اعتمد العراق على القطاع العام لفترة طويلة كقطاع رئيسي والسبب في ذلك عدم قدرة القطاع الخاص على تمويل المشاريع الخاصة واقتصر على تملك بعض المشاريع الصغيرة لكنها تدار بطرق بدائية تفتقر إلى عنصر المبادرة والابتكار. ويبقى النمو الاقتصادي معلقا بانتظار قدرة القطاع العام على النهوض بعملية التنمية رغم بعض المشاكل التي تواجه التفرد بالقطاع العام بوصفه البديل الأكثر قدرة على التمويل وإدارة ا لاقتصاد الأمر الذي دفع الدولة للتفكير بالبحث عن بديل مشترك يجمع بين القطاعين العام والخاص كتوجه لإصلاح الاقتصاد العراقي.
إن الشراكة التي أقدمت عليها الحكومة العراقية وشرعت لها قانونا خاصا الذي يشكل عقدا طويل الأجل يقوم على توظيف امكانياتهما البشرية والمادية والإدارية والتنظيمية والمعرفية والمساهمة في تحمل المسئولية المشتركة في إنشاء المشاريع ذات النفع العام وتأمينها لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية بتقديم خدمات أفضل لأكبر عدد من الشرائح الاجتماعية وأريد بهذا القانون تدشين عملية الإصلاح الاقتصادي.
لكن القطاع المختلط التي تمتد جذوره إلى عشرات السنين الماضية منذ تأسيس شركة السمنت العراقية بدعم من المصرف الزراعي وكان السبب في ذلك عدم قدرة القطاع الخاص على تنفيذ المشاريع الصناعية الكبيرة. ومن المعروف أن عدد مشاريع القطاع المختلط 42 شركة ومن أبرزها على سبيل المثال شركة الصناعات الالكترونية وشركة الصناعات الخفيفة وشركة الهلال الصناعية والشركة الوطنية للصناعات الكيميائية والبلاستيكية وغيرها وقد لعبت هذه المصانع دورا ما زالت تختزنه الذاكرة العراقية، ويمتلك هذا القطاع أفضل الأراضي والأبنية والبنى التحتية غير ان الحكومة كالمعتاد قد أهملت هذا القطاع.
غير أن الشراكة بين القطاعين لا ينبغي النظر إليها انطلاقا من جذورها التاريخية او الواقع المؤلم على ضوء النمو الاقتصادي الراهن الذي يعاني من مشاكل بنيوية تتجسد في الطابع الركودي طبعا باستثناء قطاع البترول ومدى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي فلهذا القطاع خصوصية معينة حيث يشكل لوحده 96 في المائة من إجمالي الإيرادات ويشكل 85 بالمائة في تمويل الموازنة السنوية و42 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فيما تشكل الصناعة والزراعة معا 5.9 من الناتج المحلي الإجمالي وعجزت الحكومة من تنفيذ برنامجها بتحقيق إيرادات سنوية مقدارها 20 تريليون دينار، وحسب إحصاءات البنك المركزي فان الديون الخارجية بلغت 54 مليار و601 مليون دولار في عام 2024 بينما كانت 56 مليار و207 مليون دولار في عام 2023 مما تشكل 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا، دعك من حجم الدين الداخلي الذي وصل في شهر شباط من عام 2025 إلى 82 تريليون دينارا، فهل يمكن للمشاريع التشاركية بين القطاعين أن تسهما معا بنسبة ما في تحمل أعباء الدين وتوفير فرص العمل؟ ويبدوا لنا أن المشاركة في القطاعين لم يفلحا لحد الآن أن يظهرا أية إمكانية تحمل أعباء تنموية تنهض بالاقتصاد خارج حالة الركود بسبب التحدي الأكبر المتأتي من ضعف العملية التخطيطية وهيمنة السوق الموازي وحالة الفساد وعمليات التهريب التي تسهم بدور تخريبي في تقييد الإنتاج والمبادرة والابتكار في العملية الإنتاجية وضعف الأنشطة الرقابية على أداء المشاريع.
إن السير في إنجاح عملية المشاركة بين القطاعين العام والخاص تتطلب حزمة من الإجراءات المقننة نذكر منها:
- إعادة النظر في تدعيم القطاع المختلط وتوفير الأجواء الملائمة لتوسيع منظومته المؤسسية من المشاريع الأفضل جدوى في توسيع العمالة الكثيفة عبر تقديم التسهيلات الائتمانية وإدخال عناصر التكنولوجية في خطوط الإنتاج وتحديث المكائن في المشاريع القديمة.
- تدعيم مشاريع القطاع الخاص القائمة والارتقاء بنشاطها وخاصة توفير مصادر التمويل الداعم عبر الموازنة الاتحادية القادمة والارتقاء بمستواها لكي تكون جاهزة للمشاركة مع القطاع العام وفق عقود طويلة الاجل تتمتع بالشفافية والمرونة القابلة لإجراء التغييرات التشريعية والبنيوية إذا اقتضت متطلبات التنمية الاقتصادية موضوعيا.
- اختيار الإدارات التي تتمتع بمستوى عال من الكفاءة والخبرة القادرة على التنفيذ والمتابعة والمراقبة وتطوير الإنتاج من خلال الحوكمة ومعايير الجودة.