والممارسات. ولكن حتى الآن ليس عندنا مثلا قوانين نافذة تضمن حرية التعبير بشكل فعلي. وهناك مواد دستورية واضحة لم يقم البرلمان بتنفيذها. كما أن هناك تشريعات أساسية، لم تُسن حتى الآن.
وخذ مثلًا منظمات المجتمع المدني، فرغم وجود قانون ينظم عملها، إلا أن تطبيقه إما مغيّب تمامًا، أو يتم بشكل جزئي وانتقائي، وأحيانًا بصورة مشوهة. ولا تنس ايضا انه حتى الشكل الأكثر شيوعًا للديمقراطية، أي الانتخابات، يعتريه الكثير من أوجه الخلل والنقص ومن التشويه.
في طريق الشعب، نحرص على معالجة هذه القضايا بشكل مستمر، ونكشف الممارسات التي تنال من جوهر الديمقراطية، لا سيما في مجرى العملية الانتخابية. أما المجالس النيابية التي تفرزها هذه الانتخابات، فهي كما نرى تفتقر إلى الكثير من المقومات الاساسية، سواء في أداء واجباتها التشريعية اوالرقابية، وهي غالبًا ما تُهمل متابعة أداء السلطة التنفيذية بالمستوى المطلوب.
علي شغاتي: أود أن أعود إلى الصحافة الشيوعية نفسها. من بين الملاحظات التي تُسجل عليها، عدم ذكرها الأسماء. فالقارئ اليوم لجريدة طريق الشعب نادرًا ما يجد أسماءً صريحة، حتى لمن تصدر بحقهم أحكام قضائية. ما سبب ذلك؟
مفيد الجزائري: في الاساس نحن لا نخوض معارك مع اشخاص. صراعنا مع الأفكار والمواقف والسياسات والرؤى. وحين نتحول نحو الشخصنة، نكون قد انحرفنا عما هو جوهري. علما ان من يرتكب خطأً بحق البلد أو المجتمع، تبقى مسؤوليته قائمة سواء ذكرنا اسمه أو لم نذكره. المهم هو تسليط الضوء على الفكرة، هو كشف السياسة الخاطئة والتصدي لها بنقد موضوعي دون الوقوع في ما قد يعتبر تشهيرا.
وحتى حين ننتقد الأفكار، فإننا لا نتعامل معها بتشويه أو إساءة، بل نوضح مواضع الخلل فيها. نحن نتصدى لمشروع سياسي، لا لأسماء عابرة. الأشخاص يتغيرون، يأتون ويذهبون، أما النهج والفكر فهما ما تتوجب مواجهته والوقوف ضده. منذ عام 2003 حتى اليوم تغيّر الكثير من الوجوه، لكن المشروع بقي هو ذاته، وهو ما نركز اهتمامنا عليه وتصدينا له.
علي شغاتي: لكن البعض يفسّر هذا التعامل بأنه نابع من تردد أو حتى من خوف. دعني أكون صريحًا، هناك من يصفه بضعف في الجرأة.
مفيد الجزائري: أعلم أن هناك من يرى ذلك، لكني أعتقد أنها رؤية غير دقيقة. ففلسفتنا في تحرير الجريدة واضحة: نحن نواجه ونفضح السياسات لا الأشخاص. الشخص يرحل ويأتي غيره، فيما تبقى الأفكار والسياسات قائمة. لهذا، فإن المعركة التي نخوضها فكرية ومبدئية وليست شخصية. وما دام المشروع السياسي قائما، فإن التصدي الناجع له لا يتم بتسمية الأشخاص بل بكشف جوهره.
علي شغاتي: من المآخذ الأخرى، التي تتردد في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، أن دور الصحافة الشيوعية في تشكيل الرأي العام بات ضعيفًا أو غير محسوس. الناس تنتظر ما يصدر عنها، إلا أن تأثيرها لا يبدو بمستوى الترقب. كيف تقيّمون هذا الواقع؟ وكيف ترون امكانية التطوير والتوسع؟
مفيد الجزائري: لا شك أن تأثير الصحافة الورقية عموما، بما في ذلك طريق الشعب، تراجع في ظل الثورة الرقمية. جمهور الصحافة الورقية أصبح بالفعل محدودًا، لكننا نسعى إلى تجاوز هذا التراجع عبر الافادة من التقدم التكنولوجي ذاته، عبر التوسع في النشر الإلكتروني.
نوزع طريق الشعب اليوم إلكترونيًا بأعداد كبيرة، ونعمل على تعزيز هذا التوجه. لكن التأثير الحقيقي لا يتأتّى من النشر وحده، بل من تقديم مادة إعلامية رصينة، خطاب واضح، تحليل عميق، وآراء مقنعة. هذا هو الجانب الأول. أما الجانب الثاني، فهو امتلاك أدوات النشر والتوزيع على أوسع نطاق ممكن.
ولقد قطعنا في الآونة الماضية شوطا لا بأس به في تطوير محتوى الجريدة، والانتقال من مجرد نشر الأخبار إلى التقصي والتحليل والاستنتاج. محتوى الجريدة اليوم، من حيث النوعية، جيد وغني، لكنه بحاجة إلى قدرات تقنية وبشرية أكبر من أجل الانتشار والتأثير. لدينا وجود نشط على منصات تواصل مثل تيليغرام، إنستغرام، فيسبوك، والموقع الإلكتروني الرسمي. وكل هذه المنصات تُدار بشكل تكاملي مع الصحيفة الورقية.
