ابتداء أود أن أشير الى أنه ستصادفنا الكثير من المفردات التي يصعب على البعض ادراك معانيها، لكنني أفهم جيدا أن الغاية الجوهرية هي الالمام بمعاني تلك المفردات التي تجاوزها الزمن وغدت محكومة بظرفها وبيئتها وزمانها.
فدعة، وما أدراك ما فدعة، انها موهبة شعرية طافحة بالمعاتي والمفردات التي يصعب فهم معانيها. ورغم انها لاتعرف القراءة والكتابة،وعاشت في ظروف التخلف والجهل والامية في ظل السلطات العثمانية الغاشمة،لكنها كانت تقول الشعر ارتجالا في مناسبات النعي والنحيب وغيرها. وكونها تمتلك حسا ونباهة فقد تمكنت من جعل ابيها في حالة وفاق تامة مع شيخ الخزاعل انذاك وهو (حمد آل حمود 1204هـ )،من خلال مدحها له بهذه ألأبيات:
حمد مرضي العرب والروم والباشات
يجالسها ويجلمها بسبع لســــــــنات
لسانه للعـــرب ولســــــــــان للبيكات
ولسان اللعــــد الــروم والشــــــاهات
ولســــان اليبلم كـــــــل جـــــــواجبها
كــــــــــوسج بالبحر غـــرك مراجبها
منه تغدي الغــــــرابه سبع لاكــــــات
وكان ديدنها النعي، والنعي في لغة فدعة بكائية ودموع ونحيب.. لذلك وعندما سقط اخوها حسين مضرجا بدمه، كانت حاضرة بصوتها الجهوري وهي تنعى اخاها. وعندما وصلت جنازة اخيها الى منطقة قريبة من المقبرة كان هناك حمالون يرفعون الجنازة وبواسطة الكديش لتصل الى المقبرة..ولذلك فهي تخاطب الكداش الذي سينقل جنازة اخيها الى ملحودته:
ابراضه وعلى هون يكداش
ابراضه كديشك لا تعجلاش
اليم الكبر واكطفله الفراش
هذا المعشي البايت ابلاش
وفي قصيدة اخرى وهي تنعى بلغة الشعر تتحدث عن معاناتها بعد أن حصل فراق كبير بين ابيها واخيها من جهة وبين ابناء عمومته من الجهة الاخرى:
ياعلتي مـــن كبــر نفــــــر
وتشجي الزغر وتريد تكبـر
ولونها بصخر ماع وتفسـر
ولونها بسبع جار وتشـــمر
ولونها بشجر ماجان خضر
ولونها ابحر ماح وتطشــــر
مانحجيلك يبويه نخاف تنظر
وفي احدى نواعيها وهي لم تبلغ العاشرة من عمرها بعد وهي تضع اخاها حسين في “ لولك” من القصب والبردي وتهزه وتناغيه بهذه الالحان الشجية التي تخترق الاسماع وتملئ النفوس غبطة ونشوة،كانت نقطة الشروع في اتساع الهم وصيرورته خزينا شعريا يرافقها في مسيرتها مع ابيها وأخيها:
ادخبل الما هـــــزوه بمهاد
ولا لعــب ويه الــــــــويلاد
خـــالج روحــــــه لروحـــه
وجــادر على كل مــــــا راد
خالج سبع اوساع و اشــداد
وعندما سقط اخاها حسين عن جواده وكسرت ساقه.. واستمر يعاني من ألآلام الشديدة..كانت فدعة تجلس الى جانبه وهي تنعى:
اشـــما تــون يحسين انه اعي
شمفضات خلكي وشو وساعي
ميمر عــــــرب يبن الصداعي
يعهبول والجـــــــابوك افاعي
وعندما بدأ حسين يتأوه كثيرا من جراحاته،كانت فدعة تلازم داره وهي تنعى بهذه الابيات الشعرية الحزينة:
كلما تـــون يحسين انا اشيط
والنـــــوم عفته آنه والغطيط
يلتعدل العوجه عــــــدل ميط
ويمعزب الخطـــــــار تشريط
ردتك على كومــــــك كليـــــط
يلجنهم بعكـــلك زعــــــاطيط
على خشومهم منكار كطكيط
يافحل النخل يملجح العيــــط
لكن فدعة كانت قد أطلقت الكثير من الاوصاف على اخيها ونعته واجزلت له من قصيدها لانه كان مضيافا كريما شجاعا:
خــويه احسين انت جبل كرحوت
مصعـــاده كلف والينزل ايمـــوت
يا بحر التجـــالب بيه كل حــــوت
يا روضــــــة هزل وبشحة الكوت
ويلعكلك جسر يا هو ايجي يفوت
وفي واحدة من قصائد النعي لاخيها..تحدرت دموعا غزيرة،واستشاطت حزنا ولملمت أطراف عبائتها ثم شدتها حول خصرها،مؤتزرة بها:وهي في موقف نعي اخيها:
زامط اخـــوي وشـــاله الغيـــظ
وباجـــر يطـــرون التغيــــــــض
لاابن زنه حسين ولا ابن حيض
ويســــطر الـــذي الهم يغيـــض
يا علوة الشلهت من الفيــــــض
ويمشراكة اشته ومكسر الكيض
ملحمة فدعة الشعرية..والتي كانت طافحة بالنعي الحزين، ويقول الشيخ والباحث المرحوم عبد الحسين المفوعر السوداني،أن هناك ملحمة شعرية محفوظة في صدور البعض من المعمرين الذين تستهويهم هذه النماذج الفريدة من الادب الشعبي.لكن الذي وصلنا منها نزر يسير...وتبدأ الملحمة:
حسين لجــــــادة بضلع من جاده
يا تبليــــــة عيــــــط للصعـــــاده
حر ابو راشد على الصيده هـــوه
الجرح مخلابه فلا يـــــــرهم دوه
صعصع الحاش الغيوم على الهوه
وكام يرعــــد بالفــــــلك برعــاده
نيص ابو راشد يختل الــــــواعي
يا فـــرخ ذجريج يبن الافـــــاعي
ذيب شلوه ودوخيت الـــــــراعي
حسين يا دك بــــــوكت ميعـــاده
حر ابو راشد يصف جنحـــــــانه
وما يكـــــرش غير صدر العانه
مكســــر البلكيـــــظ للتعبـــــــانه
وشاطي المظلف عــــذب ميراده
حسين دبدابة ودبت منكــــــوله
يـــــو زلازل بالسما مصكـــوله
لـــو تخلبص شورها ومخذوله
عكـــــدوا المجلس لفاه استاده
وسعوا المجلس لفه السيلوسه
ريمز يكص الصخر بضروسه
لو تخلبص شورها ومحيوسه
نادوا المخلبص لفــــاه استاده
حسين لجاده بضلع من جاده
يا تبليه اتعيـــــن للصعــــاده