اخر الاخبار

الرفيق رائد فهمي / سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي

نعزي أنفسنا وشعبنا وكل محبي هذه القامة الشعرية التي عبرت بصدق وبصورة مبدعة عن مشاعر وأوجاع وآمال وشجون الشعب. والإنسان العراقي، وخصوصا ابناء الفقراء والكادحين ، وجسد التزامه بقضايا الشعب والوطن من خلال انتمائه للحزب الشيوعي العراقي. الذي ظل وفيا له ولمبادئه حتى آخر لحظة في حياته. ستظل يا ابا خلدون حاضرا وحيا في الوجدان وتبقى قصائدك تتغنى بها وتتناقلها الالسن عبر الزمان والمكان. الصبر والسلوان لعائلة الفقيد الكبير وأعمق المواساة لشعبنا بهذه الخسارة الكبيرة.

الكاتب والناقد ياسين النصير

وأنا أخطو في الليل إلى بيته كي نجتمع، اشعر أنني كنت أخطو ذاهبا لحقل يملأه صوت العراق، كنت سعيدا بتلك الصحبة التنظيمية التي جعلتني منظما لفترات قصيرة لخلية فيها عريان السيد خلف، كان يقف على الباب مراقبا لصوص الليل العفنين وهم يتتبعون خطواتنا، كان بيتا محروسا بروح االشعب، وشدو القصائد واستذكار ما يحتاجه العراق، كنا مجموعة من الرفاق الذين يأتون لاجتماعتنا، اعني من بقايا الرفاق، وكانوا ينشدون من بين ما ينشدونه من أوضاع الحزب ان يسمعوا عريان السيد خلف وهو ينشد قصائده، كنا نستمع عبر القصائد إلى تعليمات جديدة، وإلى صوت عميق لما يعانيه العراق، كانت قصيدته قيثارا في سجل محضرنا اليومي، وصوتا شعبيا مطلبيا يختصر معاناة العراقيين، عريان الذي على اسمة بقي الرفاق صامدين يتحدون كل مخاطر السلطة وزبانيتها كي تأتون للإجتماع، اي حزن يبعث الشعر يا ابا خلدون كيف يكون الموت قرينا للكبار ويهمل هؤلاء المتعفنين في سرقاتهم، الله ما اشد حزني وانا رفيقك الذي ما برحت تشيد بتلك اللقاءات الليلة حين يجتمع رفاقك من اجل ان يبدأوا في اليوم الثاني بمواصلة طرقهم النضالية. اذكر جيدا ما حدث بعد 1979، رايتك في عدد من مواقع بغداد، كما رأيتني انت ايضا في هذه الأمكنة، نشتري قوتا لاطفالنا أو نتحاور في الذي مضى وما سيأتي، ودائما كنت كريما صوتك يتقدم جيبك، « أبو أمين خو ما محتاج « اتذكر أنك تنشدني قصيدتك الجديدة حتى وانا في الغربة، ويوم زرت هولندا، كانت كل الجالية تريد لقاءك، اي حزن ينتابني هذا الصباح وانا اسمع صوت خلدون قبل يومين «عمي انا ا ابن اخوك هل تقبل صداقتي» احسست بشيء غريب كان ذلك يوم الاثنين الماضي، ان عريانا فيه شيء غريب. في حديقتي الصغيرة في هولندا التي سخرت من مساحتها، كنت تتندر عليها وتقول: يا أبا أمين، لا تسمي هذه حديقة، ففي العراق ملايين الامتار التي تمنحك اسم الحديقة، عريان، ايها الجبين الصداح، قرأت ونحن ننتشي بماء النهر وهو يبرد لنا عطايا الزمن، ان الغربة موت يا ياسين كيف ارتضيت الهجرة بالرغم من قسوة حياتنا، وكنت لا املك الجواب، بل كنا صديقين للدموع التي جرت في تلك البقعة الهولندية التي أسميتها حديقة ورفضت انت ان تسميها حديقة. رفيق الدرب، في كل زيارة لبغداد اقصد مكانك في بيتنا الثقافي، وكنت تعيد على مسامع الجالسين: ان ياسين كان مسؤولي في الحزب لفترات معينة، كنت اخجل أن أقول أنك أنت الذي كنت تقود خلايانا، أنت الذي كنت تغذيها بصوتك وقصائدك، أنت الذي استعرت لسان الشعب كله لتكتب الشعر، أنت يا أبا خلدون أحد روافد الحداثة الشعرية عندما تكون القصيدة نابضة بروح الشارع وتجسد حياة الناس اليومية وتغني اناشيدنا الجماعية.

