من الماضي
ومن المستقبل
جاءوا إلى نصب الحرية
حاملين في جيوبهم أضراسَ السنوات المنخورة
جاءوا من المدن التي تتنفسُ حسراتِها
وتصّاعدُ من أنامل أطفالِها أعمدةُ دخان
جاءوا على عربات الصبر والانتظار
ليوقظوا جواد سليم من ميتته
ويسمعوا شهاداتِ تماثيلِهِ
وهيَ ترى أذرعَ الأخطبوطِ تتسلّلُ
من المزاريب
لتختطفَ بريقَ المآذن الذهبية
من تحت أجفانِ الحالمين
ألسماءُ صافيةٌ
كأن أيادي العاصرين عصرتها للتو
ألأسفلتُ يغلي
وفقاعاتُه تنفجر على جلود المنتظرين
ألآفُ الشبان
يئنونَ من أحجار المستقبل على أكتافهم
عيونُهم مثلُ أسرابِ عصافير
توكّرُ على حِبال أهدابهم
وتنقرُ الحقولَ التي في جباههم
شُبّانٌ تجاوزوا الستين
وشيوخٌ دون العشرين
يوسّعونَ بأكتافهم ضيقَ الأزقة
ويدخلون البيوتَ من أنوف الأطفال الرطبة
مطلقين حسراتِهم عبرَ صماماتِ قناني الغاز
كلما لمسوا سلوخَهم
إنطلقتْ من أفواههم صرخة
يهتفونَ ، ويهتفونَ
حتى أوشكتْ جدرانُ الدكاكين
أنْ تتحولَ إلى قطيفةٍ صفراء
وبالرغم من أنهم مُتعبون
إلا أنّ أمواجَ غضبهم أغرقتِ الشوارع
فبدتِ العماراتُ كأنها زوارقٌ
تمخرُ فوقَ أمواج اللافتاتِ والرؤوس
رأيتُ التماثيلَ المتشبثة بإفريز النُصب
تتسلق جبالَ المظالم والآلام
ألجنديَّ، والطفلَ، والأمَّ ، والفلاحةَ، والعامل
رأيتُهم يحملون أحشاءهم النازفة بأياديهم
ناقلين رسالة الأصابع المكسورةِ إلى السماء
فجواد سليم هناك
يُطلق دخان غليونَهُ سحاباتٍ على العالم
ثمّ يستعيدُ من الدخان ألسنواتِ التي تعجّل حذفها من عُمُره
لقد رَحَلَ دونَ أنْ يودّعَ تماثيلَهُ البرونزية
فخلّفتْ حسراتُ الفراقِ عليها صَدأً أخضر
وعلى الضفة المتوارية تحت أكداس الصمت
كان المذعورون
يخلعون القبعاتِ التي تغطيهم من الرؤوس حتى الأقدام
ويلبسونَ سراويلَ أطفالِهم القصيرة
ليوهموا المتظاهرين
أنهم لم يتجاوزوا بعدُ سِنّ الرّضاع