نظمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يوم أمس 15-11-2025 مجلسا تأبينيا للرفيق الراحل جواد كاظم الطائي (علي مالية أبو أوس) حضره عدد من اعضاء قيادة الحزب وعائلة الراحل ووفد من حزب التيار الاجتماعي وشخصيات ثقافية واجتماعية ونقابية، وجمهرة من رفاق الحزب واصدقائه
وتوسطت صورة الرفيق قاعة "بيتنا الثقافي" في الاندلس، فيما سيطر الحزن على وجوه الحاضرين لفداحة الخسارة. وفي بداية المجلس طلب الرفيق حسين النجار من الحضور الوقوف دقيقة حداد استذكاراً وتخليداً للرفيق الراحل، ثم قدم الرفيق علي صاحب عضو المكتب السياسي لقراءة كلمة الحزب، أعقبه الرفيق إبراهيم المشهداني سكرتير لجنة الرقابة المركزية في تقديم كلمة اللجنة، ثم قرأ الرفيق الدكتور عودت الحمداني كلمة رابطة الأنصار الشيوعيين في بغداد، فيما تطرقت كلمة عائلة الفقيد التي قدمها السيد علي حسين جواد إلى سيرة حياته الحافلة بالنضال والتضحيات وكيف أثر ذلك على حياة أسرة كظوم عموماً وما عانوه من ملاحقة ومطاردة. وفي المجلس التأبيني تحدث الرفيقان مفيد الجزائري رئيس تحرير طريق الشعب وزهير الجزائري الكاتب والصحفي عن علاقتها بالفقيد ايضاً.
**************************************************
الرقابة المركزية: فقدنا قامة باسقة شديدة المراس
منذ ايام قليلة فجعنا بوفاة رفيقنا البار جواد كاظم (ابو اوس) والمعروف بـ (علي مالية)، وكان الخبر المفجع صادماً يحبس الانفاس لاقترانه باحتفالنا بالمهرجان العاشر لجريدة حزبنا "طريق الشعب" وكان علينا ان نتحفظ على الخبر في محاولة للحفاظ على وتيرة سير المهرجان، فيا لثقل الخبر وفجاعته لكننا اضطررنا لإبلاغ اقل عدد من الرفاق واستمر الوضع على هذه الحال الى نهاية المهرجان. برحيل رفيقنا العزيز ابو اوس، فقدنا قامة باسقة شديدة المراس عرفناه تحت ظلال خيمة الحزب رفيقاً لا يهادن نظام البعث الصدامي ولا يتسامح مع الخطأ والخطايا أياً كان مصدرها كي لا يتسع وتتراكم اضراره مما يعطل مسيرة النضال اليومي.
لقد كان سجله النضالي مليئاً بالتضحية من اجل القضية وقد تجسدت هذه الصفات سواء في إطار عمله التنظيمي او من خلال مشاركته في حركة الانصار التي بانت صفاته بوضوح وجلاء طيلة فترة الكفاح الانصاري او العمل الصحفي في صحيفة الحزب المركزية "طريق الشعب".
وفي آخر مراحل نضجه الثوري وتراكم خبراته النضالية عملنا سوية في لجنة الرقابة المركزية بعد المؤتمر التاسع للحزب وقد تجلت كل هذه المزايا من خلال معايشتنا المشتركة في هذه اللجنة فقد كان متفاعلاً معنا في انجاز مهماتنا ولم يتأفف في ضخامة التحديات وكان صابراً على متابع العمل حينما يتطلب زيارة منظماتنا في المحافظات طول المسافات رغم المرض الذي يعانيه والذي تطور بشكل مؤسف في اواخر الفترة معنا في اللجنة الامر الذي تطلب سفره الى خارج الوطن لاستكمال علاجه ورغم ذلك ظل متواصلاً مع اللجنة وطيلة وجوده في اللجنة برزت بوضوح بعض المزايا التنظيمية مثل التمسك بالالتزام الصارم بقانون الوقت بطريقة حرفية والالتزام بالمبادئ التنظيمية الحزبية في كل تفصيل من تفاصيل عملنا اليومي. معذرة يصعب عليّ تعداد كل صفاته التي اكتسبها في مسيرته النضالية الطويلة.
وأخيراً ورغم شعورنا بفداحة الخسارة وحزن الفراق لهذا الكادر الصلب والمثابر فإننا سنظل متفائلين بالمستقبل وواثقين من صحة الطريق الذي سلكناه معا وما زلنا ثابتين عليه ابدا.
