اخر الاخبار

في العام1974، أيام وجودي في بغداد لإكمال دراستي الجامعية ، كلّفني الشاعر المبدع  / عبد السادة العلي / بإيصال مخطوطة مجموعته الشعرية الأُولى (سواجي وعطش ) إلى الشاعر / شاكر السماوي / كي يضعَ لها مقدمة ، لما يتمتع به السماوي من شهرة شعرية ورصد نقدي ، إضافة إلى ثقافة معرفية وسعة اطلاع وحضور في الوسط الثقافي .

أُسترَّ السماوي بهذا التكليف وتلقف المخطوطة ببهجة تتناسب مع امتداد العلاقة الثقافية / الاجتماعية بينهُ والعلي . تأخرت المخطوطة عندالسماوي  أشهر عدّة  ، وكلّما ذكّرتهُ مستفسراً عن موعد انجاز المقدمة ، كان يتخلص من حرج الحاحي بطريقة توحي بأن الموضوع سيتعدى كتابة مقدمة إلى ماهو أهم . أشعرت الشاعر العلي بذلك ، ألا انهُ كان كثير الترقب مدفوعاً بهاجس أن يصدر كتابه الأوّل ، لما للكتاب الأول من وقعٍ ودلالة في ما يشغل المؤلف ، أي مؤلف، في تعميق توصيله وحضوره في المساحة المكتبية.

أكملَ السماوي تكليفه ، وكان أهم من المقدمة فعلاً ، كان دراسة موسّعة عن المخطوطة ، ومن خلالها عن القصيدة الشعبية الحديثة بصورة عامة . ولم يكن لامتداد العلاقة بينهما أيَّ تأثير من شأنه أن يُغيّر اتجاه الدراسة ليضفي أبعاداً فنية وجمالية ليست متوافرة في شعر المخطوطة، بل أن الموقف الفني التحليلي المعياري كان هو السائد.

كانت الدراسة لا ترصد جماليات شعر العلي بمعزل عن حركية مشهد الشعر الشعبي السبعيني العام ، وإنما جعلت من التوازيات والتقابلات مقارباتٍ تشخيصية عن اللون واللون الآخر، ولا أنسى أن الشاعرالعلي أراد التحفظ ، إلا أنّهُ أدرك حدسياً بعد حين جدوى هذا النوع من الدراسات ، فما كان منهُ إلّا أن يضع الدراسة في نهاية المجموعة وليس في موضع المقدمة المعتاد ،كي يكون الشعر هو التقديم السابق على غيره .

صدرت مجموعة(سواجي وعطش) في عام1974 وحققت حضورها وانتشارها . لقد أشارت الدراسة في تعميمها ، أن قصائد الشاعر ذات ملامح فنية مُصفّاة من سمات القصيدة الشعبية (1964_1969) التي يبرزفيها المزج بين الحداثة والعمودية، بين المرأة والقضية السياسية ، بين الطبيعة والتجريد ، بين النوابية وما قبل النوابية..، إنها صورة لقصيدة تلك الفترة .

ومن خارج التعميم إلى تشخيص الخصوصية ، كان الاستنتاج : إن هذه المجموعة الشّابة من القصائد تتقدم لتضع أمامنا شاعراً نحسّهُ من خلالها شخصاً لايفتعل أحاسيسه أو يستعير مثيلاتها ولا يتقمص ( المودة) ولا يقوقع همومه وخصوصياته وتعابيره في قوالب لاءمت خالقيها وظروفهم، بل جاءنا طبيعياً بهمومه ومعانيه وعواطفه وممارساته المتحفزة للأفضل..

فهو يتدفق بالتطلع ليصبو لآفاق تزدان بالرغبة والتواصل وتزهر بالفعل والتغيير الأنقى.

(سواجي وعطش)،صدرت  بطبعة ثانية ، والآن ضمن الأعمال الشعرية الكاملة - التي ضمّتها مع المجموعتين  ، مفاتيح الشمس و كَضبة ريح -  وبالنكهه ذاتها ، شعراً ودراسة ً.  

من هنا جاءت مناسبة الإشارة هذه ، تلويحةً راكضة  لتذكّر بالشعر الذي يستمر والموقف النقدي الذي يتخطّى حدود الإجتماعي إلى ما هو فني صادق..، وهكذا اصبحت الدراسة مرجعاً يُعتد به ، ومن خلال المجموعة ذاتها ، ومن ثم َّ الأعمال الشعرية الكاملة التي ضمّت دراسات ومقالات  لشعراء وأدباء يُعتدُّ بقولهم .

عرض مقالات: