اخر الاخبار

أغاني البيوت العراقية ،مخطوطة شعر شعبي ، كان من  المخطط   أن تصدر بكتاب خاص في منتصف السبعينيات ،وقد ضمّت قصائد لأربعة شعراء شباب (في حينه طبعاً) وهم: كاظم غيلان، رياض النعماني، رحيم الغالبي، ريسان الخزعلي .صمّم الغلاف ورسم اللوحات الداخلية الفنان قاسم الساعدي.

من المحفزات الأساسية التي كانت وراء هذه الفكرة المشتركة ، أن شعراءها كانوا من جيل واحد وبمشترك فكري واحد أيضاً ،وقد تمثلوا الحداثة الشعرية ثقافةً ونتاجاً ،وكانوا على مقربة - تكاد  أن  تكون يومية -  من شعراء كبار سابقين لهم في التجربة ، انتبهوا لكتاباتهم وأشاروا إليها كثيراً ،كما أن تواجد ثلاثة منهم في بغداد حيث الدراسة الجامعية وتواصلهم المستمر في مقاهيها ومنتدياتها والمهرجانات والجلسات الشعرية الخاصة والعامة . كل هذا عمّق الكثير من الأواصر والإرتباطات الإجتماعية والفنية والنفسية . ورغم أن الشاعر كاظم غيلان كان يسكن في العمارة، إلا أنّه كان كثير التردد إلى بغداد، لدرجة أن َّ تواجده فيها كان يبدو أكثر من إقامته في العمارة وقد كان الفاعل الأنشط الذي يُحيي الفكرة كلما تقادمت.

كما أن صدور المجموعة الرائدة /خطوات على النار/ للشعراء عزيز السماوي وطارق ياسين وعلي الشباني ، وما حققته من حضور إبداعي، كان دافعاً إضافياً لتمثّل التجربة.

لم تصدر المجموعة بسبب تقاطع شعرائها أنفسهم في اختيار مَن سيكتب المقدمة من الشعراء الذين كانوا على مقربة منهم، وكذلك الرغبة التي أبداها كل من هؤلاء الشعراء في كتابة المقدمة ، مما أوقع شعراء المجموعة في حرج اجتماعي فائض، وهكذا عدلوا عن الفكرة وتعطل الإصدار.

شارك الشعراء الأربعة في مجموعة ( قصايد للوطن والناس ) التي صدرت عام 1974 لمناسبة الذكرى الأربعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي المجيد ، وواصلوا النشر في جريدة طريق الشعب الغرّاء طيلة فترة صدورها .

في نهاية السبعينيات وظروفها السياسية القاسية تفرّق شعراء المجموعة بين المنافي والسجون والصمت ،  ولم يعد مصير المجموعة معروفاً حتى يومنا هذا .

واصل شعراء المجموعة مشروعهم بحماس على مستوى النشر والإصدار، وهكذا أصدر الشاعر كاظم غيلان (عرس الماي،لون الليالي صعب ، مظفر النواب التجربة الإستثنائية ) وأصدر النعماني (إمام الورد، رذاذ على جبين غزالة، مقام الفيروز) وأصدر الغالبي مجموعته الوحيدة (جسر من طين) حيث لم يمهله الموت طويلاً، كما أصدر صاحب الإشارة هذه الكثير من المجاميع والدراسات المتنوعة، ويحتفظ كل من الشعراء بمخطوطات سترى النور تباعاً.

إنَّ ايّاً من الشعراء  كان حريصاً ومنذ وقت مبكر على تطوير مدركاته الثقافية والفكرية والفنية، قراءةً وانصاتاً ومتابعةً لكل التحولات الشعرية ، وأقاموا علاقات متميزة مع الوسط الثقافي وتمعنوا في الأساليب الشعرية واتخذوا ما يوالم تجاربهم الخاصة ،إذ لاتجد أيَّ ظلال فنية متداخلة فيما يكتبون.

إن استعادة /اغاني البيوت العراقية/ وما ورد من هوامش حولها، ما هو إلا  الإشارة الصادقة  ، والهدف القصدي الذي غايته الوقوف أمام ما تتعرض له القصيدة الشعبية الآن من تدهورٍ واستسهال وسطحية  .

 إن الطموح  كان متدافعا ً كي تكون مجموعة  (أغاني البيوت العراقية) مفتتحا ً تبشيرياً لطبيعة شعريتهم فنيّاً وجمالياً، هكذا فكّر شعراء المخطوطة...

عرض مقالات: