اخر الاخبار

بعد التحوّل الشعري الذي أحدثه السياب ونازك والبياتي وبلند الحيدري في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، كان الشاعر / مظفر النواب /  أول مَن انتبه لهذا التحوّل . وبعد أن كانت القصيدة الشعبية تسير وفق نمطية تقليدية معروفة  على صعيد الشكل والمضمون واللغة / اللهجة الموغلة في القِدَم ، وكذلك البناء والموسيقى الداخلية والعامة وطبيعة الموضوعات . لقد سرى دم جديد غير مألوف في نسغ هذه  القصيدة نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي . كان النواب هو  العلامة الأُولى ، العلامة التي أحدثت التحوّل الأول في تجديد وتحديث القصيدة الشعبية العراقية ، بعد أن وعى بإسبقيّة فنية طبيعة التحوّل الذي أحدثته  ثورة الشعر العربي الحديث في العراق والوطن العربي . وهكذا جسّت مجسّاته المدببة الأعماق القصيّة في مفردات اللهجة العراقية وما تحمله من طاقة تعبيرية إيحائيّة بعد أن  مسح الغبار عنها ، وأضفى عليها بُعداً تشكيليّا / صوريّا غير مسبوق . ومن هنا يكون تجديد النواب ، قدكان في بُعدي  اللغة والتشكيل الصوّري أساساً، متبوعاً بالموضات  الجديدة وأساليب البناء الفني وفكرة الشعر ، وطاقة الرمز الذي كان فلّاحياً في معظمه . وكذلك الانتقال من صوت الرجل في القصيدة إلى صوت الأنثى .

إنَّ سمات القصيدة الشعبية الحديثة قد تشكّلت ملامحها وجمالياتها على براعته ، وامتدت بعيداً لتترك ظلالها على العديد من الشعراء اللاحقين له . وبذلك لابدَّ من  التأكيد بأن النواب هو رائد التجديد والتحديث في الشعر الشعبي العراقي . وما كان هذا ليحصل ، لو لم يكن موهوبا بالأساس ، ويضاف إلى هذه  الموهبة : تجربته السياسية النضالية المعروفة ، وثقافته الواسعة ، وتحصيله الدراسي ، وكتابة الشعر بالفصحى . كما أنه فنان تشكيلي ومن انحدار طبقي / اجتماعي معروف . إذ أنه من عائلة ارستقراطية أدبية / موسيقية ، ويُجيد الغناء بصوت جميل ، وله من تجارب السجون وحفر نفق سجن الحلة ما يُعمّق احساسه بأن يكون الإنسان على وعي بتجربته وما تكون عليه في الحرية والخلاص الوجودي من أجل عالم أنقى وأرقى . مظفر النواب لم يذهب إلى العدم ، لقد ذهب إلى الحضور الأعلى ....

عرض مقالات: