شاب أسمر الوجه والطلعة وقد نبتت لحيته والشارب للتو، صعد درجات بيت (مقر) الحزب في الكوت، وبادرنا السلام والتحية:
- أنا شاب من سكان مدينة الكوت، وددت أن أزور مقر الحزب الشيوعي العراقي لأزيد من معرفتي واطلاعي على سياستكم وبرامجكم ومواقفكم.
رحبنا به معتزين وشاكرين له زيارته، ودعوناه للجلوس ومشاركتنا الحديث والحوار، بعد أن قدمنا له الماء البارد والشاي.
في أحاديثه وحواراته وأسئلته الحارقة الذكية، ذكّرني بأيامي الأولى في بداية سبعينيات القرن الماضي، حين بدأت أحبو في دروب السياسة وأنا طافح بحماس الرغبة في التعلم والنشاط والحركة، وسط صفوف اتحاد الطلبة العام ومنظمة الشبيبة الديمقراطية العراقية والحزب الشيوعي العراقي.
قال بلهجة الناقد الحريص:
- لماذا لا نرى لكم نشاطات مميزة وسط الشارع العراقي، خصوصا انكم تمثلون النخب المثقفة والتنويرية في هذا المجتمع؟
تقبلنا نقده وحرصه موضحين له ادوار الحزب ونشاطاته المختلفة والمتنوعة في مجالات العمل الجماهيري والسياسة والفكر والاعلام، ووفق ظروف الحزب وامكانياته المادية ووسط صعوبات موضوعية تخص البيئة التي ينشط فيها الحزب عموما.
ولمدة ساعتين تقريبا استمرت الحوارات التي كانت في أكثرها اجابات وتوضيحات عما يجول في خاطر هذا الشاب الواسطي. عن فترة نشوء الحزب وتاريخه ومؤسسه الخالد فهد، ومواقفه الفكرية والنظرية والسياسية، وعن الموقف من الجبهة الوطنية مع البعث عام ١٩٧٣، وعن مجلس الحكم واحداث ما بعد ٢٠٠٣، وأيضا عن موقف الحزب من القطاع الخاص والملكية في العراق، وعن انتفاضة تشرين وموقف الحزب منها، وعن تمويل الحزب ونشاطه الانتخابي وامكانياته المادية.
أهديناه نسخا من "طريق الشعب" ونظام الحزب الداخلي وبعض النشرات السياسية والاعلامية. وقبل أن يغادرنا ووجهه طافح بالفرح وتكاد أحاسيسه أن تتفجر بدموع اللحظة، بادرنا قائلا:
أريد أن أتبرع لكم دعما وتضامنا مع الحزب الشيوعي العراقي.
وأخرج محفظة جيبه وكان كل ما فيها ورقة ٢٥٠٠٠ ألف دينار نقدية، ناولنا اياها، ولم يقبل أن نرجع له أي مبلغ من الورقة النقدية، سوى اجرة رجوعه لبيته في المدينة بواسطة باص الكيا!
ودعته صوب باب المقر ولم أتمالك نفسي وقد فضحتني الدموع التي سالت على قسمات وجهي، وأنا أفكر بعدالة وعظمة الطريق الذي سرنا على هديه، طريق النضال في سبيل حرية الوطن وسعادة الشعب، طريق الشيوعيين العراقيين المفضي الى غد الحرية الأرحب.
الكوت
٨ أيلول ٢٠٢٥