ندعو للرفيق ابو اوس خلوداً ابدياً وذكراً طيباً ولعائلته ورفاقه الصبر الجميل.
********************************************
كلمة لجنة الرقابة المركزية ألقاها الرفيق إبراهيم المشهداني.
زهير الجزائري: كان يُسهّل لي المهمات الصعبة
عشت حياتي في العمل الصحفي وعندي عقدة متأصلة من الأشخاص الذين يعملون في الإدارة والحسابات، لسبب عندي اعتقاد بأن الممنوعات تكمن هنا وكل الاقتراحات تقف في هذا المجال في الإدارة والحسابات.
تعرفت على علي مالية في طريق الشعب في فترة السبعينيات، ولأول مرة اتعرف على إداري بهذه المرونة والروح السمحة وبساطة السلوك والميل إلى الحلول أكثر من الميل إلى الممنوعات، وعندما تكون هنالك ممنوعات يحرص علي على أن يفهم الطرف الآخر طبيعة هذا الممنوع لأي سبب.
وفي فترة السبعينيات وتحديدا النصف الثاني كان الجزء الأساسي من الجريدة وهو المطبعة يقع قريبا جدا من مديرية الأمن العامة فالذهاب والعودة إلى الجريدة كانت مغامرة بحد ذاتها، ففي أي لحظة ممكن اي شخص يتعرض للخطف في هذا الممر الضيق الذي يقع بين الجريدة والمديرية، وكلفت في تلك الفترة أن اذهب للعمل في الصفحة الأولى ولم تكن هذه مهمتي يوميا وهناك التقيت بالرفيق على مالية وبطبعه الهادئ أخبرني بأن الوضع صعب جدا وممكن غدا او بعد غد تهاجم الجريدة أو المطبعة.
بعد هذه الفترة انقطعت عن علي والتقيته في كردستان وفي اليوم الثاني من وصولي لمنطقة بشتاشان الواقعة على سفح جبل قنديل ذهبت بجولة مع علي وكانت رغبتي أن اتعرف على المنطقة وطبيعتها والناس الموجودين فيها، حيث أخذني في جولة أثناء تجوالنا لاحظ وجود شخصين مسلحين في قمة من القمم ومتخفين خلف الأشجار وأخبرني من المحتمل ان يكون هذا كمينا أمامنا ورغم علاقتي الطويلة بالحروب لكن الشعور بأن كمين ينتظرنا هزني بالحقيقة، والمشكلة أننا لا نمتلك طريقا آخر إلا بالرجوع من هذا الطريق نفسه.
الشيء الوحيد الذي بدد مخاوفي هو هدوء علي فكانت تظهر على محياه ويديه الهدوء ورباطة الجأش، بعدها قال لي لننتظر لحين انصرافهم بعدها تبين أن هؤلاء صيادين يتمترسون في الجبل ولم يكن هذا بكمين.
بقيت معه في بشتاتان لفترة طويلة نلتقي كثيرا وفي بعض الأحيان كانوا يكلفونني بمهمات إدارية تتعلق بالتمويل، وعادة أحيل هذه المهمة إلى شخص آخر لأنني استصعبها، لكن علي مالية كان يسهل علي المهمة كثيرا.
في كل مكان كنت أذهب وفي كل انتقالة من منفى إلى مكان التقي بعلي وفي كل مرة تظهر على محياه الجدية في العمل او مبتسما محولا الصعوبات إلى نكتة وكان يميل إلى المرح والنكة وبث الارتياح للشخص الذي يجلس بجانبه، أتذكر أنني كنت مع الوفد الذي أوفد بخطبة زوجته آنذاك وبعد ان اتممنا مراسيم الخطبة قلت له بمزاح لقد تورطت في موضوع الزواج فبادلني الابتسامة.
وطوال الوقت كنت اتذكر سماحته وصبره وطريقته في العمل فهو قليل الانفعال سريع الاستجابة ويميل إلى الحلول وكان وفيا جدا لعمله ووفيا لحزبه، في أي مكان أجد "علي" موجودا أمامي حريصا على ابتسامته وجديته بالعمل ولا أنساه ابدا.
ـ***************************************
الرفيق زهير الجزائري في المجلس التأبيني
كلمة عائلة الفقيد تعرض لجانب من سيرة حياة الفقيد الراحل
أنهى الراحل المرحلة الابتدائية في المحمودية الأولى سنة 1962، ثم أكمل دراسته المتوسطة والثانوية في ثانوية المحمودية للبنين وتخرج منها عام 1968، بعدها التحق بجامعة بغداد/ كلية الآداب قسم الجغرافية.
وبعد التخرج التحق بالخدمة العسكرية عام 1972، وعندما أكمل خدمته العسكرية جرى تعيينه في وزارة الصناعة/ شركة الألبسة في الموصل، وخلال هذه الفترة تعرض إلى مضايقات أمنية وضريبة الانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي من قبل محافظ الموصل وزمرته آنذاك.
ومن خلال منصب شقيقه الأكبر المرحوم مهدي كظوم الذي كان مدير التنمية الصناعية في وزارة الصناعة، تم نقله إلى شركة الصناعة في بغداد، وبدأت المضايقات الأمنية الشديدة عليه في الوزارة مما اضطره إلى ترك عمله والسفر إلى خارج العراق بتاريخ 29/ 4/ 1979، تاركاً ولده البكر أوس بعمر (13) يوما ولم يعلم أي أحد من أفراد عائلته بخروجه إلى خارج البلاد لحين زيارة بيته لنبارك له بالمولود وكان شقيقه المرحوم صالح وابن العم حاتم والوالدة الحنونة أم مهدي علموا بهروبه.
وخلال فترة وجوده في الخارج بدأت المضايقات الأمنية على عائلة آل كظوم، فكان شقيقه الأكبر مهدي كظوم معرضا كل أسبوع للاستجواب في مديرية الأمن العامة ولمرات عديدة مع مراقبة الدار. وفي فترة انتمائه للحزب الشيوعي كانت له علاقات طيبة مع ضباط الأمن وهم يخبرونا عند مداهمة البيت، لحين سقوط النظام وعودته إلينا.
فرحنا بعودته، وعند وفاة أشقائه أصبح لنا بمثابة الأخ والأب والعم والصديق لأنه عميد أسرة آل كظوم.
كان محباً للجميع ومحبوبا من الجميع، وكل أهل المحمودية الاصلاء يحملون له الود والاحترام والتقدير، ويعجز اللسان عن وصفه لأنه يحمل كل المعاني الانسانية.
عاش غريباً ومات غريباً في الخارج.
***********************************************
قدمها ابن عم الفقيد الأستاذ علي حسين جواد الطائي
الشيوعي العراقي: مضى في طريق مليء بالتحديات
أعزائي أهل الفقيد، رفاقه وأصدقاؤه وزملاؤه
نقف اليوم أمام خسارة موجعة يصعب استيعابها. نودّع رفيقا حمل مسيرة نضال تمتد لأكثر من خمسين عاما، وأعطاها من عمره وراحته وطمأنينته دون أن يتردد لحظة واحدة. نودّع الرفيق جواد كاظم الطائي، الذي عرفناه جميعا باسم “علي مالية” و”أبو أوس”، الإنسان الذي اختار منذ شبابه طريقا يعرف أنه مليء بالتحديات، لكنه آمن أن خدمة الناس والوطن تستحق كل ما يترتب على هذا الطريق. منذ خطواته الأولى في المحمودية، كان يحمل قناعة واضحة بأن العمل الحزبي ليس مجرد انتماء أو شعار، بل التزام يومي، وفعل مستمر، واستعداد دائم للتضحية. عمل في التنظيم، وفي الإعلام، وفي مفاصل الإدارة والمالية، وكان جزءا أساسيا من جريدة الحزب، شاهدا وفاعلا طوال عقود، يعطي دون توقف، ويعمل بصمت، ويثبت أن الانتماء الحقيقي يظهر في التفاصيل الصغيرة وفي المواقف الصعبة. وعندما واجه الحزب حملات القمع العنيفة أواخر السبعينيات، اختار الطريق الأصعب. حمل السلاح، وانضم إلى صفوف الأنصار الشيوعيين، وواجه الدكتاتورية بلا خوف. لم يفعل ذلك طلبا لمجد شخصي أو لمنصب، بل لأنه أدرك أن مواجهة الظلم واجب، وأن الحرية لا تُنتزع من دون ثمن. كان نصيرا شجاعا، صادقا، يعرف معنى الانضباط، ويعرف أن رفاقه يعتمدون على ثباته وهدوئه وقلبه النظيف. وبعد سنوات الغربة والاضطرار، عاد إلى العراق بعد 2003 ليستأنف دوره، وكأن السنوات لم تمر. عاد بروحه نفسها، بإيمانه نفسه، وبعزيمته التي لم تهتز رغم كل ما عاشه. عاد إلى عمله في جريدة الحزب، إلى الناس الذين أحبوه، وإلى رفاقه الذين عرفوا فيه مثالا نادرا في الإخلاص. لم يسعَ لمكاسب ولا أضواء، بل ظل يعمل من أجل أن يبقى الحزب قريباً من الناس، ويبقى الوطن في مقدمة اهتماماته.
