اخر الاخبار

عند زيارة الأسواق التجارية المحلية والمولات، يُلاحظ بوضوح كيف أن الأسواق مملوءة بمنتجات الألبان من مختلف الأنواع، مثل الحليب والجبنة والقشطة، المستوردة من تركيا وإيران والسعودية. من الجيد أن تكون هذه المنتجات متاحة لتلبية احتياجات المواطنين الغذائية، ولكن من غير الجيد أن تكون هذه المواد متاحة عبر الاستيراد بدلاً من الإنتاج المحلي.

في عام 2022، بلغ مجموع مبالغ استيراد منتجات الألبان نحو 60.5 مليون دولار، مما جعل العراق ثاني أكبر بلد في العالم من حيث استيراد منتجات الألبان بعد مصر. عند متابعة تطور صناعة الألبان في العراق، وهي من الصناعات التحويلية، نجد أنها بدأت في العراق منذ آلاف السنين، في جنوبه وشماله. في العصر الحديث، أنشئ أول معمل لصناعة الألبان في بغداد عام 1935، وهو من معامل القطاع الخاص. وفي عام 1953، أبرمت الحكومة العراقية أول اتفاقية مع اليونيسيف لإنتاج الحليب لتغذية الطلاب، وتم إنشاء أول مصلحة لشؤون الألبان بعدها، والتي ألحقت بوزارة الزراعة العراقية. ثم تم إنشاء معمل ألبان أبو غريب عام 1958، الذي تضمن ثلاثة معامل في أبو غريب ونينوى والديوانية، وكان أبو غريب يحتوي على ثلاثة معامل أيضًا.

تطورت صناعة الألبان بعد ذلك، رغم ما مر به العراق من ظروف سياسية وعسكرية صعبة، بما في ذلك الحروب المستمرة. اليوم، وبالرغم من هذه الظروف، نجد أن صناعة الألبان قد تطورت بشكل كبير من حيث الكمية والنوعية، حيث دخلت التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال. هناك العديد من المعامل المنتشرة في كافة المحافظات العراقية: أربعة معامل في كركوك، وأربعة في صلاح الدين، وعشرة في بابل، وستة في النجف، واثنان في الكوت، وثلاثة في كربلاء، وستة في البصرة، أحدها قطاع مختلط. يتراوح إنتاج هذه المعامل بين 50 و1350 طن يومياً لكل معمل، بالإضافة إلى ثلاث جمعيات فلاحية نسوية في نينوى متخصصة في إنتاج الحليب، التي تضم أكثر من ألف فلاحة، وقد أنشئت بالتعاون مع منظمة FAO. وقد حقق الإنتاج الإجمالي لهذه المشاريع الاكتفاء الذاتي وسد الحاجة المحلية العراقية، إضافة إلى كونها طازجة وسعرها أقل من المنتجات المستوردة، ومذاقها يتناسب مع الذوق العراقي، ولا تحتوي على مواد حافظة.

ومع ذلك، تعاني هذه المعامل من مشاكل عدة، من أبرزها انقطاع التيار الكهربائي الذي يتسبب في ضياع الوقت وتلف المنتج، حيث أن الحليب سريع التلف. كما تعاني من ارتفاع أسعار الوقود لتشغيل المولدات. والأهم من ذلك، هو دخول منتجات الألبان الأجنبية غير الخاضعة للتقييس والسيطرة النوعية إلى السوق دون رقابة، مما يشكل مشكلة أكبر.

على الرغم من صدور قرار من المجلس الوزاري للاقتصاد بشمول منتجات الألبان المنتجة محلياً بقانون حماية المنتج المحلي، وهو قرار لا يُصدر إلا بعد دراسة من قسم التطوير في وزارة الصناعة وبناءً على اقتراح من اتحاد الصناعات العراقي، تبين فيه كفاية الإنتاج محلياً من حيث الكم والنوع لتلبية الحاجة المحلية، وهو متوفر تماماً في المعامل العراقية ومنتجات الألبان المحلية الصنع. لذا، يبرز السؤال: من المسؤول عن إغراق السوق العراقية بمنتجات الألبان الأجنبية وعدم تنفيذ قرار المجلس الوزاري للاقتصاد؟ وبالتالي، من يساهم في منافسة المنتج المحلي، وإضعافه، وتهريب العملة الصعبة، وتسبب بإيقاف بعض المعامل وتسريح عمالها، وبالتالي شمولهم بالبطالة؟

إن التهريب، سواء من خارج المنافذ الحدودية أو من المنافذ الحدودية بسبب الفساد أو عدم المعرفة، يمثل جزءاً من المشكلة. لذا، من الضروري أن تقوم الجهات ذات العلاقة، سواء كانت وزارة الصناعة أو اتحاد الصناعات أو التنمية الصناعية أو وزارة الداخلية للأمن الاقتصادي أو وزارة التجارة، بمتابعة الأسواق والسيطرة عليها، وكذلك المنافذ الحدودية. يجب عدم السماح لأي بضاعة، سواء كانت من منتجات الألبان أو غيرها، بدخول الأسواق العراقية إذا كانت مشمولة بقرارات المجلس الوزاري للاقتصاد بحماية المنتج المحلي.

كما نأمل في توفير مستلزمات العمل اللازمة لتشغيل هذه المصانع والمعامل من كهرباء وماء ووقود، وذلك لتوفير لقمة عيش كريمة للمواطن العراقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري