اخر الاخبار

في الخامس والعشرين من تشرين الأول 2025، فازت المرشحة اليسارية المستقلة كاثرين كونولي في الانتخابات الرئاسية في جمهورية إيرلندا. لقد اثبتت نتيجة الانتخابات قدرة اليسار على الانتصار في سنوات يغزو فيها اليمين العالم. وكان انتصار المرشحة اليسارية، البالغة من العمر 68 عاما رائعا، وهو الأفضل في تاريخ انتخابات رئاسة الجمهورية. لقد حصلت على 63 في المائة من أصوات المشاركين في التصويت، متفوقةً بشكل كبير على منافستها ومرشحة حزب فاين غايل هيذر همفريز، التي حصلت على 29,5 في المائة.

في خطاب النصر قالت كونولي: "سيكون شرفًا عظيمًا لي أن أخدمكم. أقول لكم، لمن لم يصوتوا لي ولمن أبطلوا بطاقات اقتراعهم، سأكون رئيسة الجميع وسأصغي إليكم ".

من عوامل الانتصار

ضمن عوامل أخرى، يمكن الإشارة إلى عاملين مهمين لانتصار كونولي: الأول أن مواصفاتها الشخصية الأكثر قربا إلى ما يؤثر بأكثرية الناخبين، فهي تتحدث الأيرلندية، أي لغة الناخبين الوطنية. ودرست علم النفس في ليدز، إنكلترا، ثم درست القانون، ومارست المحاماة في المحاكم. وبعد خلاف مع حزب العمال المحلي، دخلت مجلس النواب لأول مرة كمرشحة مستقلة عام ٢٠١٦. وتنحدر كونولي من عائلة كاثوليكية كبيرة (13 شقيقا) من الطبقة العاملة، وهي متزوجة ولها ولدان بالغان، وانخرطت في النضال الاجتماعي بسن مبكرة جدا. وهذا يماثل الأرضية التي استندت اليها نجاحات حزب شين فين اليساري الانتخابية. في الانتخابات البرلمانية في عام 2024، جاء الحزب ثانيا، مستندا إلى هويته اليسارية المتجذرة محليا، والتي يمكن وصفها بيسار التحرر الوطني والانعتاق القومي، وبلا مشاعر معادية للأجانب، بعيدا عن الصورة النمطية لذكورية لرجل الفئات الوسطى الأبيض.

إن اليسار الأيرلندي هو يسار اجتماعي ونسوي أصيل، ويركز على مصالح الفئات الأكثر فقرا. ويبقى هدفه الأهم هو الوحدة الأيرلندية، على أساس تقاطع واضح مع السياسات السائدة في بريطانيا العظمى.  أضف إلى ذلك تضامن كاثرين كونولي مع الشعب الفلسطيني، وانتقادها لتصدير الأسلحة عموما، وإلى إسرائيل بشكل خاص. وتأتي مناهضتها للاتحاد الأوربي، كنقيض لمحاولات حزب العمال البريطاني لتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

سبب النجاح الثاني يتعلق بالتحول الجذري في المشهد السياسي في البلاد. فالحزبان المحافظان، فاين غايل وفيانا فايل، اللذان يتماثلان تقريبا، فشلا في الاستمرار في لعبة تبادل الأدوار في قيادة البلاد، التي استمرت لعقود. أما حزب شين فين، فقد حقق نجاحات لافتة في السنوات الأخيرة، وتمكن من التخلص من كونه من مخلفات الجيش الجمهوري الأيرلندي.  بالإضافة إلى ذلك نجحت مرشحة اليسار من توحيد أحزاب المعسكر التقدمي خلفها: حزب العمال الأيرلندي، وحزب "الشعب قبل الربح"، الذي ظهر في سياق أزمة التقشف، وحزب الخضر. وسهل الفوز على مرشحة حزب فاين غليل همفريز، عدم قدرتها على تحدث اللغة الأيرلندية، خصوصا في ظل تصاعد مشاعر العداء للمهاجرين، وكذلك ارتباطا بأزمة السكن.

 وفي السنوات الأخيرة، بدا توحيد إيرلندا أمرا ممكنًا. لقد فاز حزب شين فين بالفعل بأغلبية في إيرلندا الشمالية عام ٢٠٢٢. ولو استطاع ان يكون القوة الأولى في جنوب إيرلندا أيضا، لمارس ضغطا قويا على الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية لتحقيق وحدة إيرلندا. وعلى غرار حكومات حزب المحافظين البريطاني، لا يتعامل كير ستارمر بجد مع حل العديد من الملفات المتعلقة بإيرلندا الشمالية، مثل مرونة الضوابط الكمركية، وبقي الانتعاش الاقتصادي بعيدا، وما زالت أغلبية سكان شمال إيرلندا تعاني من الفقر. وما تزال التوترات العرقية في شمال البلاد عصية على الحل الشامل.

تصريحات أولية

قال بول مورفي، عضو البرلمان عن حزب "الناس قبل الربح"، إن النتيجة كانت دعوةً "للدفاع عن الحياد، والكفاح ضد حرب والإبادة الجماعية، وإنهاء التشرد وعدم المساواة". وأعربت هولي كيرنز، زعيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي، عن اتفاقها معه قائلةً: "علينا الآن مواصلة العمل لضمان تشكيل اليسار الحكومة المقبلة". ووصفت ماري لو ماكدونالد، رئيسة حزب شين فين، انتخاب كونولي بأنه "نصرٌ مدوٍّ للإيمان بإيرلندا العادلة والمتساوية والموحدة، وهزيمةٌ ساحقة لسياسات الحكومة الفاشلة".

 ومن الضروري الإشارة إلى أن فترة الرئاسة في جمهورية إيرلندا تمتد لسبع سنوات، يمارس الرئيس فيها دور محدودا، وحصة الأسد في السلطة التنفيذية تعود لرئيس الحكومة.  ولكن رئاسة الجمهورية هو المنصب الوطني الوحيد الذي يُنتخب مباشرةً من قِبَل الشعب. ولذلك، يتمتع الرئيس بتفويض ديمقراطيّ مباشر.

ورغم ذلك تبقى مهمة الرئيسة كونولي، التي تقول إنها تريد الآن الاستماع قبل كل شيء، ليست سهلة في الحصول على حلفاء بريطانيين وأوربيين لمنح ملف الوحدة الأيرلندية والمنظور النقدي للسياسة الخارجية ثقلا أكبر.