تصعّد النقابات التونسية ضغوطها على إدارات القطاع الخاص من أجل فرض العودة إلى طاولة المفاوضات، وإلزام المؤسّسات الاقتصادية بصرف الزيادات السنوية في رواتب العمال والموظفين، وسط تحذيرات من تعكّر المناخات الاجتماعية في البلاد.
تعثر المفاوضات
وشهدت محافظة صفاقس (جنوب شرقيّ تونس)، التي تُعدّ العاصمة الاقتصادية للجنوب، على وقع إضراب عام في القطاع الخاص طاول أكثر القطاعات الحيوية بما في ذلك القطاعات التصديرية.
وأغلقت المؤسّسات الخاصة في صفاقس أبوابها استجابةً لدعوة الاتحاد الجهوي للشغل إلى الإضراب، بعد تعثّر المفاوضات بشأن زيادة رواتب العمال لعام 2025، وإعلان المؤسسات نيتها المرور مباشرة إلى الزيادة في الأجور بدايةً من سنة 2026 دون عقد أي لقاءات تفاوضية مع النقابات.
ويتواصل تصاعد التوتر العمالي في القطاع الخاص التونسي، وسط تلويح النقابات بتحريك موجة إضرابات نحو محافظات أخرى، نتيجة تردّي الأوضاع المهنية والمادية لنحو 1.8 مليون تونسي يعملون في المؤسّسات الخاصة.
ساعات حاسمة
وقال كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، محمد عباس، إنّ الإضراب نُفّذ كلياً في ما لا يقلّ عن 60 مؤسسة خاصة شملت قطاعات التجارة والمعادن والنفط، مؤكداً أن الساعات الأخيرة قبل الإضراب كانت حاسمة في بعض المؤسسات التي استجابت لتوقيع اتفاقات الزيادة في الرواتب تجنّباً لتوقف العمل.
وأكد عباس، في تصريح صحفي، أن المؤسّسات المعنية بالإضراب توقفت كلياً بسبب تمسّك جزء من القطاع الخاص بضرب حقوق العمال وتجاهل مطالبهم المادية والمهنية، إلى جانب إهمال أهمية المفاوضات الاجتماعية في تنقية المناخات الشغلية وتحسين مردودية المؤسسات.
وأضاف: "وقّعت العديد من المؤسسات الخاصة في الساعات الأخيرة التي سبقت الإضراب اتفاقات لزيادة الرواتب، وجرت بذلك عملية إلغاء الإضرابات التي كانت مقرّرة داخلها، وهو ما يُعد مؤشراً جيداً على تفاعل جزء من القطاع الخاص مع مطالب الشغالين".
خطوة شرعية
ويعتبر كاتب عام اتحاد الشغل بصفاقس أنّ خطوة الإضراب شرعية وتهدف إلى الضغط لاستئناف مفاوضات عادلة تضمن تحسين القدرة الشرائية للعمّال في مواجهة موجة غلاء المعيشة التي أثرت على الرواتب.
وتطالب النقابات بفتح جولة تفاوضية فورية مع سلطة الإشراف واحترام الاتفاقيات السابقة، في حين حذّر بعض ممثّلي القطاع الخاص من أن التصعيد المطوّل قد ينعكس سلباً على فرص التشغيل في عدد من المؤسسات إن طال أمد الأزمة.
ومنذ تشرين الأول 2024، أعلن قسم القطاع الخاص بالاتحاد العام التونسي للشغل الانتهاء من تنقيح الاتفاقيات المشتركة، والاستعداد لمفاوضات قطاعية تشمل نحو 55 قطاعاً، وفقاً لأولوية ترتيبية ومالية بات يفرضها الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
مفاوضات تحسين الرواتب
ويرى عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، الطاهر المزي، أنّ كل تأخير في تحسين الوضع المالي والمهني للعاملين في القطاع الخاص يقابله تراجع في مردودية المؤسسات والاقتصاد المحلي في حال دخول العمال في موجة احتجاجات.
وقال المزي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إنّ مجمع القطاع الخاص أبلغ السلطات وممثلي منظمة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية قبل أكثر من سنة، بضرورة الدخول في مفاوضات بشأن تحسين رواتب الموظفين، وتعديل الاتفاقيات المشتركة، غير أنّ مسار التفاوض توقّف كلياً في أيار الماضي بعد إلغاء وزارة الشؤون الاجتماعية الاجتماعات المبرمجة بين النقابات والقطاع الخاص.
وأشار إلى أنه كان من المفترض توقيع اتفاقيات تعديل الرواتب منذ كانون الأول 2024، على أن تُصرف الزيادات مع بداية عام 2025، غير أن تأخر المفاوضات أجّل تحسين وضع موظفي القطاع الخاص، وهو ما دفع النقابات إلى الدعوة لتحركات احتجاجية وشنّ إضرابات.
وقرّرت النقابات إطلاق شرارة الاحتجاجات من محافظة صفاقس؛ نظراً لوزنها الاقتصادي وقدرتها على التأثير في القرار المركزي داخل منظمة رجال الأعمال ووزارة الشؤون الاجتماعية.
اتفاقية العمل اللائق
ويتمسّك اتحاد الشغل بأن تكون مفاوضات القطاع الخاص بعنوان سنتَي 2025 و2026 جماعية ومباشرة بين ممثلي القطاعات من الجانبين، مع التركيز في جزء كبير منها على الجانب الترتيبي لتنقيح الاتفاقيات وتحيينها بما يتلاءم مع التطورات الحاصلة في سوق الشغل، من ظهور مهن واختصاصات جديدة، والتطورات التي شهدتها القوانين الشغلية، وما نصّت عليه اتفاقية العمل اللائق المُوقعة بين الدولة ومنظمتَي رجال الأعمال والنقابات.
وقال المزي: "لا تتعلق المفاوضات بالمسائل المادية فحسب، بل سيجري تعديل الجوانب الترتيبية في الاتفاقيات المشتركة بما يفضي إلى تحسين الوضع المهني للعمال ومواءمته مع متغيرات سوق العمل، ومتطلبات الواقع الاقتصادي لتونس".
وكشف المعهد الوطني التونسي للإحصاء، في أحدث بيانات نشرها، أن عدد الوظائف في القطاع الخاص ارتفع خلال الفترة 2005-2021 بمعدل سنوي يقارب 1.8في المائة. وأفاد المعهد بأن عدد الوظائف بلغ 1.87 مليون وظيفة عام 2021، مقارنة بنحو 830 ألف وظيفة عام 2005.