اخر الاخبار

الأدب الشعبي والتراث الشعبي والفولكلور الشعبي، لها مدلولات خاصة في ذاكرة الشعوب، وهي خلاصة مركزة لمعاناة وقسوة الحياة ألاجتماعية في ظل الظروف السياسية المتردية وفساد وفشل الحكام او الحكومات التي توارثت السلطة في بلاد الرافدين، وهذا أحد أهم الأسباب التي تدفع المثقفين والباحثين والأدباء والشعراء لتناول الحياة ألاجتماعية في مؤلفاتهم ورواياتهم وأشعارهم. ولو أعدنا قراءة بعض من قصائد شعراء القرن العشرين ،وخاصة شعراء الصف الاول مثل الجواهري ومحمد صالح بحر العلوم ومعروف الرصافي وملا عبود الكرخي ومظفر النواب والسياب والبياتي ولميعة عباس عمارة وعريان السيد خلف  والقائمة تطول ، لأدركنا عمق الهوة التي تفصل الأغلبية الساحقة من ابناء الشعب عن الحكومات التي تمرغت بالفشل والفساد والخيانة ونهب المال العام وسحق المطالب الشعبية بقوة الحديد والنار، وليس بعيدا عنا ما فعلته حكومة عادل عبد المهدي في توجيه بنادق الرصاص الحي وبنادق القنص والكاتم وغيرها من اعمال القتل والجريمة المنظمة ومقاومة المطالب المشروعة للشرائح ألإجتماعية المسحوقة والمحرومة والبائسة.

ولذلك نقرأ للجواهري:

نامي جياع  الشعب نامي ...حرستك  الهة  الطعام

نامي  على زبد  الوعود ... يداف في  عسل الكلام

 كما نقرأ  لشاعر الشعب محمد صالح  بحر العلوم:

رحـــت  استفسر من عقلي وهل  يدرك  عقلي

محنة  الكون التي  استعصت  على العالم  قبلي

ألأجل الكـــــون  اسعى  انا  ام  يسعى  لأجلي

فاذا  كـــان لكـــــل  فيه حــــــق  اين حقي؟  

هذا هو الفن والادب والثقافة الملتصقة بالشعب، تعبير عن قسوة الحصول على لقمة الخبز الشريفة، وتنكيل وجلد للفاسدين والفاشلين والمتسلطين على رقاب الناس. والتراث الشعبي العراقي يشكل منظومة من المعارف والمفاهيم الثقافية والمعرفية، تجد عمقها التاريخي في تراثنا القديم ابتداء من التراث السومري والأكدى والبابلي والآشوري وصولا الى التراث الشعبي البغدادي في زمن العباسيين، مرورا بالفترة المظلمة من تاريخنا في ظل الاحتلالين العثماني والصفوي، وما خلفه ذلك من خراب فكري واجتماعي وسياسي. والتراث الشعبي: هو مجموع العناصر الثقافية الشعبية الحية والتي تسير مع الاجيال جيلا بعد جيل، ومن خلال التراكم الزمني والمعرفي يحصل ما يطلق عليه (الفولكلور) الشعبي.

والفولكلور (FOLKLORE): يعرف أنه الثقافة التي انتقلت مشافهة لتشكل ما يعرف بالتراث الشعبي. كما ان علماء الانثربولوجي منحوا الفولكلور تعريفا جديدا ووسعوا نطاق شموله لجوانب اخرى، حيث لم يقصروه على الادب الشعبي بل انه تعدى ذلك ليشمل كل ما يتعلق بالثقافة الشعبية (التقاليد، العادات، الاعراف، الطقوس بأنواعها)، وهو علم يعنى بالنواحي المختلفة للثقافة الشعبية. كما ان هناك من يعطيه تعريفا آخر: (وهو المحتوى الجمعي للرصيد المتراكم من تجارب النوع البشري متضمنا نتاج ما تعلمه الانسان وما مارسه عبر العصور فيشكل معرفة شعبية متوارثة تختلف عن المعرفة العلمية). موسوعة التراث الشعبي العراقي: خير الله سعيد.   

