اخر الاخبار

مع استمرار نهج المحاصصة والفساد المتنامي في مفاصل الدولة، يشعر الكثير من المواطنين بالإحباط واليأس من الحصول على خدمات محترمة في مختلف القطاعات الخدمية. فعلى مدى أكثر من عقدين لم تلبِ الحكومات المتعاقبة الحد الأدنى من طموحات المواطنين في المجال الخدمي، لا على مستوى الخدمات البلدية وخدمات البنى التحتية، ولا حتى الخدمات الصحية والتعليمية والإدارية.  ويرى مواطنون التقت بهم "طريق الشعب"، أن الكثير من المشاريع الخدمية التي أقرتها الحكومات خلال السنوات الماضية، لم تكن سوى حبر على ورق، وأن أغلب ما نُفذ منها كان شكليا أو ترقيعيا مؤقتا، لا يخلو من شبهات فساد. وبينما يلفتون إلى أن أكثر ما يمتهنه المتحاصصون والفاسدون هو تقديم الوعود الزائفة، التي تتكاثر في فترات الانتخابات، يؤكدون انهم لن يروا أي تحسن خدمي أو معيشي سيطرأ على البلاد، طالما يستمر نهج المحاصصة المقيت. ويشير المواطنون إلى أن شكل الحياة منذ 2003 حتى الآن لم يتغير كثيرا، بل يزداد سوءا وأزمات سنة بعد أخرى، وان كل المؤشرات لا تُشجع على التفاؤل، في ظل الإصرار على التحاصص، وغياب العدالة الاجتماعية، واستشراء الفساد في معظم مؤسسات الدولة، والتفاوت في تقديم الخدمات بين منطقة وأخرى وفقا لحسابات شخصية ومصالح انتخابية ومحسوبيات، مستدلين على هذا الترهل الخدمي بالاحتجاجات الشعبية التي يشهدها باستمرار، كثيرٌ من مدن البلاد، والتي تبرهن على حرمان شرائح واسعة من حقوقها الخدمية التي أقرها الدستور.  وعلى الرغم من نظرتهم التشاؤمية للإجراءات الحكومية "العقيمة" في ما يخص تقديم الخدمات، إلا ان الكثيرين من المواطنين يطالبون الحكومة بأن تكون صادقة جادة في التعاطي مع مشكلاتهم المزمنة على جميع المستويات، والتي تمس حياتهم اليومية، لا سيما في ما يتعلق بالكهرباء والماء وشبكات الصرف الصحي والمدارس والمستشفيات، معتبرين أن وضع الخطط على الورق فقط ودعمها بالتصريحات الإعلامية الزائفة، امر لن يعد ينطلي على المواطن.

مواطن: نسمع بالخدمات ولا نراها!

يُبدي المواطن محمد حسن من منطقة الأمين في بغداد، استغرابه من استمرار أسطوانة الوعود التي "صدّعت رؤوسنا" – حسب تعبيره، مشيرا إلى أن "المسؤولين، لا سيما قبل الانتخابات، يُحاولون أن يرسموا في أذهاننا صورا خيالية لمشاريع خدمية طالما حلمنا بها. وبعد أن يُحققوا غاياتهم الانتخابية، لن نلمس من تلك الأحلام شيئا، وعلى هذا المنوال"!  ويؤكد أن "المواطن بات يسمع بالخدمات أكثر مما يرى. لذلك لم يعد يثق في وعد حكومي يصدر في ظل محاصصة مستمرة وفساد مالي وإداري مستشرٍ"، مبينا أن "مناطق بغداد السكنية معظمها يُعاني نقصا في خدمات أساسية، وأبرزها الماء والكهرباء والبنى التحتية. وأن الأهالي بحّت أصواتهم ولم يحظوا بآذان صاغية، عدا وعود حكومية تُطلق لغايات معينة، وتنتهي مع تحقيق تلك الغايات".

ويشير إلى أنه "حتى المشاريع التي يجري تنفيذها، غالبا لا تأتي بالمستوى المطلوب. إذ سرعان ما تتضرر وتظهر عليها علامات الترقيع، وأمثلة على ذلك مشاريع التبليط والترصيف التي لا تصمد سنة أو سنتين، أو حتى بضعة شهور"! ويرى حسن أن الخلاص من تلك الأزمات لن يتحقق إلا بإرادة المواطن وصوته الاحتجاجي، وبحسن اختياره ممثليه في السلطة التشريعية. وبينما لا يتفق أبدا مع من يَعْدِل عن ممارسة حقه الانتخابي، بناء على يأس وإحباط، يتمنى على المواطنين أن "يتحلوا بالمسؤولية تجاه بلدهم وشعبهم، وأن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع ويحسنوا اختيار من يتبنى برنامج حقيقي يهدف إلى القضاء على نهج المحاصصة وإلى إنقاذ البلاد من أزماتها الحالية، وأزمات أخرى مرتقبة لو استمر ذلك النهج المقيت".

