اخر الاخبار
لأهمية عمل وزارة التربية بالقياس إلى أداء وزارات الدولة الأخرى، نقول قبل كل شيء، أن هذه الوزارة هي أهم من كل الوزارات دون منافس من حيث المضامين والاهداف ، فالزراعة ، كما يقول الكاتب المصري الساخر جلال عامر، تسد الجوع والصناعة توفر الحاجات ، لكن التعليم يزرع ويصنع وطنا، لذا فان الدول منذ نشأتها تتصدى للتربية والتعليم  كما نصح ارسطو العالم قبل اكثر من الفي عام، وهو القائل، أن القيام على التربية والتعليم لا تحسنه إلا الدول، ونضيف لا الشركات، لأن الشركات تسعى للأرباح، والدول تسعى للإصلاح، ونحن لا نبخس دور الوزارات الاخرى، ولكن اردنا أن تقول ما فائدة وزارة الصحة على سبيل المثال دون وجود الأطباء والكادر الطبي المساعد لا بل حتى المنظف الواعي ، وهؤلاء من ثمار التربية والتعليم .
أردنا بهذه المقدمة أن ندق ابواب المسؤولين جميعا وان نزعجهم متقصدين لأنهم كانوا وراء إهمال صارخ للتربية والتعليم، فللوهلة الاولى يرى المراقب أنهما كانتا ضمن التحاصص المقيت وانهما كانتا موضعا للتقصير المالي. وقبل كل شيء أود أن أشير إلى أن مدرستي في الخمسينيات كانت بناية مستأجرة، ولكن كنا بدوامين والدوام لستة ايام، دون عطل طارئة او اية عرقلة للدوام، كما جرى مؤخرا في عدة مدارس إجراء الصيانة أثناء وبعد بدء العام، وكنا نحصل على مناهج تتناسب وكل مرحلة عمرية وكانت تقدم لنا وجبة افطار غنية مع حبوب دهن السمك، قد يقول البعض كان ذلك ضمن ما جاء بالنقطة الرابعة لبرنامج مارشال، أقول نعم، ولكن لم يتم التلاعب بتخصيصاتها. وكانت وزارة المعارف وراء إنتاج الاف العلماء، منهم على سبيل المثال عبد الجبار عبد الله رئيس جامعة بغداد عام 1959، مصطفى جواد مصحح الألسن وضابط اللغات، فرحان باقر عمدة الأطباء، جواد سليم صانع الفن الرفيع، وغيرهم ممن قدموا العراق نموذجا للتطور الطبيعي للدول.

واقع وزارة التربية الآن

منذ العام ، وهو عام الامل والتغيير كما توقعنا نحن العراقيون، لم يتم انتداب وزيرا ولو واحدا صالحا لإدارة وزارة التربية، وهو عمل ضار جدا بمستقبل الاجيال وكان ذلك نتيجة المحاصصة التي انسحبت بدورها بمرور الأعوام لتصل إلى الوكلاء والمدراء العامين ومعاونيهم وصولا إلى مدراء المدارس، وكان من نتائج المحاصصة الاستيلاء على الوظائف لا تحسين الأداء وتطويره، بل وكان من نتائج ذلك التجاوز على ثوابت التربية المتعلقة بالامتحانات وخيانة الامانة في أدائها لأسباب معروفة، بتغيير آخر نزلت العملية التربوية إلى درجات تغيرت بموجبها معايير سلامة التدريس ومعايير خصوصية المعلم، فقد كان المعلم يريد أن يكون معلما لا كما هو الآن، المعلم يريد أن يكون موظفا، وانحدر السلوك المدرسي كجزء من انحدار السلوك العام نحو الاعتداء على المعلم او ضرب مدراء المدارس، او سرقة الدرجات أو التلاعب بالنتائج ، وامراض أخرى هدت من بناء وصحة التعليم بمراحله الثلاثة الذي بدأته وزارة المعارف منذ تأسيس الدولة. كما ان المعلم تناسى هو الاخر أهمية دوره الاجتماعي كما كان معلمنا أيام زمان، فقد ركب المعلم علي الوردي الدابة ليصل إلى مدرسته في ريف الناصرية دون مكافأة او مخصصات اللهم  إلا راتبه البسيط آنذاك، ولم يعد كما كان معلمنا قدوة في الملبس والسلوك والثقافة العالية، ولم يعد المعلم يطالب الطلاب بسرد ملخص قصة زقاق المدق أمام التلاميذ أو مضمون حكاية نائب في الارياف، ويعتمد إدخال النشاط الفكري في تقييم التلميذ لا بل لم يعد المعلم يحمل اية ثقافة او اطلاع ، وصار البعض يشارك طلابه تبادل العادات السيئة كالتدخين على سبيل المثال، وللتلميذ هو الآخر دوره في تراجع التعليم فلم يعد يحمل تلك الهمة في التعلم، وان الأسرة لم تعد تهتم بأبنائها أو تتابعهم على عكس اباؤنا البسطاء فقد كان الأب يمنع أولاده من العبث في الازقة أيام الدراسة ، وكان يراقب رغم بساطته مدى مواظبة الأبناء على التحضير، وكانت وصاياهم لا زالت ترن في أذاننا بضرورة احترام الدوام والمدرسة والمعلم، و يقول اتعب تلعب، وكان والدي يلحقنا بالملا لتعلم مبادئ القراءة من خلال  تعلم القران الكريم أيام العطلة الصيفية.

المدرسة والإهمال الحكومي

لقد نالت المدرسة حصتها هي الأخرى من الإهمال، سواء أكان ذلك في الابنية او في التأثيث او في مجالات تقدم العلوم وأساليبه أو في مجال التغيير المناخي، ولا زالت تخصيصات وزارة التربية دون المطلوب بكثير، بحجة عدم توفر الأموال، والأموال كل يوم عرضة للنهب والابتذال جراء الفساد. إن مسؤولية تردي المدارس أو قلتها تتحملها حتى حكومات ما قبل العام 2003، لكن كنا نعول على النظام الجديد بعد الديكتاتورية والحكم العسكري، لكن يبدو أن المدرسة لم تكن يوما على منضدة المسؤول، والا كان الواجب المعقول تقليل راتب ذاك المسؤول او الغاء مخصصاته بدلا من طفل يفترش الأرض او آخر يتسرب إلى المجهول. والحديث عن المدارس يتشعب ويطول، وأسفي على وزير يقبل بمدرسة طينية او هياكل تترك دون عذر مقبول. ولمن يهمه القول، فان نسبة الزيادة السكانية حسب وزارة التخطيط تبلغ 2،5 بالمئة، أي أن عدد تلاميذ الصف الأول للعام القادم 1،320 مليون تلميذ، على 500 تلميذ للمدرسة الواحدة، فان المطلوب بالنتيجة للعام القادم هو إنشاء َأكثر من /2600 مدرسة اضافة إلى ما هو مطلوب الآن لتجاوز الاختناق الصفي وتصفية المدارس الطينية والكرفانية، فهل بإمكان وزارة التربية إنشاء هذا العدد من المدارس العام القادم وفقا للتخصيصات الجارية؟

المناهج وتصويب الاختيار

إيمانا منا بان تك الأغراس اليافعة وهي في المرحلة الابتدائية بحاجة إلى مسايرة أعمارها فيما يخص وضع المناهج التدريسية، وان لا يحمل التلميذ فوق مدركاته وليعلم أهل المناهج، أن الملتحق في الصف الأول في السويد لا يلقن الدروس المهنجية، وانما يمر بدوام طويل مدعوما بفترات لعب وإطعام، وهو خلال هذه الفترة يمر بتعليم شفهي غير ملزم وغير ممل ويساعد المبتدئ الصغير على استقبال المعلومات مبسطة وبشكل مسل مرغوب، ولا يوجد كتاب ولا دفتر. وهو نشاط مكمل لمرحلة الحضانة ورياض الاطفال،  اما تلميذنا عند الصف الأول فيتم إدخاله للتو في معارك ذات وجهين، الأول قسوة المعلم وطرق التدريس القديمة، والوجه الثاني معركة المناهج بدءا من القراءة والحساب وصولا إلى العلوم أو لغة اجنبية تنافس لغة الاهل والأجداد، وتضييع المشيتين، واتحدى خريج الاعدادية أن يتكلم اللغة الانكليزية بالطلاقة المطلوبة، او يجيد العربية دون ان يلحن فيها أو يخطأ بقواعدها، لا بل ان يكتب وهو جامعي بخط مفهوم، إنه ليس نقدا وانما مطلبا للتصويب، لماذا مبادئ الجبر على سبيل المثال في الصف السادس الابتدائي، ما بالكم أحدهم من الموظفين الحكوميين يكتب المحافظ بالضاد اخت الصاد او اخر يكتب بليد بدلا عن باليد ، وثالث يكتب في إعلان رسمي بتوقيع لواء ينتظر بدلا من ينتظر . وكثيرا من حملة الشهادة الجامعية الأولية، بل وحتى موظفين كبارا موفدين لأغراض رسمية تراهم في المطارات حيارى لا يستطيعون فهم كلمات إرشادية باللغة الانكليزية. وهذه لم تكن عيوب طلبة ما قبل العام 1990 وما تلاها من أعوام حكومات المقصرين.
إن وزارة التعليم العالي وأهمية دورها في دعم جهود وزارة التربية، عليها أن تعد المدرس المثقف وليس المدرس المتعلم، كما كان مدرسنا في الرياضيات كامل الدباغ، فقد كان مثقفا مطلعا يجيد اللغة الانكليزية، او أن تمد مدارسنا بالمعلم الجامعي الملم بمتطلبات التلميذ واصول التعليم، وان تكون مناهج وزارة التربية مشجعة على الأقبال لا التسرب، وان تعيد النظر بالتعليم الأهلي والانتساب لانهما مصدرا للطبقية والإثراء على حساب الطلبة والشباب.
التعليم الأهلي والانتساب
لم يعد التعليم الاهلي بعد ذاك التوسع المخيف بقادر على مسايرة متطلبات العمل التربوي لا من حيث توفر الشروط المطلوبة في الأبنية المدرسية، ولا من حيث توفر الشروط النموذجية المطلوبة في العملية التدريسية كي تكون بدرجة أرقى من التعليم الحكومي، فالمدارس على الأغلب كانت دورا سكنية تم تحويلها من حيث الشكل والالوان لا من حيث موائمتها للدرس او تناسبها مع المطلوب من نقلة حضارية للتعليم او توفر مستلزمات الأنشطة غير الصفية، لأن عامل التأسيس تجاري وليس تربوي، اما الانتساب فإنه الآخر صار نظاما مكملا لرأسمالية التعليم، فبالإضافة إلى كونه نظاما يشرع الكسل، فإنه يشجع على فتح الكثير من معاهد التقوية الأهلية ذات الأبعاد التجارية النفعية، كما وأنه صار أمرا كاشفا للتمييز الطبقي بين الطلبة، بين من هم ينتمون للعائلات الذي لامسها غنى هذا الزمان الناتج عن استغلال المال العام وبين من هم ينتسبون لعائلات الموظفين الأكثر فقرا والأحرص على العلم والثقافة والحرص على بناء الانسان.