1
المبدع المصري/ صلاح چاهين/ شاعر شعبي وفنّان يرسم الكاركتير. حقق في اللونين ابداعا يشار إليه بإعجاب في وطنه وأوطان أخرى في كل ذكرى، ومناسبة احتفاء.
وبقدر ما توافر عليه من إبداع في فن الكاركتير، إلّا أنّه حقق التجاوز والتخطّي في الشعر الشعبي المصري. ويُعد من المجددين فيه بعد أن أدرك محدودية شعرية الزجل المصري فنيّا وتعبيريّا.
أصدر الشاعر أعمالا عدّة، من بينها: كلمة سلام 1955، موّال عشان القنال 1956، عن القمر والطين 1961، رباعيات 1962، قصاقيص ورق 1966.
قال عنه الشاعر/ محمود درويش/ في مقدمة (كتاب الدوحة)الخاص بشعرية صلاح چاهين – من اعداد (محمد بغدادي)..: هو واحد من معالم مصر. يدل عليها وتدل عليه. نايات البعيد وشقاء الأزقّة ودفوف الأعياد. سخرية لا تجرح، وقلب يسير على قدمين. صلاح چاهين يجلس على ضفة النيل تمثالا من ضوء، يعجن أسطورته من اليومي، ولايتوقّف عن الضحك إلّا لينكسر. يوزّع نفسه في نفوس كثيرة، وينتشر في كل فن ليعثر على الشعر في اللاشعر. صلاح چاهين، الشاعر الذي قال نيابة عنّا ما عجزنا عن قوله بالفصحى. وسنأخذ منه عبرة التطابق بين الأغنية والمُغنّي.
2
في مجموعته (رباعيات) والتي ضمّت (111) رباعية - لفتت الانتباه إليه أكثر من أعماله الأخرى - يتأمل/ صلاح چاهين/ في الوجود: منبهرا، متعجبا، متحسّرا على ما يحصل في هذا الوجود من تعارضات حياتية تُطيح بالأحلام والأماني. رباعيات تكشف سريّة النفس البشرية وتحوّلاتها تحت ضغط إيقاع الزمن الملتبس الذي أدركه وعاشه وتفاعل مع يومياته بحسيّة تعجبيّة عميقة، حد السؤال عن سر وجوده الشخصي (لوكنت عارف مين أنا.. كنت أقول). ومن شدّة هذه الحساسية يُنجّم نهاية كل رباعية بالتعجب (عجبي!!)..:
مع أن كل الخلق من أصل طين
وكلّهم بينزلوا مُغمّضين
بعد الدقايق والشهور والسنين
تلاقي ناس أشرار وناس طيبين
عجبي!!
وهذه الرباعية، هي مفتتح المجموعة - وهي من بين قليلات - الذي أخذ فيها الروي الشكل (أ، أ، أ، أ) كما أن الرباعية الثانية جاء فيها شكل الروي (أ، ب، ج، ب)..:
عجبي عليك.. عجبي عليك يازمن
يا بو البِدَع يا مبكّي عيني دَما
إزّاي أنا أختار لروحي طريق
وانا اللي داخل في الحياة مرغما
عجبي!!
أمّا الرباعيات الأخرى، فجميعها جاء شكل الروي فيها (أ، أ، ب، أ)...:
يا باب أيا مقفول.. إمتى الدخول
صبرت يا ما واللي يصبر ينول
دقيت سنين.. والرد يرجع لي: مين
لو كنت عارف مين أنا.. كنت أقول
عجبي!!
3
إن عدم معرفتنا بعروض الشعر الشعبي المصري يُعيق التوصّل إلى البناءالموسيقي له، إلّا أن رباعيات/ صلاح چاهين/ طيّعة على القراءة والإنصات الشعري رغم تنوّع التفعيلات في كل شطرة من الرباعية الواحدة.وحين نُقارب هذه التفعيلات مع تفعيلات الشعر العربي أو الشعر الشعبي العراقي حتى وأن تم اللفظ باللهجة المصرية نجد التنوّع واضحا:
النِهد زي الفهد نط اندلع
فاعلاتن مفاعيلن فعول
قلبي انهبش بين الضلوع وانخلع
مستفعلن مستفعلان فاعلن
ياللي نهيت البنت عن فعلها
مستفعلن مستا فْ لن فاعلن
قول للطبيعه كمانتبطّل دلع
مستفعلن فاعلات فعولن فعو
عجبي!! فعْلن
إن هذا التحليل العروضي لا يجد وثوقيته إلّا بعد معرفة عروض الشعر الشعبي المصري تفصيلا، وما قمنا به لا يتعدى كونه مقاربة أوليّة لا غير.
4
إن الشاعر/ صلاح چاهين/ في رباعياته، منح الشعر الشعبي المصري تصعيدا على مستوى فكرة الشعر والشكل والبناء والصورة، والصوت الخاص المُغاير لما هو سائد في حينه. وما تعجّباته (عجبي!!) إلّا أجوبة ضمنية لأسئلة وجودية:
يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واحكي على بلوتك
الغنوه مش ح تموّتك إنّما
كتم الغنا هو الي راح يموّتك
عجبي!!