اخر الاخبار

العديد من الخبراء والمثقفين والصحف الوطنية وخاصة طريق الشعب يقومون بالتوعية بتحديات وتهديدات التغيرات المناخية، وفعلا وفي السنوات الاخيرة أخذ المواطن العراقي يلمس بشدة وقساوة هذه التغيرات بشكل مؤلم.

ولكننا وللأسف لا زلنا نلمس تلكؤ وتخلف المجاميع السياسية والإدارية، المهيمنة على أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية، في التصدي لهذه التحديات. فيتم تقديم مشاريع وإجراءات لا تعكس سوى تخلف في إدراك تحديات المرحلة. ولا تلبي الا همهم الأساسي وهو التركيز والانشغال بتقاسم الحصص والإثراء على حساب مصلحة مستقبل الوطن. فهم لايعتبرون هذه التحديات المصيرية من أولويات مهامهم. لذا نؤكد على الاستمرار في التوعية بأهمية هذه التحديات المصيرية.

إن المسؤولية الاجتماعية تجاه تغيرات المناخ قضية معقدة، فهي تشمل المسؤولية الفردية والمسؤولية السياسة الداخلية ونشاطات الاقتصاد والإعمار والزراعة إضافة للعمل والتعاون مع المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي.

وهي تتطلب تحولاً اجتماعياً وبيئياً شاملا، منها الابتعاد عن مصادر الوقود غير النظيفة والتوجه نحو مصادر الطاقة النظيفة المستدامة، وهو ما يجب أن يدعمه ويعزز تنفيذه جميع أصحاب المصلحة لضمان مستقبل مناخي عادل للجميع.

ويجب ان تراعي إجراءات التحول الاجتماعي الأمور التالية:

1- تلبية حاجة الناس والمجتمع بشكل فعال وكفء اقتصاديا.

2- تقليل أو إلغاء الأضرار البيئية.

3- توفير العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع.

جميع النشاطات البشرية تؤثر على التغيرات المناخية وتعد مجالات انتاج واستهلاك الطاقة والبناء والإسكان والصناعة والزراعة والنقل بشكل خاص، محاور رئيسية وحاسمة. ولكننا في العراق ولحد اليوم لم نسمع عن برنامج حكومي شامل واضح وعملي لحماية المناخ ولم نجد قوانين تنظم هذه النشاطات هدفها حماية المناخ. بل بالعكس نسمع هرج التطبيل لمشاريع واستثمارات غير مجدية للمواطن ولا تساهم في التصدي للتغيرات المناخية بل تزيد من حدتها.

فعلى البرنامج الحكومي وضع كل مؤسسة من مؤسسات الدولة أمام مسؤولياتها والزامها بوضع أهداف تخص التصدي للتغير المناخي. على سبيل المثال يجب على وزارة النقل ضمان تحقيق أهداف مناخية من خلال الانتقال لاستخدام وسائل نقل حديثة أقل انبعاثا للكربون والغازات الضارة. وعلى وزارة التجارة والداخلية فرض إجراءات تقلل من استخدام السيارات الخاصة ذات التأثير الضار على الهواء لتقليل الاحتباس الحراري. وكذلك تقع على المحافظات والبلديات مسؤولية توفير النقل العام المريح والميسر لفئات الكادحين والشغيلة إضافة لمسؤولية تحديد شروط ومنح رخص البناء للأبنية الصديقة للبيئة والمنخفضة استهلاك الطاقة فقط ومنع تشييد الأبنية والمنشئات التي تسبب أضرارا للمناخ.

وبما أن هذه الاجراءات قد تسبب تحميل الفئات الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود أعباء ترهقهم، فيجب على هذه البرامج والتدابير مراعاة العواقب الاقتصادية والاجتماعية بما يضمن جانب العدالة الاجتماعية، من خلال تدابير تعوض التكاليف الناتجة عن هذه التدابير اجتماعيا، فيمكن على سبيل المثال خفض أسعار الطاقة وأسعار النقل ودعم التجهيز بمنظومات الطاقة الشمسية ودعمها للطبقات محدودة الدخل حصرا، وفي المقابل زيادة الضرائب على نشاطات الفئات الثرية وذات الدخل العالي والتي تبذر وتسرف بالموارد. ويجب تطوير أدوات لحماية المناخ وبشكل فعال. فيمكن على سبيل المثال فرض ضريبة ثاني أكسيد الكربون على الفئات الثرية، فهناك فئات في العراق تمتلك أكثر من سيارة خاصة، مما يعني ان هؤلاء يساهمون ببث غازات ثاني اوكسيد الكاربون الضارة بالمناخ أكثر من العوائل محدودة الدخل والتي تتنقل بواسطة النقل الجماعي والعام. وهذه الضريبة يمكن فرضها على وقود السيارات فتكون أسعار الوقود للسيارات الخاصة مرتفعة وفي المقابل تخفيضها لسيارات النقل الجماعي والعام. وستكون هذه أداة تشجع الناس على تقليل اقتناء السيارات الخاصة واستعمال النقل العام مما يساهم في خفض الازدحامات وتقليل الحوادث المرورية وصد الكارثة المناخية الوشيكة.

