اخر الاخبار

هو شاعر بكل ما في عمق هذه الكلمة من سعة وامتداد , مرهف في سلوكه وكلماته , وأصيل في موقفه , إن قامت الدنيا وإن قعدت , له قصائد محلّقة مثل الفراشات , وحزن باذخ فيه لوعة الجنوب , ونايات البلاد التي فقدت أبناءها , لتبكي عليهم دما . هو رياض النعماني الشاعر الجميل , المليء بالشجن والآهات , والغارق بالحب . المبثوث كشعاع الشمس , لأنه يبدأ من الوطن , وينتهي إليه , كما يرتبط اسمه بالمنجز النابع من الزمن الإبداعي الجميل , فكان مبدعا متميّزا يشار إليه بالبنان في كل محفل أدبي حقيقي , يقول عن الشعر (الشعر رياح تأتي من جهات غامضة حاملة معها تاريخ وتجارب وأسرار وسحر وملامسات لا ترى إلا جوهر الوجود أي أنها تجربة ونشاط معرفي خالص تنجزه اللغة ويتم فجأة إذ ينبثق دون سابق إنذار هذا الانبثاق طبيعة هذا الانبثاق تحدده اللحظة التي تتم بها ....اللحظة التي تأتيه هي التي تصوغه ممكن أن تأتي على شكل أغنية أو على شكل جملة موسيقية أو جملة بالفصحى أو بالعامية إذا كتبته بأي صيغة يعني إيقاع اللحظة وطربها هو الذي يقرر نوعية الكتابة ) .التقينا به وكان هذا الحوار :

  • كيف ترى صورة الثقافة العراقية في المنفى؟ , هل هناك إشكالية بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج ؟

- سوف أبدأ من الجزء الأخير من السؤال ,, ان مصطلح مثقفي الداخل والخارج بالطريقة التي يطرح بها اعتقده غير دقيق انه مصطلح يراد منه احداث شرخ في الجسد العراقي هل هذا المشروع مشبوه أم لا؟ اترك لك التقييم لأني لست بقيم او بوصي على شيء , طبعا احد اسباب هذا الشرخ كما أرى يرجع إلى سياسة صدام حسين الذي أحدث شرخاً في كل شيء العائلة والمجتمع والتاريخ العراقي , صدام حسين كان يعمل شروخا ويفسدها ويلوثها لان فكرة الوحدة كانت تصيبه بذعر شديد لأنه لم يكن بن عائلة متماسكة. سياسة الاحتلال والنظام الطائفي الذي أوجدته كانت تقوم في بعض من مفاصلها على استمرار وجود هذا الشرخ بل ان هذه السياسة والميليشيات الطائفية المتناحرة والمتنوعة قد اندفعت بعيدا في تطوير هذه السياسة حيث قامت بعمليات تطهير عرقي وطائفي أفقدت العراق تنوعه وسوف تظهر فداحة هذا فقدان في مستقبل ثقافة العراق وفنونه . أما الثقافة في المنفى فهي ممارسة واسعة ومتنوعة من الصعب ان أعطى صورة كاملة ونهائية عنها .. ثقافة المنفى التي بدأت من بيروت ثم توزعت على المدن , قدمت إبداعات ونتائج رائعة ومؤثرة وبلغة جمالية عالية على صعيد الكتابة والفكر والمسرح والتشكيل والاغنية وهناك الكثير من الأسماء في هذا المجال الفنانة زينب حتى ايامها الاخيرة كان لديها مشاريع مسرحية ..... المبدعون في المنفى عانوا كثيرا من خسارة المكان الأول فقد كانت جهات عديدة وحتى مثقفون مرتبطون بالنظام البائد يحاربون ويحاصرون الثقافة العراقية بشتى الوسائل والأساليب غير النبيلة .. حتى اليوم لم يخمد أوار هذه الحرب ضد الثقافة العراقية الم نشهد سعارا عدوانيا ممولا بشكل جيد لتشويه مؤسسة مدى الثقافي التي تشكل مع اتحاد الأدباء وإسهامات الفنانين العراقيين (تشكيل ومسرح) النافذة العلمانية التي تتنفس فيها الثقافة العراقية هوائها نظيف .