الكاتب والصحفي زهير الجزائري

هكذا جمع بين الحزب وبين مضيف اجداده .. لم تنغص الغيرة حياتي إلا مرة واحدة .. كنت أجلس إلى يمين عريان السيد خلف في مربد البصرة بعد ٢٠٠٣، بين لحظة وأخرى يأتي شاب، من اجيال تجهل وجودي، ويطلب مني أن أنزاح قليلا، ليجلس في مكاني ويأخذ صورة مع (أبو خلدون). حين اتباطأ ترفعني يدان قويتان وتعيداني الى مكاني. نمشي في الشارع فيوقفه واحد من المعجبين ليأخذ صورة العمر مع السيد. بعد كل المحن والأيام المرة التي عاشها عريان في منفاه داخل الوطن بقي صبوراً، بطيء الإيقاع ولكن بأحكام مثل السيد في القبيلة الجنوبية يمد يده بهدوء وإحكام ليقبلها العابرون. يغادر عريان ذاك السيد ويتعامل مع معجبيه باعتبارهم رصيده في مواجهة سلطة قاسية. قبل أن آتي من منفاي إلى بلدي عشت مع عريان أياما في بيتي بلندن، أستمع لحكاياته وهو يمتص السيكارة مثل عاشق. استعدنا معاً مفارقات العمل في قسم (حياة الشعب) وجلسات الشرب في اتحاد الأدباء وسفراتنا لجزيرة أم الخنازير. اعترف بأني كنت آنذاك، أرى الشعر الشعبي يسير ببطء وراء موجة الحداثة متمسكاً بالعاطفة والحنين. كنت أمازحه قائلا ما زلتم تكتبون بقلم الرصاص و لم تصلوا للمكير الذي وصله مظفر النواب قبل سنوات وقد غادركم بـ(الريل). باستعلاء لا أدري مصدره كنت اتحدث مع عريان وهو يصغي الي وقد أغلق عينه اليمنى ليتحاشى غيمة الدخان بيننا. ليفندني قرأ أمام جمع من محبيه قصيدة (الرميثة). مع تدفق الصور يصعد صوته وينزل ويتموج وهو يرف على سلك صوته داخل قاعة حبست شهقاتها. بين بيتين يصمت تاركاً للمخيلة أن ترى انقلاب القبور على موتاها والصرخات على مطلقيها. بعد أن أنهى قصيدته سكت وما زال سيل الصور يترجع في مخيلتي. غَير عريان تصوري تماماً.. اللغة الشعبية اغتنت بالممارسة وتجددت وهي تعكس سيل الفواجع. حدثني عريان عن حياته أيام الحروب والحصار، وعن الحيل التي ناور بها السلطة. أصغيت له باهتمام لأجسر الفجوة بيني وبين الوطن. الأحاديث الحبيسة في بلد الحكايات المخنوقة كانت تتدفق، ولكن بهدوء النهر، وبين كل حكايتين قصيدة مخبأة. حين عدت للوطن وجدت عريان ما زال في جلسته في مكانه الثابت، في مدخل مقر الحزب الشيوعي. يدخن وينهض بذاك الهدوء العجيب ليستقبل الداخلين كما في مضيف أجداده .. هذا هو مكانه، قلت لنفسي. كيف جمع بين الحزب وبين مضيف أجداده؟ ما أزال اتذكر وجه السائق الذي يدور بِنَا في أزقة البصرة وهو ينظر في مرآة السيارة حائراً متكتماً على فرحه، يريد أن يصدق أن هذا الراكب في المقعد الخلفي من سيارته، هو (ابو خلدون) الذي يحفظ قصائده عن ظهر قلب. أكاد ارى في نفس المرآة الدمع ينضح من عينيه وقد عرف تواً أن عريان غادر عالمنا إلى الأبد.