من ناحية أخرى على المؤسسات التربوية والتعليمية إضافة لمنظمات المجتمع المدني وبشكل خاص المنظمات المهنية والقوى المدنية الوطنية أن تلعب دورا في نشر الوعي بتحديات التغييرات المناخية وممارسة الضغوط على السياسيين وعلى الاقتصاديين وكافة القطاعات لدفعهم لوضع اجراءات التصدي للتغيير المناخي على اولويات جدول اعمالهم.

التحدي الكبير الذي يواجه العالم اليوم هو تحدي التغييرات المناخية وإذا فشلت دول العالم في الحد من تغير المناخ وتقليص أثاره الناجمة عن أنشطة الإنسان، فمن المتوقع ان تكون تبعات تأثيراته على البيئة والمجتمعات بالغة جدا. فالسيناريوهات التي وضعتها المؤسسات العلمية الدولية المعنية بتغير المناخ، بافتراض عدم فعالية إجراءات سياسات المناخ، تشكل صورة مقلقة للمستقبل، ونلاحظ ذلك بشكل واضح في العراق فمنذ فترة بدأ آلاف الأشخاص في مناطق عديدة من البلاد يفقدون سبل عيشهم وخاصة في الارياف.  وهذا يؤثر على جميع المناطق. وتؤثر الاضطرابات والتغييرات البيئية العميقة على الحياة اليومية لجميع الناس ولكنها تمس وبشكل خاص الفئات الواسعة من ذوي الدخل المحدود. أحد هذه التأثيرات هي ظاهرة الهجرة إلى المدن مما يؤدي إلى صراعات اجتماعية وثقافية وسياسية حادة. وخاصة في ظل تراجع الصناعة وقلة توفر فرص العمل.

يعتبر التغيير المناخي أحد اهم التحديات لبناء نظام ديموقراطي صحيح والذي يستوجب ادارة سياسية علمية وحكيمة. وفي هذا السياق، يُطرح السؤال حول ما إذا كانت الأنظمة السياسية وأشكال الحكم المعنية الحالية قادرةً على اتخاذ القرارات المناسبة والتصرف بناءً على تحديات تغيرات المناخ. وبالتالي بإمكانها تحديد ورسم سياسة توفر الظروف لممارسة ديموقراطية حقيقية في العراق على أسس مستدامة تستطيع الاستمرار لبناء المستقبل للأجيال القادمة.

بالرغم من ان الديموقراطيات الأوربية العريقة تواجه أيضا مثل هذه التحديات ولكنها تسير بطريق النجاح لانها تتخذ قرارات فعالة وسريعة وتمتلك من الكوادر السياسية النزيهة والمخلصة والعلمية ذات الخبرة والمؤهلة لاتخاذ هذه القرارات مما يوفر أسسا تتناسب مع الشرعية والعدالة.

ولكن يبقى السؤال قائما بالنسبة لدولة ابتليت بالمحاصصة الطائفية وتكافح من أجل بناء ديمقراطية وليدة: هل ستتمكن هذه الديمقراطيات الناشئة والمبتلاة بالمحاصصة والفساد ومنظمات استبدادية مسلحة من معالجة هذه التحديات بشكل كاف؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟

هذه مشكلة عويصة ومعقدة. ولها بعد ثقافي متجذر في المجتمع، وعلى جميع القوى الاجتماعية الواعية العمل للوصول إلى هذا الهدف.

في الدول الديمقراطية، يدفع الضغط المتزايد لأزمة المناخ لإجراء تغييرات واضحة وجلية على الهياكل والثقافات وينبع هذا الضغط في البداية مباشرةً من الآثار المادية لتغير المناخ، مثل الظواهر الجوية المتطرفة وعواقبها. لكن الضغط من حركات المجتمع المدني المتنامية بشأن المناخ يتزايد أيضا، على سبيل المثال في شكل احتجاجات “من اجل المستقبل”. يمكن لهذه الضغوط ان تحدث تغييرا وتدفع من أجل اصلاحات تتجاوز مستوى السياسات، ويمكنها أيضا توسيع نطاق عمل الديمقراطية وجعلها أكثر فعالية في التعامل مع التحديات المعقدة.

أما في الوضع الحالي في العراق الذي يتسم بضعف الرقابة والضغط الشعبي وأحيانا ممارسة القمع ضد الأفكار والمبادرات الشابة، بالرغم أن المشكلة تضغط على الوضع في الداخل إلا أن الحلول يتم استيرادها واستنساخها من الخارج، وأغلب هذه الحلول لاتناسب دائما ظروف الوضع الداخلي فتقوم فئات الموظفين والمسؤولين الفاسدين بافراغ هذه الإجراءات من محتواها وتستخدمها كمصدر إضافي للفساد وسرقة المال العام.  لذا يجب إطلاق قدرة الديموقراطية على تطوير نفسها وإصلاح النظام السياسي بشكل جذري. وهذا من خلال توسيع حريات التعبير عن الرأي وتعزيز مشاركة الجماهير والاستفادة من التنوع في الثقافات لتعزيز هياكل الديموقراطية، وعلى مختلف المستويات داخل النظام الاجتماعي، وبهذا ستظهر مدى مرونة تشكيل الديمقراطية مع مراعاة الخصوصيات المحلية والتاريخية والديموغرافية، وقدرتها على التكيف لمواجهة التحديات المستقبلية المعقدة.

ان تطور الديمقراطية ليس تلقائيا بأي حال من الأحوال. فبصفتها أنظمة اجتماعية فقد تطورت على مر اجيال، وتميل الديمقراطيات، وخاصة في الغرب، إلى أن تكون محافظة هيكليا في شكلها المنظم على أساس الدولة الوطنية. وهنا يجب تجاوز ذلك فعلى السياسيين والاداريين والمجتمع المدني المنظم وحتى المواطنين كأفراد إطلاق مبادرات وعمليات ديمقراطية جديدة بهدف مواجهة التحديات المستقبلية من خلال أشكال غير تقليدية من أشكال العمل والتعاون.

ومن الأمثلة على هذه الابتكارات في العمل من أجل تعزيز عمليات مشاركة المواطنين باتخاذ القرار، يُشارك مواطنون يتم اختيارهم بالقرعة في صنع القرار السياسي بصفة استشارية، من خلال تشكيل ما يُسمى مجالس ال مواطنينCitizens' assembly، وهذه يمكنها ان تكمل وظائف البنية الديموقراطية القائمة، وعلى هذا النمط من التطوير للديموقراطية قام مؤتمر مواطنين من أجل المناخ (Citoyenne pour le Climat) في فرنسا.

إن مواصلة وتصعيد ممارسة قمع حرية التعبير المستمرة وصولا لاستخدام أجهزة قمع مسلحة متعددة الولاءات يحدد من مساهمة الجماهير في اتخاذ القرارات وتطوير العمل وخاصة في مجالات الحد من تأثيرات التغيرات المناخية.

ويشكل تغيّر المناخ تحديا لأنماط سلوكية اجتماعية راسخة على مدى عقود، وهذا يتطلب تغييرات سلوكية شاملة على المستويين الفردي والجماعي. ولا يقتصر الأمر على مجرد دراسة نقدية لسلوك الفرد الاستهلاكي وأسلوب حياته الشخصي بشكل عام، بل يجب أن تُفضي هذه الاعتبارات أيضا إلى تغييرات سلوكية فعلية ملموسة على أرض الواقع.

وينطبق هذا بشكل خاص على سكان المجتمعات الاستهلاكية، الذين تعتمد أنماط حياتهم بشكل كبير على استهلاك الموارد بشكل عشوائي وغير مسيطر عليه مما يُسهم  بتراكم انواع النفايات والقمامة وإهمال التعامل معها بالشكل المناسب مما  يعزز اطلاق الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ويكفي إلقاء نظرة إلى قطاع النقل وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من حركة السيارات القديمة تكنولوجيا اليومية التي تستهلك الوقود الاحفوري بكفاءة واطئة متخلفة وكذلك الأبنية والمساكن التي تستهلك الطاقة للتبريد بشكل مسرف لإدراك مدى أهمية  ضرورة التفكير في أنماط الحياة الحالية والنماذج الاجتماعية السائدة وضرورة تغييرها لتحقيق الحياد المناخي المنشود.

