تعتبر القروض التي تلجأ اليها الدول النامية في الغالب، والعراق بطبيعة الحال من ضمنها، من العقبات الكأداء التي تقف أمام عملية النمو الاقتصادي من خلال حجم ومقدار هذه الديون الخارجية والداخلية منها، وشروط تسديدها، وقد أثبتت التجارب العالمية في العديد من البلدان النامية أنها تدخل اقتصاداتها في حلقة مفرغة تتسبب في إضعاف قدرة البلد على التسديد في المدى الطويل والمتوسط وبالتالي انعكاسها على مستوى التطور الاقتصادي فضلا عن دورها في تنميط شكل النظام السياسي بالنظر إلى الشروط المجحفة التي بضعها المقرضون الخارجيون الذين يحتكرون عمليات الإقراض بفعل هيمنة الدول الكبرى المسيطرة على صناديق الاقراض المعروفة خارج المبادي التي وضعت عام 1945 في اتفاقية (بريتون وودز ) التي شاركت فيها 44 دولة .
والاقتصاد العراقي مكبل بنوعين من هذه القروض والأشد وطأة منها الديون الخارجية التي تسجل بالعملة الأجنبية، وهذ العبء لا يتعلق بمقدار الدين بحد ذاته وانما بخدمات تلك القروض ولاسيما عندما يصار وفقا للاتفاق على تسديد الخدمات قد تستمر لسنوات مع تأجيل التسديد لأصل الدين، فالعراق في مثل هذه القروض مطالب بدفع أكثر من 10 مليار دولار سنويا في موازنة 2024 على سبيل المثال، فحسب تصريحات المستشار المالي لرئيس الحكومة د. مظهر محمد صالح ففي عام 2020 بلغ مجموع الديون الخارجية والداخلية134.4مليار دولار وان حجم الديون الداخلية 60 أما حجم الديون الخارجية وفقا للبنك المركزي قد بلغت 54 مليار و601 مليون دولار في عام 2024 فيما كانت في عام 2023 56 مليار و207 مليون دولار وتشكل 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي والعراق مطالب بدفع 25 مليار دولار خلال الفترة بين 2020 و2028، أما الديون الداخلية وهي وإن كانت أقل وطأة من الديون الخارجية من حيث معدل الفائدة وفترة التسديد لكنه في التحليل النهائي واجب التسديد سواء للمصارف الحكومية او المصارف الأهلية، ورغم ذلك فان حسابات النصف الأول من عام 2025 تظهر بلوغ العراق أعلى نسبة ديون داخلية في تاريخه، إذ ارتفع الدين العام الداخلي من 70.575 تريليون دينار في نهاية عام 2023 إلى 92.200 تريليون دينار في نهاية اب 2025 بنسبة زيادة قدرها 23.454 في المائة خلال ثمانية أشهر، هذا في الوقت الذي بلغ معدل النمو في عام 2024 0.9 في المائة حسب إحصاءات البنك الدولي وأن الإيرادات غير النفطية بلغت في النصف الأول من عام 2025 9 في المائة. وهذه النسبة بعيدة كثيرا عن النسبة المستهدفة في البرنامج الحكومي البالغة 20 في المائة، يصاحب هذه التداعيات قيمة الاستيرادات السنوية للعراق تقدر بـ 70 مليار دولار غير أن المسجل منها لدى الهيئة العامة للكمارك يزيد عن 19 مليار دولار فقط بفارق 50 مليار دولار وهو مبلغ ضائع يدلل على حجم الفساد المالي في هذا القطاع، وهذه الأرقام تظهر الفجوة الكبيرة بين حجم الديون على المستويين الداخلي والخارجي وبين الإيرادات ما تعكس ازمة حقيقية في الوضع المالي للدولة وتشير في ذات الوقت إلى توقعات غير متفائلة في مسار النمو الاقتصادي في المستقبل القريب والمتوسط .
إن أهم الأسباب التي تستدعي هذه القروض هي حجم العجوزات التخمينية في الموازنات السنوية التي تتحول عمليا إلى عجوزات حقيقية تتطلب التغطية عن طريق القروض حيث الافتقار إلى قطاع انتاجي حقيقي كفيل بتوفير الأموال الكافية لتغطية هذه العجوزات الناجمة بالأصل عن مبالغات مفرطة في النفقات العامة في الموازنات السنوية.
إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب من الدولة استراتيجية اقتصادية تنموية قائمة على أساس تفعيل القطاعات الانتاجية السلعية وزيادة مساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي وسد الطلب المحلي وتحقيق مصادر مالية أخرى بالإضافة إلى قطاع البترول من خلال تنظيم عملية توطيد التعرفة الكمركية والسياسات الضريبية التصاعدية، والأهم من كل ذلك الترشيق الإنفاقي ابتداء من أعلى الهرم الحكومي والتركيز على الاحتياجات الملحة وتقليص حجم الإنفاق لأغراض خدمات شخصية غير مبررة.