اخر الاخبار

تصريحٌ غريب صدر عن أحد السادة المسؤولين في حكومة البصرة، وهو يشغل منصباً رفيعاً، إذ قال إن "المادون" لا يحق له تقييم عمل المافوق"، حسب تعبيره!

وهذا يعني – وفق منطقه – أنه ليس من حق المواطن أن يقيّم عمل المسؤول في الحكومة! ما هذا التمايز؟ وما هذه النظرية الجديدة التي أبدعها "العقل العراقي الملهم"؟ هذا القول يعني أن "المافوق" قد وصل إلى درجة التأليه، وبلغ الكمال الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، ولا من لسانه، ولا من عقله الجامد، ولا من نفسه الأمّارة بالسوء! إنها نظرية تضع الشعب – الذي جاء بالمسؤول إلى الكرسي – في مصاف العبيد، لا يسمعون ولا يرون ولا يتكلمون، ينفذون ما يؤمرون به دون تردد، إيماناً بالشعار سيئ الصيت: "نفذ ثم ناقش وأنت صاغر!"

بينما الكرسي هو تكليف لا تشريف، ومسؤولية لا تمايز.

وللأسف، نحن نحكم اليوم وفق هذه النظرية بعقلية القرون الوسطى، في زمن الإقطاع، عندما كان الفلاح يكدح ويعمل ويشقى، ولا يجني من جهده سوى شبع بطنه. أريد أن أعرف: من أين استمد هذا المسؤول نظريته؟ هل من الأنظمة الدكتاتورية؟ أم من الأنظمة الاشتراكية؟ أم من الديمقراطيات الحديثة؟ هل عضو البرلمان – حسب هذه النظرية – كائنٌ منزلٌ من السماء لا يجوز نقده ولا تقييم عمله، هذا إذا كان لديه عمل منتج أصلاً؟ أين أنتم من الديمقراطية التي اعتمدتها أغلب دول العالم، والتي تكرّس حرية الرأي، والنقد البنّاء، وحرية التعبير؟

ولهذا، أقترح – وفق منطق هذا المسؤول – أن يصدر قرارٌ بإلغاء الانتخابات تماماً، والاعتماد على أسلوب التعيين من قبل الحكام والذوات، وفقاً لصِلات المرشحين بـ"السيد الفلاني" أو "المسؤول الفلاني" أو "الحزب الفلاني"، لأن الشعب – وفق هذه النظرية – لم يعد مصدر السلطات! للأسف، تتقدّم الشعوب من خلال مراقبة عمل المسؤول ومحاسبته عند التقصير، حتى تصل العقوبة أحياناً إلى السجن والطرد من المنصب، كما حدث مع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات. أما نحن، فنؤلّه المسؤول، ولا نسمح بالمساس بـ"شخصه المصون"!

من هنا، نرى التسابق والاندفاع غير المعقول نحو الترشيح لعضوية البرلمان، لأن المرشح يرى نفسه أعلى وأفضل من الآخرين، بفضل ما يمنحه له المنصب من حصانة وامتيازات ونفوذ، تجعله بمنأى عن المساءلة مهما اقترف من ذنوب. وفق هذه النظرية الجهنمية، يصبح النائب أعلى مقاماً ومنزلةً من جميع المواطنين، ولا يحق لأحد – كائناً من كان – أن يقيّمه أو ينتقده! وهذا أمر غير مقبول لا دينياً، ولا أخلاقياً، ولا إنسانياً، فالإسلام لا يؤمن بهذا التفاضل: "لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى".

وقانونياً، الناس سواسية أمام القانون، كأسنان المشط. وبناءً على ما سبق، فإن هذه النظرية المزعومة تعني أنه ليس من حق أحد أن يقيّم عمل المسؤول، أو يسائله، أو ينتقده في حال فشله في أداء واجبه، لأن الجميع – ببساطة – أدنى منزلة وموقعاً وعلماً منه!