في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها القطاع الزراعي في العراق، من شح المياه وارتفاع درجات الحرارة، تبرز الزراعة الذكية (Climate-Smart Agriculture) كأحد الحلول الناجعة لضمان استدامة المحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة، الشعير، الذرة الصفراء، البطاطا، والطماطم.
تسعى الزراعة الذكية لتحقيق ثلاثة أهداف مترابطة: زيادة الإنتاجية والدخل بشكل مستدام، التكيف مع التغيرات المناخية وبناء المرونة، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ولتحقيق هذه الأهداف، تعتمد الزراعة الذكية على دمج التكنولوجيا الحديثة والممارسات الزراعية المستدامة لترشيد استخدام الموارد وزيادة كفاءة الإنتاج.
إدارة المياه والري الذكي
تعد تقنيات إدارة المياه من أهم أدوات الزراعة الذكية، خاصة في ظل شح المياه:
• الري بالتنقيط والري المحوري المتحرك: يقللان بشكل كبير من هدر المياه مقارنة بالري بالغمر، ويمكن تطبيقهما على البطاطا والطماطم والذرة الصفراء والحنطة والشعير في المناطق الجافة.
• أجهزة الاستشعار الذكية (Sensors): تُزرع في التربة لقياس مستويات الرطوبة بدقة، وترتبط بأنظمة الري لتوفير المياه حسب الاحتياج الفعلي للنبات.
• الزراعة المائية (Hydroponics): مناسبة للطماطم والبطاطا في بعض الأنظمة، وتتيح التحكم الكامل في درجة الحرارة والمغذيات مع توفير يصل إلى 90في المائة من استهلاك المياه مقارنة بالزراعة التقليدية.
التكيف مع ارتفاع الحرارة
لمواجهة الإجهاد الحراري الذي يؤثر على نمو المحاصيل وحبوبها:
• استنباط وزراعة الأصناف المقاومة: اختيار سلالات تتحمل الجفاف ودرجات الحرارة العالية، مثل الأصناف قصيرة العمر أو قليلة الاحتياج المائي.
• الزراعة المحمية (البيوت البلاستيكية والدفيئات الذكية): توفر بيئة نمو متحكم بها للطماطم والبطاطا، مع أنظمة تبريد وتظليل للتحكم بدرجات الحرارة الداخلية.
• تغيير مواعيد الزراعة: تعديل مواعيد الزراعة والحصاد لتجنب فترات الذروة الحرارية خلال مراحل النمو الحساسة، مثل مرحلة التزهير وامتلاء الحبوب.
الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)
تعتمد على التكنولوجيا لتطبيق الموارد بدقة عالية:
• الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية (Drones and Satellites): تستخدم للمسح الجوي للمحاصيل وتحديد مناطق الإجهاد المائي أو الإصابة بالآفات أو نقص المغذيات.
• الخرائط والتحليل الجغرافي (GIS): بناء خرائط دقيقة لحالة التربة والمحصول، مما يمكّن المزارع من توجيه الأسمدة والمياه والمبيدات إلى المناطق التي تحتاجها فعلاً.
ممارسات مستدامة إضافية
لتعزيز مرونة النظام الزراعي وتقليل الأثر البيئي:
• الحراثة الصفرية/المحافظة: عدم تقليب التربة يقلل تبخر المياه ويحسن من قدرة التربة على الاحتفاظ بالرطوبة ويحد من تدهورها.
• التغطية العضوية (Mulching): تغطية سطح التربة بمخلفات المحاصيل أو مواد بلاستيكية لتقليل تبخر المياه وتخفيف حرارة التربة.
تطبيق هذه الاستراتيجيات في الزراعة الذكية لا يقتصر على زيادة المردود الاقتصادي للمزارعين، بل يساهم أيضًا في خفض البصمة البيئية للقطاع الزراعي، وضمان استدامة إنتاج المحاصيل الحيوية التي تمثل أساس الأمن الغذائي في البلاد.
ـــــــــ
* مهندس زراعي استشاري