قد يتساءل بعض أهل الرياضة: لماذا يتوجه أغلب – إن لم أقل كل – الأطفال إلى ساحات كرة القدم دون غيرها من الألعاب؟
أرى أن هؤلاء الصغار يجدون اللعبة مثيرة، ولوازمها متوفرة، وساحاتها قائمة حتى في الشوارع والأزقة، ولهذا وجدناها في كل مكان وزمان.
أما الألعاب الأخرى فنجد صعوبة في ممارستها؛ فملعب كرة السلة يحتاج إلى أهداف خاصة، والكرة الطائرة لابد لها من شبكة، وكرة المنضدة تحتاج إلى طاولة ومضارب. وهذا حديث يطول، بينما نختصره بسهولة توفر ملاعب وساحات كرة القدم وبساطة قوانينها وشروطها وأعرافها.
لذا أجدني اليوم أدعو إلى الاهتمام ببقية الألعاب ورعايتها وتشجيع ممارستها، والحث على التوجه نحوها، فعندئذٍ تتوفر الرغبة والحماسة لمزاولتها. وفي هذه الحالة نؤسس لقاعدة واسعة من الألعاب المتنوعة. وهنا أقول لأحبتي قادة المؤسسات الرياضية: عليكم أن تتوجهوا نحو ألعاب جديدة (قديمة) وحث الشباب والأطفال على ممارستها، وفتح آفاق جديدة أمام هذه النخب. أما الإصرار على كرة القدم وحدها وكأنها اللعبة الوحيدة في الميدان، فإنه يؤدي إلى موت ألعاب كبيرة ومهمة قادرة على تحقيق الميداليات الأولمبية والفوز في البطولات العالمية والقارية، وهذا أعز ما نتمناه.
ومن هنا أدعو أحبتي في الاتحادات الرياضية المركزية إلى السعي لتأسيس مراكز تدريبية للألعاب الأخرى؛ فمثلاً في بغداد نقيم أربعة مراكز تدريبية في الكرخ والرصافة، وفي المحافظات مركزاً أو مركزين، مع فتح مركز في كل قضاء أو ناحية بحسب الأهمية وعدد السكان. ومن الممكن أن يتم افتتاح هذه المراكز بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة أو في أحد منتديات الشباب أو الأندية الرياضية. ومن خلال هذه الخطوات نستطيع توسيع الحركة الرياضية في الأندية والمنتديات الشبابية.
ولتكن الخطوة الأولى هي الاهتمام باللعبة الأكثر شعبية في المحافظة، أو تلك التي يفضلها الجمهور الرياضي، أو اللعبة التي لديها قاعدة من الهواة، ثم نحاول من خلال التوعية والتشجيع توجيه الرياضيين نحو ألعاب أخرى مهمة وخاصة. وحتى نتمكن من إنجاح هذا المشروع، يجب أن نوجه اللاعبين وفق رغباتهم وقابليات أجسادهم، كما يحدث في الكثير من بلدان العالم، مع تقديم بعض المحفزات والمشجعات. فمثلاً: أصحاب الأجسام الطويلة نوجههم لكرة السلة والكرة الطائرة، والأجسام الخفيفة للجمباز وألعاب القوى، وذوو الأجسام المتناسقة لرياضات أخرى.
كما نحاول اكتشاف القابليات في كل الألعاب، ويقوم الخبراء بانتقاء الرياضيين وفق رغباتهم وإمكاناتهم، مع الحد من التوجه المفرط لكرة القدم، خاصة لأولئك الذين لا يصلحون لها إطلاقاً، بينما قد يبدعون في ألعاب أخرى ويحققون فيها إنجازات متقدمة.
هذه المراكز يمكن أن تشرف عليها الاتحادات الرياضية، سواء المركزية منها أو الفرعية في المحافظات. كما يمكن إقامة بطولات لكل الألعاب تشارك فيها الأندية، والهدف منها معرفة المستوى العام لكل رياضة، وتقديم الجوائز والهدايا للفائزين، مما يساعد على اكتشاف الأبطال وتقدير مقدار تقدمهم ونجاحهم. ومن خلال هذه الأنشطة سنكتشف القابليات الفنية والتدريبية، وخاصة لدى معلمي ومدرسي التربية الرياضية.
إن المراكز التدريبية ستساهم في صناعة أبطال للرياضة. أما أن يبقى عضو الاتحاد المركزي أو الفرعي في المحافظات دون عمل أو نشاط، مكتفياً بانتظار الانتخابات القادمة أو رحلة خارجية للمشاركة في نشاط اتحادي، فهذا أمر لا يليق.
لذا أدعو أحبتي في الاتحادات الرياضية، المركزية منها والفرعية، إلى أن يقدموا أنفسهم كمؤسسات رياضية فاعلة وعاملة، تدرك حجم مسؤولياتها الكبيرة، وتسعى إلى صناعة أبطال وإنجازات رياضية، وأن يبذلوا جهوداً مضنية للارتقاء بألعابهم وتطويرها وصناعة البطل الرياضي.