صباح امس أرسل لي أحد أساتذتنا الكرام، من الذين عملوا في القطاع الزراعي، تقريرًا صحفيًا حول فشل المفاوضات العراقية التركية التي جرت يومي الخميس والجمعة الماضيين بشأن المياه، حيث تمسكت تركيا بمواقفها السابقة بعدم منح العراق حصته المائية من نهري دجلة والفرات، على الرغم من وعودها السابقة بزيادة الاطلاقات المائية.
وبغض النظر عن الأسباب، والتي من أهمها محاولة الحكومة التركية ابتزاز العراق للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية، والضغط الدبلوماسي لتحقيق أهداف وطموحات الحكومة التركية في المنطقة عمومًا، إلا أن هذا الموقف السلبي له تأثيرات خطيرة على الوضع الزراعي والبيئي والصحي في العراق.
ففي الوقت الذي بدأ فيه الموسم الزراعي الشتوي، ومع الخزين الحالي من المياه الذي لا يتجاوز 5 مليارات متر مكعب، وشحة الأمطار، يصبح من المستحيل تنفيذ الخطة الزراعية، إذ أن هذه الكميات لا تكفي حتى للاستهلاك البشري. ونتيجة لذلك، فإن الأمن الغذائي العراقي مهدد بشكل بالغ بسبب عدم القدرة على الزراعة، وخصوصًا المحاصيل الاستراتيجية، وما يترتب على ذلك من فقدان الثروة الحيوانية والسمكية بسبب جفاف النهرين والأهوار.
كما يترتب على هذا الوضع زيادة أعداد النازحين من الريف إلى المدن، وما لذلك من آثار اجتماعية مترتبة على النزوح، بالإضافة إلى تصحر وتملح مئات آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، وما يترتب على ذلك من ارتفاع درجات الحرارة وزيادة العواصف الترابية، وما لذلك من أثر مباشر على صحة الإنسان وحياته.
لذلك، وبناءً على ما سبق، يتطلب من الحكومة العراقية وعلى أعلى مستوياتها اتخاذ موقف حازم يفرض على الحكومة التركية منح العراق حقوقه المائية، فهذه الحقوق حق وليست منة تمنحها تركيا بإطلاقات متباعدة وحسب حاجتها. ويجب أن يتجلى هذا الموقف في العلاقات التجارية والنفطية بين العراق وتركيا، وإذا اقتضى الأمر، يمكن إيقافها مؤقتًا لحين منح العراق حصته من المياه، إلى جانب ممارسة الضغوط الدبلوماسية الدولية في كافة المحافل، من مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية إلى منظمات الزراعة والمياه الدولية والإقليمية، مع إطلاق حملة إعلامية واسعة لفضح السياسات التركية وتبيان مخاطرها الإنسانية على المواطن العراقي مستقبلاً، على صعد الأمن الغذائي والبيئي والصحي.
نعم، نحن بحاجة إلى مواقف حازمة من الحكومة العراقية قبل فوات الأوان.
ـــــــــــــــــــــــــــ
مهندس زراعي استشاري