اخر الاخبار

يلاحظ ان مدونة الأحكام الشخصية الجعفرية كتبت بلغة الرسائل العملية وهي الرسائل التي كتبت  من قبل كبار المراجع الدينية التي بدأت من الشيخ المفيد واستمرت إلى يومنا هذا .الرسائل العملية في الفقه الجعفري هي الوسائل التي من خلالها يتمكن الفقيه من أداء وظيفته فيما يتعلق بالأحكام الشرعية للمكلفين بها وهي إما ان تكون واجبة او محرمة او مندوبة او مكروهة فضلا عن كونها خطابا او وثيقة شرعية تبين واجبات المكلف حسب الفتاوى التي هي الاحكام الظنية  التي تتسع  فيها دائرة الاجتهاد تنظيما لشؤون الناس ويعمل به في الفقه العملي عند عدم وجود دليل قطعي ويعمل العقل فيما لا نص فيه اذ تسعه الشريعة الاسلامية والأحكام الظنية تلك  تخضع لتطور الحياة وتغير الزمان والمكان ولا تلحقها القداسة لكونها منجزا بشريا .

المدونة بصيغتها اللغوية الحالية لا يمكن أن تؤدي وظيفة القانون لعدم انطباق تعريف القانون عليها أي عدم حيازتها على أسباب وشروط القانون والمقتضى والحالة هذه هو تحويل الرأي الفقهي والقاعدة الشرعية إلى قواعد قانونية أي تحويل مضامينها وافكارها إلى قواعد قانونية لكي تحوز تعريف القانون بغية وضعها موضع التطبيق، وبعبارة أخرى اشتغالها ضمن أحكام العملية التشريعية والصياغة القانونية أي دخولها في المشغل التشريعي لكي تحوز على صفة القانون تصح ان يكون نصا يعتمده القضاة في محاكم الأحوال الشخصية ويجري فصل المنازعات استنادا إلى نصوصه وقواعده التي وضعتها السلطة التشريعية وبخلاف ذلك فان المدونة بلغتها الخام هذه لا تصلح ان تكون مادة للأحكام القضائية  أي انها ليست قانونا وبالنتيجة لا تؤدي الوظيفة المتوخاة  للقانون .

لتوضيح ذلك نذكر حكم المادة (5) من المدونة التي تنص على: (يكفي في صورة العقد بعد تعيين المهر ان تقول الزوجة للزوج: " زوجتك نفسي على المهر المعلوم " فيقول الزوج: " قبلت التزوج ") عند ذلك وحسب هذا النص تعد الرابطة الزوجية منعقدة استنادا هذا النص وهو مجرد رأي فقهي يدل على ان الزواج عقد من العقود الرضائية يصدر فيه الايجاب من المرأة ليقترن بقبول الزوج وهذا النص بصيغته هذه لا يؤدي وظيفة القانون للأسباب التالية :1 – انه يخلو من مجلس العقد. 2 – لم يقترن بتوثيقه توثيق من قبل الشهود . 3 – لم ترد اشارة إلى تسجيله في سجلات رسمية واعتماده كدليل اثبات رسمي عند الخصومة 4 – لم يحصل فيه الفحص الطبي لبيان مدى صلاحية طرفي العقد لهذه المهمة. 5 – غياب الإشهار الذي يتطلبه عقد الزواج 6 – خلوه من الآثار المفضية إلى تكوين أسرة موضوع المادة 29 من الدستور فضلا عن عدم التماهي مع الآية 21 من سورة الروم المحدد فيها الغرض من الزواج: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

امام هذا الوضع فان المدونة بلغتها الحالية لا تؤدي وظيفة القانون اذ لا بد والحالة هذه من تحويل القاعدة الشرعية إلى قاعدة قانونية ويتم ذلك كما أسلفنا من خلال آليات العملية التشريعية والصياغة القانونية المعتمدة لدى السلطة التشريعية واقتفاء أثر المشرع الذي وضع قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اذ تمكن – وبوعي مبكر -  من تحويل القاعدة الشرعية إلى قانونية من دون التقيد بمذهب معين فكان ذلك المنجز الرصين المعروفة احكامه. وبهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى أن العملية التشريعية والصياغة القانونية تعد حديثا فرعا من فروع القانون افردت لها كليات القانون في العالم أقساما خاصة في كليات القانون وظيفتها اعداد كوادر مهنية متخصصة ينحصر عملها بالتشريع، وبالرجوع إلى أحكام المدونة نجدها بعيدة كل البعد عن مفهوم العمل التشريعي المعاصر اذ انها لم تخرج من دائرة الأفكار او الأحكام الفقهية في أحسن الأحوال.

في مقالنا خلصنا إلى أن المدونة هذه لا يمكن باي حال من الأحوال أن تؤدي وظيفة القانون ما لم تمر بالمشغل التشريعي المشار اليه أعلاه، وعلى فرض أن جهدا استثنائيا تمكن من ان يحولها إلى قواعد قانونية فالرأي لدينا ان مضامينها لا تصح الا إلى مرحلة ما قبل الدولة لخلوها احكام المواطنة لتغليب الهوية الجزئية عليها.