  • هل أنت شاعر شعبي؟ وكيف تصنف الشعر الشعبي ؟

- انا في الاساس لدي اعتراض على مصطلح (الشعر الشعبي) والادق شعر عامي . انا اتشرف ان اكون شاعرا عاميا ... فانا اكتب بالفصحى أيضا واكتب أحيانا في الصحافة . للعامية العراقية دور مشرف في تاريخ وأحداث وتحولات العراق المعاصر وكانت ابنة نجيبة للجمال الذي فطرت عليه ارض الرافدين والذي انبثق في كتابات على سبيل المثال لا الحصر ( فدعة والحاج زاير وعبد الواحد معلا وصاحب الحلي ومظفر النواب ) ...كانت انتصارات الكائن العراقي وزهو تاريخه وعلو راياته تجد لها تعبيرا عاليا ورائعا في ظاهرة الشعر العامي الذي كان يقاتل مع شعبه في جبهة الثقافة والتحديث والنضال وظل يستمد من روح شعبه البهاء ونبل القيم والصبر الجميل ولاندفاعه العالي إلى نار التحديات والمواجهات اللاهبة .... هذا العلو والشرف والنبل والطاقة على التحدي لم يرق لسلطة الأميين فحاربته كثيرا وأرادت مرارا أن تكسره وفشلت ولما يئست من مشاريعها هذه قامت وبعد الحرب العراقية الإيرانية وبشخص البائد صدام حسين قامت على احتواء وتزوير والحط من كرامة العامية العراقية وذلك بإشاعة ظاهرة المدح والذم والفخر واستصراخ الذئبية القومانية في أعماق أشخاص مهاويل (رداسة ورداحة) أشاعوا لغة الموت والثار والعدوان والإبادة والفجاجة التي لا تمت بصلة إلى نورانية وسمو وتعالي الشعر ونحن نلمس اليوم وللأسف – برعاية رسمية واضحة جدا- نتائج سياسة صدام حسين الكارثية على خطاب الشعر العامي اليوم وباستثناءات قليلة لشعراء معروفين وشباب فأننا نلمس وبألم بالغ التردي المريع في القصيدة العامية اليوم ... أن اخطر ما أفرزته هذا الظاهرة هو هذا التردي المريع لذائقة العامة والحس المعرفي الجمالي للمتلقي والشاعر العامي على حد سواء ... مرة قال لي وبألم بالغ الشاعر الكبير مظفر النواب ( لو ادري أن الشعر سينتهي إلى هذا الدرك والبؤس لما كتبت الشعر) أن قلبي وبحزن مرير يردد نفس قول أبي عادل.

  • هناك قصائد لك غنيت واشتهرت في العراق , ونجد اغلبية قصائدك لحنها الفنان كوكب حمزه ؟

- لا انا لم اتعامل فقط مع الفنان كوكب حمزه مع احترامي الشديد له , تعاملت مع الكثير من الملحنين حميد البصري وطالب غالي وطه حسين وسامي كمال وسرور ماجد وجعفر خفاف وطالب القرغولي وهناك فكرة تعاون مع الملحن طارق الشبلي وكريم هميم ومفيد الناصح وهناك الكثير, اتعامل مع الكل بروحية واحدة واصغي للجميع وأتعلم منهم , الفنان كوكب حمزه لحن من قصائدي الكثير في السبعينات واشتهرت اغنية ( اصبغ هدومي بدارك , شيلي تمر بليل واغنية حميمه مرة بهيده غناها الفنان سعدون جابر وايضا لحن لي تلك الفترة الفنان سامي كمال , لكن الفنان فلاح صبار لحن وغنى الكثير من قصائدي .

  • ماذا عن علاقتك الخاصة والطويلة بالشاعر مظفر النواب ؟

- مظفر النواب انسان كبير ورائع ابن العراق ( انياله العراق على شاعر مثل مظفر النواب ) لديه كرامة وعلو وهو استثناء في حركة الشعر , مظفر النواب هو الشاعر الاستباقي الاول في حركة الشعر العامي العراقي , لحد الان شعره فيه حداثة كبيرة جدا واضيف ايضا بان ابو عادل انسان نبيل وعفيف وصديق حقيقي , بعيد عن النرجسية ويصغي لابنائه الشعريين يجلس معهم وكأنما يريد ان يتعلم منهم ولايتضايق من اي شاعرجميل , جربته كثيرا ولكن من المحزن ان مظفر النواب وفي هذه العزلة وهذا الألم لم نلمس عناية به من لدن المعنيين ان النظام العراقي الحالي يمثل نكرانا هائلا للجميل الذي قدمه ابو عادل للحياة والتاريخ ولوطنه حيث ان حياته كانت سيرورة متصلة من التضحيات والسجون والتشرد والوفاء وا العذاب والمرارة.

عرض مقالات: