اخر الاخبار

تتوالى المشاكل والأزمات في بلدي، ونحن نعاني من الكثير منها، حتى تأتينا أخرى أقوى وأعقد. بلدٌ عائمٌ على بحرٍ من النفط والخيرات الأخرى، لكن شعبه يعاني من الجوع والبطالة والفقر.

وأضيفت إلى معاناته مشكلةٌ أخرى أكثر ضرراً وتأثيراً، لأنها تتعلق بحياة الإنسان، ألا وهي أزمة المياه، ولاسيما في محافظة البصرة، حيث أصبح الناس يعانون من العطش.

إن أزمة المياه الحادّة وانخفاض منسوبها في نهري دجلة والفرات ناجمان عن بناء السدود العملاقة من قبل دول المنبع، تركيا وإيران. وللأسف، لم تُعالج هذه المشكلة من قبل الحكومة العراقية بأسلوبٍ علمي ومهني، وكأن حياة الإنسان ومستقبله ومصدر عيشه لا يعنيها.

كان من المفترض بناء سدود ومحطات تحلية، وأن تبادر حكومة المحاصصة إلى إرسال وفدٍ متخصص للتفاوض مع دول المنبع من أجل تأمين حصة العراق من المياه. لكنّ اهتمام الحكومة كان منصباً على جمع المال، والحصول على المناصب والامتيازات، دون أدنى اكتراثٍ لهموم الناس ومعاناتهم.

وكان بإمكانها إيجاد حلولٍ لهذه الأزمة لو توفرت الإرادة والإخلاص، فالإمكانيات متوفرة بفضل وجود الأموال والكوادر العلمية القادرة على وضع خطط فعالة.

من المعروف أن الماء هو مصدر الحياة للإنسان والطبيعة، وانعدامه يعني قتل الإنسان وكل أشكال الحياة.

وحتى إن وُجد الماء، فإنه في كثير من الأحيان مالحٌ وغير صالحٍ للشرب، لا تطيقه حتى الحيوانات، ما أدى إلى نفوق الكثير منها وهلاك المزروعات.

ولإيجاد حلولٍ وقتية لهذه المشكلة، استُحدث نظام المراشنة لإيصال الماء الحلو إلى المناطق وفق جدولٍ خاص، لكنه يفتقر إلى العدالة في التوزيع، لاعتماده أسلوب المفاضلة بين منطقةٍ وأخرى.

نسمع بين فترةٍ وأخرى، وعلى لسان بعض المسؤولين، أن المشكلة في طريقها إلى الحل من خلال بناء محطات تحلية أو التعاقد مع شركات استثمارية متخصصة في هذا المجال. لكن سرعان ما تتضح الحقيقة على الأرض: كل تلك التصريحات مجرد وعود وزوابع إعلامية لامتصاص نقمة الجماهير.

ثم إن الشركات الاستثمارية لا ترغب بالعمل في بلدنا بسبب الروتين والبيروقراطية والفساد الذي تمارسه الجهات المتنفذة وأصحاب القرار.

وبسبب هذه الأوضاع المزرية وتفاقم الأمور إلى حدٍّ لا يُحتمل، أُصيب الكثيرون بالأمراض جراء ملوحة المياه غير القابلة للتحمل، ما دفع جماهير البصرة، وخصوصاً سكان المناطق الشعبية، إلى الخروج في تظاهراتٍ واحتجاجاتٍ سلمية ضد سوء الخدمات وانعدام المياه الصالحة للشرب. وللأسف، جوبهت هذه الاحتجاجات بالقوة والعنف من قبل القوات الأمنية.

والمفارقة العجيبة أننا نرى اليوم تسابق المرشحين نحو البرلمان القادم، وهم يعلنون عبر وسائل الإعلام دعاياتٍ انتخابيةً مليئة بالوعود الكاذبة، متعهدين بتوفير الخدمات والمياه الصالحة للشرب، وجعل العراق والبصرة تحديداً أرقى من سنغافورة وماليزيا! والأدهى أن أغلبهم كانوا أعضاءً في البرلمان نفسه الذي فشل سابقاً في حل هذه الأزمات.

لكن هذا الترويج الإعلامي المضلّل لم يعد ينطلي على جماهير شعبنا التي خبرت الزيف والتهريج في الدورات السابقة.

أمام هذه الصورة القاتمة، يتوجب على شعبنا أن يُحسن الاختيار، وأن يكون قراره مبنياً على الضمير والوجدان والروح الوطنية الخالصة، بعيداً عن المحاباة والعلاقات الشخصية والعشائرية والحزبية الضيقة، وأن يختار من يتحلّى بالنزاهة والأمانة والكفاءة والإخلاص للوطن والشعب.

فـ"الإنسان الحر لا يُلدغ من جحر مرتين".