كان أبو أوس إنسانا يسبق فعله كلامه.
كان يستمع أكثر مما يتكلم، ويعمل أكثر مما يعد. كان صادقا إلى درجة أنك تشعر بالأمان بالقرب منه، وتشعر أن هذا الرجل خُلق ليحمل عبئا ولا يشتكي، وليكون سندا لرفاقه، ووجها محبوبا بين الجميع.
حتى في أيامه الأخيرة، كان منشغلا بالتحضير لمهرجان طريق الشعب العاشر. ورغم اضطراره للابتعاد عن الوطن، بقي قلبه هنا، في بغداد، في المحمودية، وفي كل مكان عمل فيه وترك فيه أثرا لا يُنسى.
كان يتابع، ينصح، يساعد، ويمد يده لكل من يحتاجه. رحيله صادم، ليس لأنه غير متوقع فقط، بل لأن هذا النوع من البشر يترك فراغا كبيرا. نفتقد اليوم رفيقا صلبا، نظيف اليد، واسع القلب، لم يعرف الخصام، ولم يعرف الأنانية، وعاش حياته وهو يضع الوطن والحزب في مقدمة كل شيء.
إلى عائلته الكريمة، زوجته وأبنائه وبناته وأحفاده،
إلى رفاقه وزملائه ومحبيه،
لكم كل العزاء والمواساة. هذا الرحيل مؤلم، لكنه يحمل معه سيرة تستحق أن تُروى، ومسارا سيبقى حاضرا في ذاكرة كل من عرفه.
وداعا رفيقنا أبو أوس.
وجودك بيننا لن يغيب، لأن القيم التي عشت لها ستبقى، ولأن عطاءك يظل علامة لا تُمحى في طريقنا الطويل.
**********************************************
كلمة الحزب الشيوعي العراقي ألقاها الرفيق علي صاحب عضو المكتب السياسي.
الأنصار الشيوعيون: أدرك علي مالية الحقيقة والطريق الذي يؤدي إلى الحرية والعدالة الاجتماعية
الرفيق أبو أوس - جواد كاظم الطائي.. وداعاً إلى الفردوس
ليس هناك أشد قسوة وألماً من أن يفاجأ الإنسان بنبأ رحيل رفيق وصديق عزيز ووفي له ولرفاقه ولمبادئه. ولأن في الموت حزناً وألماً فالبكاء لعزاء النفس قد يخفف من هول الفاجعة، وسوف يبقى عزاؤنا فيك أبا أوس هو الطيب الذي زرعته في قلوبنا.
ان المسيرة النضالية والاجتماعية المشرفة لرفيقنا الراحل أبو أوس تستحق الثناء وهي محل اعتزاز وفخر لكل رفاقه وأصدقائه. ففي تواضعه ولطفه وهدوئه ونكران ذاته كسب قلوب الآخرين وقد أحب الناس والناس أحبته.
وقد تجلت سماته القيادية والشخصية في نضاله السياسي وانخراطه في حركة الأنصار الشيوعية المسلحة التي قادها الحزب الشيوعي لإسقاط الدكتاتورية الدموية، وقد أدرك منذ فتوة شبابه الحقيقة والطريق الذي يؤدي إلى الحرية والعدالة الاجتماعية في اعتناقه العقيدة الشيوعية سلاحاً في الفكر والنضال. وكان بالنسبة لنا نموذجاً للإنسان المتفاني والغيور على وطنه وشعبه وحزبه فهو مناضل من جيل لا يعرف التخاذل. وقد نذر حياته للدفاع عن مصالح الفقراء والكادحين ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة للعراقيين.
وبسبب نضاله ضد الانظمة الدكتاتورية وانتمائه للحزب الشيوعي تعرض إلى اشكال الملاحقات وصنوف الاضطهاد والتشرد والحرمان وقد واجه هذه التحديات بصلابة المناضلين.
في هذا الرحيل المفجع الممزوج بالألم والحسرة نعزي أنفسنا ونعزي عائلة فقيدنا أبو أوس وكافة رفاقه واصدقائه.
وتبقى ذكراه العطرة وسيرته المشرفة خالدة في وجدان الطيبين. المجد والخلود لرفيقنا النصير أبو أوس.
