منذ مدة والعديد من القوى ، بما فيها قطاعات شعبية واسعة ، يضع مسالة التغيير على جدول اعماله ، ويُقرّ بان استمرار الحال على وفق النهج المتبع حتى الآن في بناء الدولة وادارتها، لن يفضي الا الى المزيد من التدهور على الصعد كافة.
فالمنظومة التي تقاسمت السلطة منذ ٢٠٠٣ حتى اليوم انطلقت في بناء مؤسسات الدولة واسناد المواقع والوظائف العامة، من المحاصصة، التي قيل ويقال انها تضمن التوازن والمشاركة ، في حين انها تختزل " المكونات " وتحصر تمثيلها في أحزاب وافراد وعوائل معينة ، وتُغيّب منطق الكفاءة والوطنية والنزاهة. وقائمة السفراء المقرة حديثا ، شاهد قريب على ذلك .
هذا النهج المتبع تسبب في هشاشة البناء المؤسسي للدولة، وفي اضعافها وشل قدرتها على القيام بواجباتها على الوجه المطلوب، وغيّب الوطنية العراقية الجامعة، وأضاع سنوات من فرص البناء والاعمار واهدر المال العام، وثلم القرار الوطني العراقي المستقل، وفتح أبواب العراق لكل من هب ودب . وأصبحت هذه المنظومة بفعل نهجها وطبيعتها، عاجزة جتى عن صيانة السيادة الوطنية وحفظ حقوق العراق في أراضيه وسمائه ومياهه .
وبمرور الزمن ، وتفاقم المشاكل المستعصية، وانكفاء المتنفذين على ادامة نفوذهم وسلطتهم وتفردهم بالقرار واحتكاره، أصبحت هذه المنظومة التي لا تمثل الا نفسها ومصالحها ، عائقا امام التوجه الجدي لبناء عراق جديد ، يوظف امكانياته كافة لبناء مجتمع مرفه يتمتع بثرواته وبكامل حقوقه. وغدت المنظومة اقلية معزولة عن الأكثرية المطلقة من المواطنين ، ومن مختلف أطياف الشعب العراقي ، التي تعاني الامرّين ، فيما يتفيّأ المتنفذون في ظلال نعيم الاباطرة والسلاطين .
و قاد هذا النهج والتمسك به الى افراز حكومات لا تمتلك ناصية قرارها الموضوع خارجها، وهي عموما افتقرت الى رؤى متكاملة واستراتيجية لمعالجة الازمات البنيوية، التي يعيش البلد تداعياتها.
من جانب آخر، وحيث تعجز هذه المنظومة عن ملاقاة حاجات الناس والاستجابة لها ، فانها تنساق ، وبعكس كل ما تعلنه ، الى المزيد من التضييق على الهامش الديمقراطي والحريات، والى تنميط حياة الناس وتأطيرهم بما تريد هي، ومصادرة حق التعبير والرأي والاحتجاج . والشاهد الراهن هو القمع الذي تتعرض له المظاهرات والتجمعات المطلبية والاحتجاجية. ناهيك عما تعرضت له انتفاضة تشرين ٢٠١٩ من بطش وعسف وملاحقة وتغييب واغتيال.
فاهمية التغيير تنبع أساسا من الفشل المتراكم للمنظومة ونهجها، وعجزها طيلة ٢٢ عاما عن تقديم الحلول ، رغم اغداق الوعود. واعتدنا ان نسمع كل من يأتي الى السلطة من المنظومة ذاتها يلقي بالمسؤولية على من سبقه، ويطالب باعطائه فرصة أخرى ، وعلى هذا المنوال وصل بنا الحال الى ان يغدو صرف الراتب مكرمة وإنجازا كبيرين!
لذا فان استمرار هذا النهج لا يعني الا غياب الحلول الجذرية، وعليه يكون التغيير لا ترفا فكريا ومناشدة معزولة عن الواقع ، بل ضرورة لانقاذ البلد مما هو فيه من سوء.
ويتوجب هنا التأكيد بان التغيير المنشود ينصب على الخلاص من المحاصصة ونهجها المدمر والفاشل ، وقطعا هو لا يستهدف أيا من أطياف شعبنا المتآخية ، فهي دفعت جميعا فاتورة الفشل المتراكم للمتنفذين على اختلاف تلاوينم. وهو أيضا لايستهدف افرادا او مجموعة بعينها ، بل يراد منه وقف الانزلاق والمزيد من التدهور، وفتح فضاءات جديدة والسيرعلى طريق بناء عراق مختلف يقوم على الديمقراطية الحقة ، والمواطنة، والعدالة الاجتماعية ، وبناء دولة المؤسسات والقانون ، كاملة السيادة ومالكة قرارها الوطني المستقل .
وبهذا المعنى المقصود بالتغيير المنشود فان لأطياف شعبنا جميعا مصلحة في تحقيقه ، ويبقى الشعب العراقي بفعالياته المختلفة ، وعلى تعدد مشاربها وانتماءاتها ، هو الحاضن الأساس له ، فيما تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الأحزاب والقوى المتطلعة الى التغيير. اما النخب الثقافية والفكرية ، ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات والنقابات ، فتُنتظر منها المبادرة الى رفع الوعي واعلاء شأن المواطنة العراقية الجامعة وتعرية الخطاب الطائفي المقيت.
نخلص الى ان التغيير المطلوب قابل للتحقيق ، وهو بحاجة الى جهود متراكمة ، وعمل صبور ، وتحشيد للطاقات الوطنية ، والى مشاركة جماهيرية واسعة في الانتخابات ، والى عمل سلمي متعدد الاشكال لايجاد توازن جديد للقوى، قادر على تحويل التذمر والمعاناة الى مشروع وطني بديل .