اخر الاخبار

رغم مرور عقود على تأسيس النقابات العمالية في العراق، ما تزال هذه المنظمات تواجه تحديات كبيرة في أداء دورها الحقيقي كمدافع عن حقوق العاملين. فالنقابة، التي يفترض أن تكون صوتا صلبا في وجه الانتهاكات، وجدار حماية أمام الاستغلال، تجد نفسها اليوم محاصرة بين ضعف التمويل، والتضييق الإداري، والانقسام الداخلي، فضلا عن غياب التواصل الفاعل مع الجهات التشريعية والتنفيذية.

الإطار القانوني والقيود على الاستقلالية

من أبرز التحديات التي تضعف الحركة النقابية في العراق هو الإطار القانوني المقيد لحرية التنظيم النقابي. فالقوانين النافذة ما زالت تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة في تسجيل النقابات ومراقبة أنشطتها، وهو ما يحد من استقلاليتها ويجعلها عرضة للتسييس أو التدخل من جهات حزبية.

الأخطر من ذلك أن الجانب التشريعي، رغم وعوده المتكررة، أهمل خلال دورته الحالية التي شارفت على الانتهاء، فتح حوار جدي مع الاتحادات والنقابات العمالية، لصياغة مسودة قانون حرية العمل النقابي. هذا القانون المنتظر من شأنه أن يضمن استقلال التنظيمات العمالية عن السلطة السياسية، ويوفر غطاءً قانونياً يحمي حق العمال في التنظيم والتعبير والمفاوضة الجماعية. غير أن الصمت البرلماني تجاه هذا الملف يؤكد أن هموم العمال ما زالت خارج أولويات التشريع والسياسة.

تعدد الاتحادات ضرورة أم انقسام؟

إن تعدد الاتحادات والنقابات العمالية هو انعكاس للعمل الديمقراطي في البلاد، ويساعد على زيادة الضغط للمطالبة بالحقوق، لكن هذا التعدد فقد معناه حين غاب عنه التنسيق والعمل المشترك. فبدل أن تتكامل الجهود للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، نشهد اليوم تباينا في الخطاب وتنافسا على التمثيل.

فليس من المعقول أن تصدر بعض النقابات بيانات تعكس خلالها الحضور الدولي والمشاركات الخارجية، بينما الحضور المحلي مغيب. فالقوة الحقيقية للنقابة لا تقاس بوجودها في المؤتمرات، بل بوجودها في المصانع وورش العمل، حيث ينتهك الحق في الأمان والعمل الكريم.

ضعف التمويل وتراجع الوعي النقابي

إلى جانب التحديات السياسية، تعاني النقابات من شح التمويل وضعف الإمكانات، ما يحد من قدرتها على تنظيم فعاليات أو تقديم الدعم القانوني للعمال المتضررين. كما يواجه العمل النقابي تحديا آخر يتمثل في ضعف الثقافة العمالية والخوف من المشاركة، إذ يخشى كثير من العمال الانضمام إلى النقابات خوفا من فقدان وظائفهم، خصوصا في القطاع الخاص.

الحاجة إلى وحدة الموقف العمالي

إن المرحلة الحالية تتطلب توحيد الجهود النقابية، وتشكيل جبهة موحدة للدفاع عن الحقوق، والضغط من أجل تشريع قانون عصري يضمن حرية العمل النقابي ويحمي العاملين من الاستغلال. فالتعدد لا يضعف حين يدار بوعي وتنسيق، بل يثري الساحة النقابية، شريطة أن يُبنى على التعاون لا التنافس.

إن النقابات، مهما اختلفت مسمياتها، تبقى مسؤولة أمام الطبقة العاملة التي تنتظر منها حضورا فعليا في الميدان لا بيانات في المناسبات. فالحوار الحقيقي يجب أن يبدأ من مواقع العمل لا من قاعات المؤتمرات، ومن التشريعات التي تنصف العامل لا من خطابات المديح.