تشكل تكاليف المعيشة للعراقيين فقرة مهمة في البرنامج الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب بعد التشكيلة الحكومية الحالية كونها تمس حياة النسبة الأكبر من العراقيين، ويعتبر التحسن في تكاليف المعيشة بما ورد في البرنامج أحد المعايير الاقتصادية التي تؤشر الكفاءة في الأداء وإلى إرادة طيبة للحكومة إذا ما أحسن التنفيذ والذي لم تبان نتائجه المتوخاة حتى الآن بالرغم من اقتراب الحكومة من نهايتها الدستورية.
والحديث عن تكاليف المعيشة يقود إلى البحث في العديد من المفردات الاقتصادية المتداولة في التحليلات الاقتصادية التي تؤثر على تكاليف المعيشة ومنها حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، ومستوى أسعار السلع والخدمات والتغيرات في الناتج المحلي الاجمالي، ونسبة النمو في الاقتصاد وسوق العمل الذي يحدد حجم العمالة في الاقتصاد، وانعكاس ذلك على مستوى الأجور والخدمات، ونسبة النمو السكاني، وما إلى ذلك، وهذه كلها متغيرات اقتصادية تسهم بهذا الشكل أو ذاك في التأثير على المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة.
وتدل المؤشرات المنبثقة عن المسوحات الإحصائية، أن معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي مقاسا بأسعار المستهلك فعلى سبيل المثال انخفضت في عام 2009 ست مرات عما كان عليه الحال في عام 2000 بسبب ارتفاع الأسعار بنفس النسبة على الرغم من أن هذا المعدل في عام 2009 كان 129 دولار فيما كان المعدل في عام 2000، 686 دولار لكن القيمة الحقيقية في ذلك الوقت أقل مما عليه الحال في عام 2009 عدة اضعاف وذلك بسبب اجراءات تعويضات الحرب التي كانت 25 في المائة انخفضت بعد سقوط النظام إلى 5 في المائة. وإذا احتكمنا إلى أرقام الانتاج النفطي الذي يعتبر أساس احتساب الانتاج المحلي الاجمالي لتوصلنا إلى حقيقة أن انتاج النفط عام 2000 كان 2،8 مليون برميل يوميا انخفض إلى 1،9 عام 2005 وازداد إلى 2،4 عام 2009 اما الآن فقد ازداد إلى اكثر من 4 ملايين برميل مع زيادة في الانتاج المحلي الاجمالي في العام الجاري بسبب ازدياد أسعار النفط في عام 2024 حيث وصل سعر البرميل الواحد في هذا العام إلى أكثر من 80 دولارا، وعلى الرغم من هذه الزيادات فان قيمة الدخل الحقيقي للطبقة الفقيرة كان متدنيا، اذا ما قيس ببعض فئات من موظفي الدولة التي تحسن مستوى دخلها بسبب الزيادات في الرواتب والامتيازات المتراكمة من سنين سابقة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب ومن ابرزها الفساد المتفشي بسبب المحاصصة في اشغال الوظيفة العامة في معظم دوائر الدولة، ورداءة في البطاقة التموينية كما ونوعا، مما يقضم الجزء الأكبر من الواردات النفطية بالإضافة إلى انتشار البطالة المجتمعية والزيادات الكبيرة في أسعار السلع والخدمات الأساسية وخاصة اسعار المواد الغذائية والأدوية والصحة والتعليم الخاصين بالمقارنة مع ما تقدمه المؤسسات الحكومية ومن هنا يتعين مراجعة حقيقية للسياسة الاقتصادية بما يصب لصالح الطبقات الفقير والحدود الدنيا من الطبقة المتوسطة من خلال :
- التعجيل في مراجعة القوانين الاجتماعية البطيئة في التنفيذ كقانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي.
- السعي الجاد من أجل السيطرة على الأسعار في السوق عبر مراقبة تغيراتها والأسباب التي تقف وراء زيادتها وتشديد الرقابة على ممارسات التجار ومحاولاتهم في احتكار السلع الغذائية الاساسية ونرتأي تأسيس مجلس أعلى لرسم السياسات الاقتصادية.
- ربط الزيادات في الرواتب بما فيها الرواتب التقاعدية بمعدلات التضخم وتفعيل الوزارات المعنية بالتضخم بما فيها البنك المركزي في مراقبة ظواهر التضخم في الاقتصاد.
- معالجة ظاهرة البطالة وخاصة الخريجين وهذا يقتضي من بين أمور عديدة التوسع في مشاريع الإنتاج وتطوير النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص بمجالات الصناعة والزراعة والخدمات ومعالجة معوقات الاستثمار ضمن إطار استراتيجية تنموية مستدامة.
- تحسين أداء البطاقة التموينية ومعالجة الاخفاقات في توفيرها للمواطنين والاهتمام بنوعيتها، ودعم أسعار الأدوية والعقاقير الطبية وتحديد أسعار الكشوفات الطبية في العيادات الخاصة والحد من تضخمها، وفي ذات الوقت تحسين الخدمات في المستشفيات الحكومية.