****************************************************
كلمة الأنصار الشيوعيين في بغداد قدمها الرفيق د. عودت الحمداني
مفيد الجزائري: أبو أوس.. ممن يصعب تعويضهم
رأيت أبو اوس اول مرة وتعرفت عليه في احدى قواعد الأنصار الشيوعيين في جبال كردستان، أوائل الثمانينات، غداة التحاقي بالحركة الانصارية وكفاحها المسلح. ومنذ ذلك اليوم وفي ذاكرتي صورته بملابس البيشمركه : الجمداني (اليشماغ) ملفوفا على الر أس، والسروال الفضفاض، والبشتيم حول الحزام. واتذكر انه كان يُميل الجمداني قليلا الى اليمين، في حركة يحرص عليها الشبان الكرد "الكشّاخة"، وان ابتسامة عريضة كانت تملأ وجهه.
منذ البداية استرعت انتباهي وأشعرتني بالارتياح طبيعته السمحة الودودة، وميله العفوي الى الانشراح والابتسام. معه سرعان ما تحس انك إزاء انسان تعرفه، انسان قريب تألفه، وتأنس اليه وتطمئن. ولا يمر طويل وقت حتى تكتشف ان وشائج ميل متبادل وصداقة، راحت تنمو بينكما وتخضر وتزهر.
وهذا بالضبط ما حدث بيننا، الفقيد الرفيق أبو اوس وأنا، وتكلل بقيام علاقات الرفقة والصداقة المتينة الثابتة بيننا، رغم تباين مواقعنا الجغرافية في القواعد الانصارية، وتنوع توصيفاتنا الوظيفية في الحركة المقاتلة، واختلاف هيئاتنا الحزبية.
في "طريق الشعب" كان موقع الرفيق أبو اوس ودوره مميّزان. فـمدير إدارة الجريدة هو من يُعنى بكل صغيرة وكبيرة تخصها – إداريا وماليا وماديا وفنيا وتنظيميا. وهو من يلمّ باحتياجاتها وبامكانياتها على تلك المستويات جميعا، وبما تستلزم ادامة عملها من قرارات وإجراءات. لذلك فهو، مدير الإدارة أبو اوس، كان على الدوام عضوا فاعلا ومؤثرا في هيئة تحريرها. وفي هذه الهيئة كنا نعمل سوية في السنين الماضية. واذا كنت مع رفاق آخرين معنيين خصوصا بالتحرير والمواد الصحفية عموما، فان الرفيق أبو اوس كان معنياً ليس فقط بقضايا الإدارة والمالية، بل كذلك وخصوصا بالرفاق العاملين في الجريدة وبأمورهم ومجمل شؤونهم. وكانت علاقته بجميعهم مباشرة، وقائمة على المعادلة ذاتها: رفيقك صديقك.
وكانت الترجمة الملموسة لذلك تتجلى في تواصلهم الدائم معه، وانفتاح باب مكتبه امامهم في كل الاوقات، ومتابعته المتواصلة لاوضاعهم، وحرصه على معالجة قضاياهم وتلبية احتياجاتهم ما أمكن. وكان يعير اهتماما خاصا خلال ذلك للعاملين الجدد من الشابات والشباب، الذين صاروا ينظرون اليه كأخ كبير او حتى كأب، بفضل تعامله المفعم بالمحبة والاحترام لهم، وتقديمه النموذج اللائق للشيوعيين في علاقاته معه، وحرصه عليهم وعلى تطورهم كعاملين واعين، وناضجين مهنيا من جانب، وكوطنيين وتقدميين وشيوعيين من جانب آخر. منذ غادرنا أبو اوس للالتحاق بأسرته في الخارج قبل حوالي سنتين، إثر تدهور حالته الصحية، بقي مكتبه في الجريدة على حاله. لم نغير شيئا فيه، ولم نعدل او نستبدل، كل شيء ظل في مكانه .. وحتى اليوم، بباب مفتوح للجميع على الدوام.
فرغم علمنا بصعوبة وضعه الصحي، بقي الأمل يراودنا بحدوث شيء ما، بوقوع حدث، تطور ما، يعيده الى جريدته والينا نحن رفاقه فيها. اليوم، وقد رحل أبو اوس عن عالمنا، ندرك عميقا فداحة خسارتنا برحيله.
صحيح انه ما من انسان الا ويعوض.
لكن هناك من لا يعوضون الا بصعوبة وعناء شديدين، خصوصا في مثل أيام الجدب التي نعيشها.
ومن هؤلاء كان ر فيقنا العزيز أبو اوس – جواد كضيم / علي مالية.
ــــ**************************
شهادة قدمها الرفيق مفيد الجزائري رئيس تحرير "طريق الشعب"