اخر الاخبار

تطل كل سنة في تشرين الأول حملات التوعية الخاصة بسرطان الثدي، ذلك المرض الذي يختبر صبر النساء وشجاعتهن في مواجهة الخوف والألم والمصير المجهول. لكن في العراق، لا يقتصر وجع سرطان الثدي على الجانب الصحي فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادا اجتماعية ونفسية واقتصادية تجعل من رحلة العلاج معركة قاسية على أكثر من جبهة.

في شهر الوقاية من سرطان الثدي، تتزين الكثير من المؤسسات المعنية باللون الوردي، ويرفع الشعار المعروف «الفحص المبكر ينقذ الحياة». غير أن الواقع الصحي للمرأة يكشف هشاشة البنية التحتية الطبية، وضعف الوعي، وقلة الإمكانات، مما يجعل المرض أكثر انتشارا وأشد فتكا.

تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة العراقية إلى أن سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطان شيوعا بين النساء في البلاد، ويحتل المرتبة الأولى بين الحالات المسجلة سنويا. إلا أن ما يقلق الأطباء هو أن أغلب الحالات تكتشف في مراحل متقدمة، بسبب غياب الفحص الدوري وقلة التوعية في المناطق الريفية والشعبية، حيث لا تصل الحملات التثقيفية إلا نادرا.

تقول الدكتورة رشا إبراهيم، اختصاصية الأورام: "ما زالت الكثير من النساء يخشين مراجعة الطبيب عند ظهور أي ورم أو تغير في الثدي، خوفا من التشخيص أو من نظرة المجتمع، وهذا التأخر يجعل فرص الشفاء تتراجع بشكل كبير. أكثر من نصف الحالات التي نستقبلها تكون في المرحلة الثالثة أو الرابعة من المرض".

تتحدث الأرقام أيضا عن فجوة واضحة بين بغداد وأربيل والمحافظات الأخرى. ففي حين يمكن للنساء في بغداد أو أربيل الوصول إلى أجهزة الفحص الشعاعي، تفتقر مدن أخرى مثل المثنى وديالى وميسان إلى مراكز متخصصة. وغالبا ما تضطر النساء إلى السفر لمسافات طويلة لإجراء الفحوصات أو تلقي العلاج الكيميائي، وهو عبء نفسي ومادي لا تستطيع الكثيرات تحمّله.

قصص النساء المصابات تتشابه إلى حد كبير، معظمهن اكتشفن المرض متأخرا، وبعضهن فقدن وظائفهن أو هجرهنّ أزواجهن بعد التشخيص. فالمجتمع العراقي، رغم ما شهده من تطور، ما زال يحمل نظرة سلبية نحو المرأة المريضة، وكأن المرض وصمة أو عبء لا يحتمل.

إلى جانب الألم الجسدي والمعاناة النفسية، تواجه المصابات نقصا في الدعم الاجتماعي. فبرامج التأهيل النفسي محدودة، ومراكز الدعم المجتمعي تكاد تكون معدومة. وحتى المبادرات التطوعية التي تطلقها منظمات المجتمع المدني خلال شهر التوعية، غالبا ما تكون موسمية ولا تمتد طوال العام.

في هذا السياق، تشير الناشطة في مجال صحة المرأة رنا كريم إلى أن "التحدي الأكبر يكمن في "تحويل التوعية إلى سلوك دائم وليس مجرد حملة وردية تنتهي بانتهاء شهر تشرين. نحن نحتاج إلى ثقافة وقائية مستمرة، تشمل المدارس والجامعات والدوائر، لأن الفحص المبكر يمكن أن ينقذ حياة آلاف النساء".

وتضيف أن "التحديات الاقتصادية تلعب دورا خطيرا، إذ تمنع كثيرات من مراجعة الأطباء أو شراء الأدوية، خصوصا بعد ارتفاع أسعار العلاج الكيميائي ونقص الأدوية في المستشفيات الحكومية".

في النهاية، تظل المرأة العراقية - تلك التي واجهت الحروب والفقر والنزوح - تواجه اليوم خصما شديدا لا يرى بالعين، لكنه يهدد الحياة ذاتها. ورغم الألم، فإن قصص الناجيات تزرع الأمل، وتؤكد أن الكشف المبكر والعلاج في الوقت المناسب قد يحولان الخوف إلى شجاعة وبالتالي انتصار على المرض.