تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة، في وقت تتزايد فيه الجهود الأميركية والعربية لتثبيته، وسط اتهامات لحكومة بنيامين نتنياهو بالتنصل من التزامات المرحلة الأولى للاتفاق.
وأفادت مصادر طبية بسقوط شهيدين في قصف جوي استهدف شرق دير البلح، فيما نسفت قوات الاحتلال أحياءً سكنية كاملة شرق حي الشجاعية بمدينة غزة، في تصعيد جديد يُنذر بانهيار التفاهمات الهشة التي تم التوصل إليها مطلع الشهر الجاري في شرم الشيخ.
جدل حول خطة الإعمار
تزامناً مع التصعيد الميداني، تناولت صحف ومواقع عالمية خطط واشنطن لإطلاق مشاريع إعمار في القطاع، وسط تشكيك في جدواها وانتقادات لتورطها المتزايد في إدارة الصراع.
وطرحت صحيفة نيويورك تايمز تساؤلات عن مدى واقعية الخطة الأميركية، معتبرة أن تنفيذها في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية "أقرب إلى الخيال"، في حين رأت لوفيغارو الفرنسية أن إنشاء مركز تنسيق مدني–عسكري في إسرائيل يكرس "وصاية مشتركة" على غزة بين الولايات المتحدة وتل أبيب.
أما صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فذهبت أبعد من ذلك، مشيرة إلى أن واشنطن باتت تمارس تأثيراً مباشراً على القرار الإسرائيلي نفسه، في ظل تزايد الإحباط داخل الدوائر الأميركية من سياسة نتنياهو.
أزمة إنسانية خانقة
ميدانياً، أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن إسرائيل ما زالت تمنع دخول مواد الإيواء والتدفئة إلى غزة رغم اقتراب فصل الشتاء، مشيرة إلى أن هذه المواد جاهزة في الأردن ومصر لكنها “تُمنع من الدخول”.
وفي السياق ذاته، قال مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة الدكتور محمد أبو عفش إن “الخدمات الصحية الأولية شبه متوقفة بسبب نقص الإمدادات”، مطالباً بتسهيل دخول المعدات الطبية والمستشفيات الميدانية.
من جهته، دعا نائب وزير الخارجية النرويجي أندرياس كرافيك إلى تحمّل إسرائيل مسؤولياتها القانونية، مؤكداً أن استهدافها المنهجي للمستشفيات “يتطلب تحركاً دولياً عاجلاً”.
انهيار قطاعات المياه والصرف الصحي
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) حذّرت من أن قطاعات المياه والصرف الصحي والنظافة في غزة “في وضع حرج للغاية”، مشيرة إلى أن نصف سكان القطاع يحصلون على كميات مياه تقل عن الحد الإنساني الأدنى.
وحذر المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إدوار بيغبيدر، من خطر ضياع جيل كامل من أطفال غزة، في ظل استمرار توقف العملية التعليمية للسنة الثالثة على التوالي، ودمار شبه كامل للبنية التحتية التعليمية في القطاع.
التعليم ليس أفضل حالا
وقال بيغبيدر في حديث لوكالة فرانس برس عقب زيارته لغزة: "لقد مضت ثلاث سنوات دون تعليم فعلي للأطفال. إذا لم نبدأ انتقالا حقيقيا للتعليم في شباط المقبل، فسندخل عاما رابعا بلا مدارس... وحينها يمكننا الحديث عن جيل ضائع".
وأضاف أن الحرب المدمرة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع "حولت أجزاء واسعة من غزة إلى ركام، وشردت الغالبية الساحقة من السكان، وأعاقت بشكل شبه كامل الخدمات العامة".
وتابع قائلا: "من المستحيل تخيل أن 80 في المائة من مساحة القطاع أصبحت مسوّاة بالأرض أو مدمرة بالكامل".
وأشار بيغبيدر إلى أن الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في تشرين الأول الجاري بوساطة أمريكية، سمحت لليونيسف وشركائها بإنشاء مراكز تعليم مؤقتة تمكنت من استيعاب نحو سدس عدد الأطفال الذين يفترض أن يكونوا في المدارس.
وأوضح أن "الأطفال يتلقون ثلاثة أيام فقط من التعليم أسبوعياً في مواد القراءة والرياضيات والكتابة، لكنها بعيدة تماماً عن مفهوم التعليم النظامي".
وفي تقرير رأي لـنيويورك تايمز، وصفت الكاتبة ليديا بولغرين ما جرى في غزة بأنه “كارثة ممولة بأموال أميركية”، مستندة إلى بيانات وزارة الصحة في غزة التي تشير إلى سقوط أكثر من 68 ألف شهيد خلال عامين من الحرب، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وأكدت أن هذه الأرقام “دقيقة وغير مبالغ فيها”، لكنها قد تقلّ عن العدد الحقيقي بنسبة 39 بالمائة بسبب صعوبة الوصول إلى جميع المناطق المدمرة.
ورغم استمرار وقف إطلاق النار من الناحية الرسمية، تواصل إسرائيل شن غارات متفرقة وتغلق معبر رفح أمام المساعدات، فيما تبقى آلاف الشاحنات متكدسة على الجانب المصري.
ويرى مراقبون أن المشهد الراهن يعكس أزمة مزدوجة خرق إسرائيلي متواصل للاتفاق، وتوظيف أميركي متزايد لملف الإعمار في إطار ترتيبات سياسية واقتصادية قد تعيد إنتاج السيطرة بدل إنهائها.
 
    