منذ سنوات، تواجه مهنة الخياطة تراجعا كبيرا في العراق، نتيجة عوامل عدة، ابرزها فتح أبواب الحدود على مصاريعها وبشكل عشوائي امام البضاعة المستوردة، وغزو الملابس الرديئة والرخيصة الأسواق، وندرة المواد الأولية وارتفاع أسعارها، فضلا عن غياب الدعم الحكومي، الأمر الذي أدى إلى تراجع هذه المهنة التي كانت تشكل مصدر عيش لآلاف المواطنين، وبالتالي دفع الكثيرين من أصحاب معامل الخياطة وورشها إلا إغلاق معاملهم وورشهم، وتسريح العاملين فيها.
من التصميم الراقي الى تصغير وتعديل الملابس
في حديث لـ"طريق الشعب"، يسرد الخياط الحاج مظفر حسن (ابو سعد)، جانبا من ذكرياته مع مهنة الخياطة وفنونها، وكيف ان هذه المهنة تراجعت كثيرا خلال العقدين الأخيرين، بعد أن كانت مزدهرة.
ويقول انه "في السابق قبل ان تفتح الحدود بهذا الشكل العشوائي أمام الملابس المستوردة، كان هناك اقبال كبير من النساء على ورش الخياطة، لطلب الـ(كوستمات) والفساتين المختلفة"، مبينا أن محل الخياطة خاصته كان يعمل فيه ثلاثة خياطات مع عاملين غير ماهرين، وان العمل كان جيدا يُغطي مردوده المالي حاجاته المعيشية واحتياجات عماله بالحد المقبول، حتى في سنوات الحصار الاقتصادي الذي فُرض على البلاد.
ويتابع أبو سعد قائلا أنه "بعد 2003، وبفعل فوضى الاستيراد وامتلاء الأسواق بالملابس المستوردة من مصادر مختلفة، تراجعت مهنتنا كثيرا، ما دعانا إلى تسريح العاملين، بعد أن عجزنا عن تأمين أجورهم. فتحوّل عمل المحل من الخياطة والتصميم (التفصيل) الراقي، إلى تصغير الملابس وتقريمها وتعديلها، مقابل مردود مالي بسيط بالكاد يؤمن قوت عائلتي".
المهنة تواجه الانهيار
من جانبه، يقول خياط "الدشاديش" أبو مرتضى: "نحن ثلاثة اخوة توارثنا مهنة الخياطة من ابي، الذي توارثها بدوره عن والده منذ السبعينيات.
وكانت هذه المهنة مصدر الدخل الوحيد لعائلتنا، وكان عائدها جيدا، ما ساعدنا على توسيع عملنا عبر افتتاح محلات منفردة لكل واحد منا". ويستدرك في حديثه لـ"طريق الشعب": "لكن بعد 2003 حصلت انتكاسة سريعة في مهنتنا، ولم نستطع ان ننافس البضائع المستوردة من دول مختلفة، خاصة من الصين، والتي اغرقت الاسواق بكميات كبيرة من الزي العربي الرديء الذي يُباع بأسعار منخفضة جدا، ما ادى الى غلق العديد من معامل ومحال الخياطة، ومنها محالنا". ويضيف أبو مرتضى قائلا: "الآن انا اعمل بصفة عامل خياطة في معمل صغير، وأتقاضى اجري على القطعة"، مؤكدا انه "تظاهرنا وطالبنا الحكومة كثيرا بالحد من الاستيراد وفرض الضرائب على البضاعة المستوردة لحماية الصناعة المحلية، الا انها لم تستجب لطلبنا".
خياطون يكافحون من أجل البقاء
إلى ذلك، يقول محمد لطيف، وهو صاحب ورشة صغيرة لخياطة الملابس النسائية في الكاظمية، أنه "بالرغم من توقف العديد من معامل الخياطة، إلا ان هناك ورشا ومعاملا صغيرة مستمرة في العمل، ولها القدرة على تجهيز الاسواق بالبضاعة العراقية، اذا ما تم دعمها من قبل الحكومة"، موضحا أنه "لا تحتاج هذه المعامل الى دعم مادي بل كل ما تحتاج اليه هو تنظيم السوق وضبط الحدود وفرض الضرائب على الملابس المستوردة، وتشجيع الصناعة المحلية وجعل المنتج المحلي متصدرا السوق".
ويستذكر لطيف مهنة الخياطة في فترة الحصار الاقتصادي في التسعينيات، ويقول: "كان معملنا الذي تقلصت اليوم اعداد مكائن الخياطة فيه وتحوّل إلى ورشة صغيرة، عبارة عن خلية نحل. الكل يعمل بنشاط ومهارة عالية الى ساعات متأخرة من الليل، خاصة في مواسم الاعياد وبداية السنة الدراسية. حيث كنا نجهز تجار الشورجة بالملابس النسائية وملابس الاطفال، كذلك الأزياء المدرسية للطالبات".
ويتابع قوله: "اما اليوم، فقد ضعف عملنا واصبحنا نعتمد على تجهيز طلبات قليل من محال بيع الملابس، وبالكاد نسد نفقات العمل والمواد الأولية وأجور العمال".
ويؤكد لطيف أنه "حاولت مرات عديدة ترك مهنتي والبحث عن وظيفة مختلفة، إلا انني لم اجد اي عمل سواء في القطاع العام أم الخاص.
لهذا انا باق في عملي بالرغم من المردود المادي الشحيح الذي أجنيه منه".