اخر الاخبار

بدأت الكرة العراقية تعاني من ارتفاع عقود اللاعبين المحترفين، وكذلك زيادة أسعار اللاعبين المحليين، مما تسبب في ارتفاع أسعار "البورصة"، وهو ما دفع الأندية الفقيرة إلى البحث عن مصادر لتمويلها. كما ازدادت في الأندية المختلفة نسبة الوسطاء والسماسرة و"الفاسدين"، خاصة وأننا ما زلنا نعاني حداثة عالم الاحتراف وقلة معرفتنا بهذا العالم الجديد.

لقد ساهم في ترسيخ هذا الواقع فتح بعض الأندية "الغنية" أبوابها للاحتراف على مصاريعها، بسبب وفرة المال لدى قياداتها، على عكس الأندية الفقيرة التي تحاول بالكاد ترتيب ميزانيتها وأوضاعها وموقفها المالي. وعلى هذا الأساس، وبمناسبة انطلاق الموسم الجديد 2025 – 2026، أقول لأحبتي قادة الأندية الرياضية: عليكم أن تنظموا عقود لاعبيكم المحترفين بشكل يتناسب مع قدراتكم المالية وإمكانات الجهات الداعمة لأنديتكم، مع اتخاذ خطوات عملية وتدريجية، حسب المتوفر والممكن.

وقد ناشدتُ الاتحاد العراقي لكرة القدم بتقليص عدد المحترفين إلى أربعة لاعبين فقط، وذلك لعدم قدرة إمكانات الأندية الرياضية على تحمّل أكثر من ذلك. وهذه هي الخطوة الأولى. أما الخطوة الثانية والأهم، فهي السعي إلى تحديد الحد الأعلى لقيمة عقود اللاعبين المحترفين، للحد من المضاربة والتلاعب بأسعارهم وأقيامهم. وهذا ما نجده معمولًا به في أغلب البلدان التي تطبّق حديثًا البرامج والتوجهات الاحترافية.

لكن التجربة الأهم التي يجب تطبيقها هي برنامج إعداد اللاعبين الشباب، خاصة وأننا في العراق نمتلك قاعدة كروية واسعة، وعددًا كبيرًا من اللاعبين في الفئات العمرية دون 15 سنة، إضافة إلى وجود حب واشتياق لممارسة كرة القدم يفوق الألعاب الأخرى. وهذا ما يوفر كتلًا بشرية راغبة في ممارسة اللعبة.

هذه الخطوة ستساهم في توفير أعداد كبيرة من المواهب في الفئات العمرية، إن وُجد لها الموجّه والمربي والمختص. لذا، أقول لأحبتي في الأندية الساعية لتطوير كرة القدم: عليكم أن تتوجهوا أولًا إلى اللاعب المحلي، وإعداده بشكل صحيح وملائم وعلمي. عندها سننجح في خلق قاعدة شبابية للكرة العراقية، بل وحتى للألعاب الأخرى. ويمكن أن تظهر النتائج الإيجابية لهذا المشروع خلال (3 – 5) سنوات في أكثر الاحتمالات. وإذا تطلب الأمر مزيدًا من الاهتمام والرعاية والعناية بهؤلاء اللاعبين، فمن الممكن اختيار مدربين مختصين للعمل مع الفئات العمرية المبكرة، لتحسين أدائهم ومسيرتهم، وتجاوز أخطائهم، وتصحيح الأساليب الخاطئة في تدريبهم على أساسيات كرة القدم.

لقد أطلق بعض الصحفيين الرياضيين العرب على العراق لقب "برازيل العرب"، نظرًا لمستوى لاعبيه. علمًا أن الكثير من قدامى اللاعبين السابقين سبق لهم أن عملوا وأشرفوا على فرق الفئات العمرية، وهي الفئة التي تشكل أساس البناء الرياضي الشامخ.

إن الخطوات العملية بكل تفاصيلها (براعم، أشبال، ناشئين، شباب، رديف) يجب أن تتبناها الأندية، وأن يساهم اتحاد كرة القدم في الإشراف على هذه الفئات، وإقامة بطولاتها ومسابقاتها، وتخصيص جوائز جيدة ومغرية لها، بغرض تشجيعها وإسنادها ودفع الأندية لتفعيلها والعمل بموجب هذه السياسة الرياضية الرصينة.

إن إعطاء دور للمسابقات والبطولات الخاصة بهذه الفئات العمرية سيساهم في تحسين أجواء المنافسات، وتشجيع الأندية على المساهمة فيها. وبهذا نستطيع تحقيق أهداف كثيرة للكرة العراقية، ومن خلالها نساهم في تطويرها ونهوضها.

ولنا تجارب ناجحة في هذا المجال، حيث كانت مساهمة طيب الذكر هادي عباس عام 1959 بتأسيس أول فريق مثل العراق في مشاركات خارجية، وكذلك تجربة الدكتور يوري السوفيتي الذي شكّل منتخب الشباب العراقي في الفترة (1969 – 1971)، والذي فاز على منتخب ألمانيا الديمقراطية بنتيجة (3 – 0)، وتقدم أغلب لاعبي ذلك المنتخب لتمثيل المنتخب الوطني العراقي.

وقد أثبتت الكثير من التجارب أن بناء منتخبات عراقية قوية تم غالبًا من خلال برامج الفئات العمرية التي اعتمدتها الاتحادات العراقية لكرة القدم خلال عقود طويلة. وأكدت الأيام والأحداث الرياضية أهمية إقامة التجارب الشبابية في رفد الفرق العراقية بكفاءات ومواهب قدمت نفسها بقوة إلى الساحة والمنتخبات بمختلف أنواعها.

أما أن نتوجه مباشرة إلى عالم الاحتراف، دون مراعاة للظروف والإمكانات، ودون وجود داعمين ومساندين ورجال أعمال يقفون خلف هذه الأندية، فإنها ستواجه بالفشل والخيبة.