في الوقت نفسه نعمل على تأسيس مؤسسة إعلامية موحدة تجمع كل هذه المنابر تحت مظلة واحدة، وتحقق تكاملا إعلاميا حقيقيا بين الصحافة الورقية والرقمية.
علي شغاتي: معلوم إن كل مشروع تطويري يحتاج إلى تمويل. لكن واحدا من أبرز التحديات التي تواجه الصحافة الشيوعية، كما نعلم ايضا، هو ضعف الموارد. كثيرًا ما نسمع عبارة: "الشيوعيين ما عدهم فلوس". فكيف يمكن منافسة أحزاب تمتلك فضائيات وصفحات تموَّل بالملايين، بينما ميزانيتكم لا توازي جزءا صغيرا مما تنفقه تلك الجهات سنويًا؟
مفيد الجزائري: في صحافتنا الشيوعية نُولي أقصى الأهتمام للاستقلال في التحرير وفي التمويل. نرفض التمويل الخارجي ولا نقبل من الإعانات الا غير المقيدة بأيّة شروط. نحن صوت الحزب الشيوعي العراقي، وسنظل صوته المستقل الأمين مهما بلغت التحديات.
نعم، هناك أحزاب تنفق ببذخ على وسائلها الإعلامية، لكنها في المقابل مقيَّدة بإرادات مموليها. هذه لعبة نحن بعيدين عنها تماما ونظل كذلك. فاستقلالنا رأس مال حقيقي لنا، وسنبقى نحافظ عليه.
علي شغاتي: حتى نكون واضحين، طريق الشعب جريدة تنطق باسم الحزب الشيوعي العراقي، فهل هي بصفتها هذه تخاطب الشيوعيين وحدهم، أم أن خطابها موجه إلى جمهور أوسع؟
مفيد الجزائري: خطاب الجريدة وطني تقدمي يخاطب عموم الشعب العراقي. صحيح أنها تنشر أخبار الحزب ونشاطاته، لكن جوهر رسالتها هو التعبير عن هموم الجماهير وآمالها وتطلعاتها. نحن لا نخاطب الشيوعيين فقط، بل نوجه خطابنا إلى كل من يسعى إلى الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية. انه خط الجريدة الواضح والثابت، ولن نحيد عنه.
علي شغاتي: كيف يمكن للإعلام الشيوعي اليوم أن يحقق التكامل بين الورقي والرقمي، مثلما استطاع في زمن الجبل ان يجعل الجريدة تُكمل الإذاعة وبالعكس؟
مفيد الجزائري: نعم، نحن نؤمن بضرورة التكامل، ونعمل على تحقيقه بالفعل، حيث اننا لم نبلغ بعد المستوى الذي نطمح إليه. رغم ان المواد التي تُنشر اليوم في طريق الشعب تُعاد صياغتها ويعاد نشرها في مواقع الحزب الالكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة.
نحن نسعى اليوم إلى مأسسة جهدنا الإعلامي في إطار "مؤسسة طريق الشعب"، لتضم الجريدة، والموقع الإلكتروني، ومنصات التواصل، ولتعمل جميعا ضمن منظومة إعلامية موحدة. فهدفنا هو ألا تبقى هذه الوسائل مستقلة عن بعضها، بل أن تتكامل وتخدم بعضها في إطار رؤية إعلامية واحدة.
علي شغاتي: هل يمكننا القول إن الصحافة الشيوعية توقفت عند حدود طريق الشعب، أم أن هناك ما هو جديد في الأفق؟
مفيد الجزائري: الصحافة الشيوعية لم ولا تتوقف عند الورق. ما ننشره رقميًا هو امتداد طبيعي لعملنا الصحفي، لكن بصيغة معاصرة. قد يأتي يوم يصبح فيه نشرنا الورقي أسبوعيًا أو شهريًا فقط، ويكون الحضور الرقمي هو الأساس. فالمنبر الجماهيري الحقيقي اليوم هو الإعلام الرقمي، ونحن نعمل على تطويره بكل الوسائل المتاحة.
علي شغاتي: ما الكلمة التي تود توجيهها في الختام لقرّاء طريق الشعب؟
مفيد الجزائري: المسارالذي باشرناه لتطوير صحافتنا الشيوعية بمنابرها المختلفة، وتحويلها إلى مؤسسة إعلامية حديثة ومتكاملة، سيستمر ويتعزز. لدينا لهذا الغرض فريق محدود العدد، لكنه يتمتع بكفاءة عالية وقدرة ابتكارلافتة، وهو يعمل بجهد كبير ويحرز نتائج ملموسة رغم محدودية الموارد. هذا الفريق يستحق كل الدعم، وهو من نضع كل إمكانياتنا المتاحة في خدمته.
نحن في طريقنا إلى مرحلة جديدة ومتقدمة في العمل الصحفي، وسنواصل المسير بثقة حتى نبني شبكة إعلامية شيوعية فاعلة ومؤثرة، تحتضن كل مرافقنا الورقية والرقمية في إطار واحد متكامل.