والزهيري كما هو معروف كان قد نظمه وغناه ملا (جادر الزهيري) في بغداد، وعرف باسمه. ويذكر الدكتور خير الله سعيد في موسوعة التراث الشعبي العراقي التي صدرت في البحرين (هناك من ينسب الزهيري الى عائلة عراقية بصرية في مدينة الزبير وهي من بيت الزهير، ومن اشهر من نظم الزهيري “علي باشا يحيى الزهير” المتوفى عام - 1830، و“عبد الرزاق الزهير” – المتوفى عام 1836 ، و“موسى الزهير” و“عبد الله الفرج” المتوفى عام 1901. واشتهرت منطقة شط العرب والبصرة القديمة والزبير، في نظم وغناء الزهيري، حيث انتقل الى منطقة الخليج العربي وخاصة الكويت، حيث كان يرافق الصيادين والغواصين لاستحصال اللؤلؤ في البحر.. وهذا نموذج من زهيري الخليج:

     دمعي تحدر على وجناي  همالي

     وأشوف دهري يبوعثمان  همالي

     يحـــك لي لأسكن الوديان همالي

     أرابع الوحش وأدعي مثلهم وحشي

     وآخذ على  الراس من رمل  الثرى وأحشي

     وعكب ذيج المعــزه صـرت أنا الوحشي

     أصبحت مفجوع هم أهلي وهم مالي

وفي سلطنة عمان وصحار يطلق على الزهيري اسم (المسبع)، وقد اشتهر هذا الفن في مناطق كثيرة من السلطنة. وفي الشام يسمى (الزجل الشامي، والموال الشرقاوي وموال العتابا، والميجنا في لبنان وفلسطين والاردن، وله حضور ايضا في صعيد مصر في جنوب الصعيد، حيث وصل الى مصر عن طريق الشام).  ولذلك فإن الموال والزهيري، يعتبران من الفنون الشعبية التي استخدمها الشعراء لأغراض التعبير عن معاناة الشرائح الاجتماعية التي تقع في أسفل الهرم الطبقي للمجتمع. وقد عرفت الزهيري بهذا الزهيري الذي نظمته للتعريف بهذا اللون وما يحصل من خلط يعتبر الزهيري “موال”. وهذا كان وما يزال شائعا ... ولهذا فقد قلت بهذا الخصوص:

ازهيري نكتب شعر، نطلق عليه موال

بس الحقيقه غلط، الزهيري مو موال

الزهيري صح من رحم مجموعة الموال

     بس الزهيري نبع واللون بغدادي

     غناه المله انعرف والمله بغدادي

     وزنه بسيط وبحر والشعر بغدادي

ونرجع نكول ألأصل من هل وطن موال

وادناه هذا الزهيري الذي قاله احد شعراء الجنوب ...

يا صاح كلبي انكسر عيب تحصل لحمته

وثوب التهاني ركد  مبتوت من لحمته

غم الرجل لو رجه انوالات من لحمته

     يا صاحب الروح بعنان الصبر عنها 

     ولهل المعارف والعلم لو بغت عنها

     لاجن بكت مسأله أرد أسألك عنها

كلي الجلب لو سمن هم تنوكل لحمته؟

فكان الجواب من شاعر آخر على هذا السياق:

ارداي ثوب الصبر وعلى النوايب جلد

أطعن اكلوب العدا  وبالروس أجلد جلد

ودون النخاني أطيحن دوم جلــد وجلد

     وأعتني الزينات في سابع سما لوسمن

     ولركاب ألأنذال انه ما  اشتري لو سمن

     يلكلت عن الجلب من ياكله لو سمن

هليوم اكو أنذال تاكل لحمته والجلد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث في الادب الشعبي العراقي