ان حرية التعبير ما بين الخاص والعام لكل مجتمع؛ مختلف في مقاييسه في التعبير عن وجهات النظر في موضوع الاذواق والاراء الاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى الفولكلور الشعبي والملابس والاكلات الشعبية وعلى هذا الاساس لكل مجتمع مقاييسه وخطوطه الحمراء في التعبير عن وجهات النظر والاراء والتصورات ويحدث هذا ابتداء من العائلة ثم المدرسة والمجتمع حيث تتبلور الآراء والانطباعات وتنعكس على السوشيال ميديا بتأثر العالم بعضه بالبعض الآخر ذلك ان العالم قد اصبح قرية كبيرة، فوجهات النظر المطروحة في الصين مثلا او المانيا لها صداها بين مؤيد ومعارض في ارجاء العالم وهنا يتبادر السؤال عن مدى تقبل المجتمع او الرأي العام للرأي الآخر او الراي المناقض للاغلبية.
المسموح والمرفوض له مساحات مختلفة بين بقاع الارض فالتدخين مثلا في الاماكن العامة ممنوع في أستراليا ويعاقب عليه القانون وهو مسموح في كثير من الدول العربية اما ظاهرة الضوضاء العالية من قبل الحيوانات الاليفة او السكان المحليين أثناء الليل فهو مرفوض في كثير من الدول الغربية مراعاة لتوفير وقت الراحة استعداد لعمل اليوم التالي ويعاقب لمخالفته بينما هو مسموح بلا قيود في معظم الدول العربية اما عقوبة الاعدام فترفع عن جرائم الشرف في معظم الدول العربية لكنها تعد جريمة قتل في كل الدول المتقدمة وهناك دول ترفض عقوبة الاعدام كاقصى عقوبة ويحل محلها السجن المؤبد كما في نيوزيلندا وهنا نتساءل ماهي المعايير التي توضع لهذه الفكرة او تلك او هذه المخالفة القانونية او تلك وما هي المساحة المتاحة ومن يتدخل في وضع هذه المساحة؟
لنأخذ مثلا ظاهرة الالحاد او المثلية في المجتمعات المختلفة ،،سنرى ان مدى التمسك الديني والتشدد احيانا بلعبان دورا مهما في نشر او تقييد هذه الظاهرة والحديث عنها في السوشيال ميديا قد يوضع له خطوط حمراء متفاوتة ما بين السجن والملاحقة القانونية والاجتماعية وقد يكفر كل من يدعو لهذه الافكار وقد تتعرض حياته للخطر كما في الدول العربية ،بينما في مجتمعات أخرى لا دينية قد تصبح بنداً من بنود الدستور وتشرعن كحق من حقوق المواطن. وفي الكثير من دول العالم المعاصر نجد فكرة اختبار الدين او نفيه هو معتقداً حراً لا بعاقب عليه القانون طالما أعطى المساحة المشابهة للاديان والمعتقدات الأخرى. ولقد تبنت الكثير من الدول فكرة الجندرة او الاجهاض وفي هذه الدول من يوافق او يعارض وخاصة المتمسكون بالتعاليم الكنسية وقد أخذت الكثير من الدول الاوربية بفكرة الجندرة حيث يعطى الحق للطالب ان يختار جنسه فلا بدرج ضمن قائمة الذكور إذا كان ذكرا وكذلك الاناث فقد يختار في المستقبل جنسه وبشتعل الإعلام السياسي والاجتماعي بنفي وقبول هذه الفكرة لكن المساحة مفتوحة تماما ما بين الموافق والمعارض ومن المعروف ان طبيعة هذه المجتمعات هي عدم الاقتراب من اسوار الاخرين وتحترم الخصوصية في المجال الفكري والعملي والشخصي ايضا.
كما ان الاختلاف الفكري قد يفسد للود قضية في العالم العربي، بينما يبقى اختلاف الافكار على الورق وتبقى مجرد حوار بين مناهض ومؤيد عربياً، اما في الغرب فقد تصل الى الفضائح الشخصية والتهديدات العملية،، ولا مجال فيها للنقاش حيث تتدخل المصالح الشخصية والمادية للمؤيدين والمعارضين حين يتم وضع المصلحة الفردية اولاً وقد يجمع الفرد الواحد مؤيدين واتباع من خلال توزيع المصالح وهي في الغالب مادية وقد يقول البعض كل المبادئ تخفي وراءها مصالح اقتصادية ما دام الهدف هو المصلحة العامة او مصلحة البلد او المجتمع بكامله وليس فرداً او افراداً حيث يتخم البعض من خلال الترويج لأفكاره وتجويع الغالبية العظمى لأنها صدقت هذه الأفكار والمبادئ وهؤلاء الساسة او المروجون ما هم الا تجار معتقدات تباع متى ما علا سعرها وتركن متى ما هبط سعرها في سوق المبادئ وتبقى المصلحة العامة هي المحك وإعطاء الاولوية لتنقية الافكار من الشوائب ووضع صلاحيتها للتنفيذ بيد المختصين والعلماء الذين يضعون حاضر ومستقبل مجتمعاتهم على كفة ميزان لا تثقله المصالح الشخصية
ان الإعلام او الرأي العام المحلي وحتى العالمي يتأثر بالفكر الحر والمناقشة الشريفة وقد تعطي صورة واحدة انطباعا سلبيا او ايجابيا عن مصير شعب فقد كانت صورة الطفل السوري الرضيع المهاحر الغريق على احد السواحل تأثير كبير على الرأي العام العالمي او رؤية طفل عراقي يتناول طعامه من نفايات القمامة فكان تأثيرها قد هز الضمير العالمي.
اذن.. لماذا لا يتحرك الرأي العام المحلي او العالمي لهكذا ظواهر؟ أن الفكر الانساني في صراع دائم مع الفكر السلطوي وللأسف كثيرا ما ينجح الثاني ويمحق الاول بمنطق البقاء للأقوى لا للأصلح لكن هذا لا ينفي الصراع الابدي.