الشاعر والإعلامي عدنان الفضلي

يخيّل لمن يسمع او يتابع عريان السيد خلف في فترة ما بعد الحادثة المرورية التي نجا منها بأعجوبة، وهو يحتفي بالجمال والمرأة، ان هذا الرجل لا يحمل هماً، ولم يتأثر بسحنة الألم التي تجتاح تضاريس الوطن من أقصى جنوبه الى أقصى شماله. لكن من يتعمق في رصد قصائده وسبر اغوار مفرداته سيجد فيه انساناً، يتسكع في شتى بقاع الوجع العراقي حاملاً حزنه الذي لم يرتض به صامتاً، يلامس به خاصرات الوطن علّه يزيل عنها اثر الخناجر، ففي مجازات النصوص التي يتعامل بها ومعها يقفز الوطن الاخضر ليعبر ضفة الهم محتفياً بأمل مازال يراود صدغيه، وفي تجلياته الشعرية ثمة ثلج يشبه بعض شيب رأسه غير الموغل بالبياض نتيجة عنايته به. عريان السيد خلف: هو وريث وصايا الجنوب، وصاحب قصر الهدوء حين يخلط اللونين (الحسجة مع السائد)، ودائماً ما يُلبس رعيّة قصره من المتلقين والمتذوقين .. الجمال المداف بندى سومرياته. عريان السيد خلف: يجيد العوم في أنهار المفردات السومرية، لذلك نراه يرافق مجرى جميع أنهار العراق، فتارة نراه قريباً من زقورة اور، وتارة نلمح طيفه يمرق باتجاه شط العرب، وفي انتقالاته لم يترك (السيد) بقعة يابسة الا وترك فيها اثراً يتبعه الشعراء الشعبيون من دون ان يرافقهم الغاوون، وفي خلجته المخبأة أبداً بين سنديانة واخرى، نجد أحلام الفقراء تتحول الى صورة شعرية ترسمها أنامل عريان بحرفة المتيقن من قطرات مطره، فهو ومن خلال انثيالات روحه يضمد العثرات بأكمام شعره، ويرش عليها ماء السعادة الذي يحمله بدلو الصدق. عريان السيد خلف: خيمة متنقلة، تحرص على استضافة كل من سُحبت منه إجازة الإقامة في وطن الطرب والشعراء، فهو الباحث دوماً في صناديق الدنيا، عن أوطان منفية مزّقت الغربة قمصان انتمائها من قبل ومن دبر، فيعمد الى توزيع كسوة من قصائد يغلف بها أجساد تلك الاوطان، ومن خلال خطوات بحثه تلك نصل نحن ايضاً الى مناطق اشتغال لم نكن لنعرفها لولا كساء هذا الجنوبي المجنون برائحة الوطن. عريان السيد خلف: ترنيمة حزن مرمية في طريق شحّ عدد سالكيه، فصار موحشاً يكتنفه ظلام لن يتبدد من دون بث شحنة من وفاء عبر منظومة الرجل السومري المعمّد بماء فراتين يسايرانه أينما شخص بصره الثاقب لكرات الصمت. عريان السيد خلف: حقل ومحراث وغيمة، فمن يريد زراعة النبض عليه طلب اللجوء الى قلب هذا القادم من جنوب السحر والشعر والخمر والفجر والخير، ليحصل على موسم عطاء يتناسل كما قصائده الغارقة بالندى والمضمخة بعطر جنوبي ورثه من صندوق جدة له كانت تقص عليه أجمل القصص.