ولكن حتى مع فهم هذه الضرورات، ورغم الأهمية الكبيرة التي تُعطى للمسؤولية الشخصية، يبقى التغيير الفعّال في سلوك الفرد أمرا صعبا.  لأن تصرفات كل فرد من الأفراد جزء لا يتجزأ من الإطار والمحيط السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي السائد، والذي لا يتماشى حاليا وبشكل كبير مع أهداف الاستدامة.

تؤثر الظروف المحيطة التي تطورت تاريخيا بشكل كبير على القرارات التي يتخذها الناس، بوعي أو بغير وعي، في حياتهم اليومية، وكيف تؤثر هذه الإجراءات على البيئة.  وهذا يعني أنه على الرغم من تزايد الوعي بالعواقب المناخية، فإن أنماط الحياة والسلوكيات الفردية لا تتغير بما يكفي لتلافي التأثيرات المناخية.

ولهذا السبب، تكتسب الظروف المحيطة والإطار الاجتماعي والاقتصادي والمنظومة القانونية أهمية كبيرة في مكافحة آثار تغير المناخ.  فهي تحدد خيارات العمل المتاحة التي (يمكن) للناس اتخاذها في حياتهم اليومية. إن تشكيل وبناء هذه الظروف المحيطة ولوضع سياسة بشكل فعال لتواجه تحديات التغييرات المناخية يمثل رافعة قوية   تجعل فرض وتطوير السلوك  الفردي الصديق  لمواجهة تحديات المناخ أكثر احتمالا: فعلى سبيل المثال، اذا اصبحت المنتجات المصنوعة من مصادر الوقود الأحفوري، التي تطلق (بشكل غير مباشر) ثاني أكسيد الكربون  إلى الجو، أكثر كلفة من خلال فرض رسوم عالية، فإن هذا لا يؤثر فقط على قرارات الاستهلاك الفردية في اقتصاد السوق، ولكن من الناحية المثالية يخلق أيضا حوافز للابتكارات  والتطوير الأكثر ملاءمة للمناخ وربما خلق المزيد من القطاعات الاقتصادية.

يمكن وصف أزمة المناخ بحق بأنها مشكلة مستعصية. وتتميز بقدر كبير من التعقيد. وفي ظل هذه الخلفية، فإن العمليات الديمقراطية، التي تهدف أساسا، وفقًا للفهم السائد للديمقراطية، إلى تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة، قد تبلغ حدودا عالية. وهذا على الرغم من أن الآليات الديمقراطية الأساسية ليست مهمة مستحيلة: فعلى سبيل المثال، تثبت الديمقراطيات مع كل إصلاح أنها قادرة على إحداث تغييرات جذرية.

يتصور القابضون على السلطة انه يكفي - من منظور سطحي بحت - لإحداث تغييرات او تعديلات تناسب مصالحهم بفرض القوانين، حشد أغلبية برلمانية. ولكن ونظرا للطبيعة العميقة والشاملة المعقدة لتغير المناخ، لا يمكن التعامل مع سياسة المناخ كمجرد مجال سياسي تنافسي آخر من بين مجالات أخرى، حيث يتم التفاوض والمساومة والتحاصص. بل إن سياسة المناخ تحدي وقضية شاملة لا يمكن أن تكون فعالة حقًا إلا إذا تم تحديد اهداف ملموسة مشتركة على المستوى الوطني بل مستوى المنطقة بشكل صحيح لتحقيق مجتمع محايد مناخيًا يحظى بدعم جميع القطاعات والمؤسسات والأفراد.

ولايمكن لنظام تحكمه مصالح المحاصصة ويستشري فيه الفساد أن يحقق أهداف جامعة لمصلحة الشعب والمجتمع.

إن البديل هو فرض نظام ديموقراطي وطني يضمن مستوى عال من الشفافية الإجرائية ويسمح لأوسع شرائح المجتمع بالمشاركة والاسهام في اتخاذ القرارات المطلوبة لسياسة مناخية فعالة. وعزل جماعات المصالح الخاصة غير الوطنية من هيئات اتخاذ القرار.