ضعف التنسيق بين الجهات الخدمية   

من جانبها، تتحدث الموظفة رباب ناصر، من قضاء الشطرة في ذي قار، عن مشكلات ترافق المشاريع الخدمية التي يجري تنفيذها "فبالإضافة إلى سوء الخطيط، تأتي مشكلة انعدام التنسيق بين الدوائر الحكومية المعنية. إذ ان كل جهة تعمل بمفردها، كدوائر الماء والكهرباء والمجاري والطرق والجسور والاتصالات. وبالتالي ما أن تُنفذ إحدى هذه الجهات مشروعا، حتى تأتي الأخرى فتُخرّب ما تم إنجازه كي تُنفذ مشروعها".

وتوضح لـ"طريق الشعب"، أنه "يتوجب على الدوائر الخدمية ألا تعمل كل واحدة بمفردها وبمعزل عن البقية. فتنفيذ المشاريع يحتاج الى تنسيق بين جهات رسمية عدة، وإذا ما تخلفت اي من هذه الدوائر عن مواكبة الخطة، يحصل خلل كبير على مستوى الخدمات المقدمة".

وتلفت الموظفة المتحدثة، إلى ضرورة حل الاشكاليات التي تحصل حول ملكية الأراضي، في ما اذا كانت عائدة لوزارة الصحة أو وزارتي الزراعة او الموارد المائية او غيرها، مؤكدة أن هذه الإشكاليات تؤخر إنجاز المشاريع.

وتخلص إلى ان "المواطن بحاجة إلى صدق ومرونة في التعاطي مع حاجاته الأساسية".

وكثيرا ما يجري تنفيذ مشاريع خدمية بصورة غير متسلسلة. فمن المعلوم أنه قبل تبليط الشوارع أو رصفها يُفترض تنفيذ مشاريع الماء والمجاري والاتصالات وكل ما يقع في باطن الأرض، لكن الذي يحدث، لا سيما في "المشاريع الانتخابية المؤقتة"، هو "حرق تلك المراحل"، وبالتالي حينما تأتي شركة لتنفذ مشروعا في باطن الأرض، تضطر إلى حفر ما تم إنجازه على سطحها، وفي معظم الأحوال تترك الخراب وترحل – على حد قول مواطنين عديدين. 

في السياق، يري المحامي عباس التميمي ان تذليل الصعوبات والعوائق التي تقف في طريق اكمال مشاريع البناء والاعمار، يتطلب تعاون جميع القوى السياسية، شرط أن تكون جادة في تقديم الخدمة إلى المواطن، مشيرا في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى أن رؤساء الحكومة لا يمكنهم أن ينجحوا وحدهم في تنفيذ برامجهم الحكومية الخاصة بالخدمات ما لم تتعاون معهم جميع الأطراف، بعيدا عن التسييس والمماطلة.

المواطن لا يثق في "التصريحات الرنّانة"

 إلى ذلك، يُطالب المواطن صفاء عبد الحسين، من أهالي محافظة الديوانية المنكوبة خدميا، المسؤولين بالابتعاد عن التصريحات الرنانة في شأن المشاريع العمرانية والخدمية، خاصة في ما يتعلق بملف الكهرباء، ما لم يكن هناك تحرك جاد لتنفيذ تلك المشاريع.

ويقول لـ"طريق الشعب" أن "معظم ما سمعنا عنه من مشاريع، اتضح في ما بعد أن لا وجود له على أرض الواقع. لذلك لم يعد المواطن يثق في وعود بلا مؤشرات حقيقية للإيفاء بها".  

ويتساءل: "هل من نهاية لهذه الصورة المأساوية، من خلال بداية حقيقية في البناء والاعمار وتعاون حقيقي ما بين مؤسسات الدولة كافة، وعلى وجه الخصوص الجهات التشريعية والتنفيذية؟".  ويتمنى الكثير من المواطنين أن يكون هناك تعاون إيجابي بين الوزارات المعنية بالخدمات، من أجل الصالح العام. وأن يكون التنافس بين المتنفذين على تقديم أفضل الخدمات للوطن ومواطنيه، وليس على المناصب والفوائد الشخصية.. فهل سيرى المواطن مسؤولين يتنافسون على توفير كهرباء مستقرة وماء نقي وشوارع نظيفة وفرص عمل وفيرة للعاطلين، مثلما يتنافسون ويتنازعون في سبيل طموحاتهم الفئوية الضيقة؟!