الشاعر والناقد ريسان الخزعلي

ويبقى ( تل الورد ) .. الموت لا يشيخ، وكأنه ولادة مستديمة. جميع المخلوقات  -  كما تقول الحكاية الاغريقية - تذهب الى الموت الّا الانسان ، يذهب اليه الموت . وهكذا خطف الموت شاعرا، لكنه لم يستطع ان يخطف هذا الحضور الكبير من ذاكرة العراقيين الشعرية، انّه ُ حضور الشاعر/ عريان السيد خلف. حضور سيستمر طويلاً. اذن خاب فعل الموت مع عريان الذي أورثنا ما يشعل الورق ويُلهب الأكف بالتصفيق، ويمنح الروح بُعداً سماوياً: الكَمر والديرة، كَبل ليلة، تل الورد، صيّاد الهموم، شفاعات الوجد، المجموعة الكاملة، والقصائد اللاحقة في مجموعة مخطوطة (القيامة). لا رثاء ياعريان، المراثي للأموات ، غير انها كلمات تطمح لأن تكون ساخنة، كي تهدأ رجفة الروح ويستقر اهتزاز الرأس. انها كلمات لم تكن لمناسبة غيابك المُر، لكنك كنت تحبها وتقول: كأنها عنّي.

جوري الموت يشتَم وانت َ بستان

عليشك تنهظم لوجاك محتام ..؟

ولا تستاحش إو تجرح بالعتاب

بين اكَلوبنه إو نومك جسر دوم

احنه اضيوف شعرك ماتنيناك

موش انت َ الرحت واتكثّر اللوم

-------

مضيف الشعر

الى الراحل الباقي الشاعر الكبير عريان السيد خلف

عبد السادة العلي

اشلون انعيك؟

يا حرف اليطاعوني؟ يجي اونبجيك

يا عين؟ التشك جفن الصبر وتغير

مهره امرسنه٠٠ ابدمعاتها اتغطيك

ياجلمة شعر تنزع انكاب الموت ؟٠٠

..تتحمل حزن عمرين وتعزيك

اشلون انعيك ؟

يل موت اوحياة الشعر منك بيك

لو ندري الحياة ابسورة التكوين٠٠٠

تنباع٠ابعمرنه او بالمهج نشريك

يا بحر الشعر بس السمه امغطيك

يا سجة عذابات السنين٠٠٠

الغافيه ابطاريك

خطيت ابقلم صبرك٠٠دواير بيض ٠٠

تبحر٠٠تكبر او مامش جرف يثنيك

يا موت اوحياة الشعر منك بيك

علكت الشعر نجمه ابسمه الاهات٠٠٠

يعجز٠٠بالتمني الراد يوصل ليك

يا حرثه المشت بيها اوعليها اهواي٠٠

بس جدمك يظل ثابت يدل اعليك

يا نهر الشعر!! فايض جبت دنياك٠٠٠

ما كعت امواجه اسدود المعاديك

تظل السان وبحلك الشعر زاتوت٠٠٠

اشما يولد حرف٠من نومك ايوعيك

مشت بيك السنين امعاتت اويه الضيم٠٠٠

يا جرف الصبر محد هدم جاليك

اشلون انعيك؟؟

تتمرجح ابنص الليل٠٠٠

يل تبقى شمس تموز٠٠٠

يا شمعة ضوه اتوازيك؟؟

يا عريان ؟

كل اغيوم دمعي ٠٠٠

اشما تكت بجفاك ٠٠٠

ما تغسل حزن كلبي ٠اليسولف بيك

يا جف الشعر!!سكتاوي جف الموت ٠٠٠

بس هوه الكدر عن الشعر يلويك

يا بيرغ حزن روحي ٠٠٠

ترد مرفوع !! كلما حاولت اطويك

يا دانك نهر موتي٠٠٠؟

جثيره اعزاز عبرت بيك

اشلون؟ انعييييك