مفردة الحرية من اكثر المفردات التي تتعرض لسوء الفهم والقمع في لوقت نفسه, لانها حين تتحول من حرية التفكير وهي عملية باطنية ذاتية الى حرية التعبير او اعلان ماهية الفكرة والتي تصبح موقفا واضحا يتعارض مع حريات وتعابير الاخرين حتى تدخل في صراع قوي وشديد مع التوجهات الاخرى خاصة اذا كان التعبير يمثل وجهة نظر جديدة تمثل المطالب الشعبية المستحقة ومغايرة لافكار سلطوية وحكومية. واهم ما يواجه حرية التعبير هو سوء الفهم من الاخر الذي لا يعترف بحرية اخرى لا تشبه ما يفكر به وما يعبر عنه على شكل قوانين وتوجهات تمثل مصالحه في الاستيلاء على مساحة اكبر في وجوده الحياتي الذي يحميه بالمال والوجاهة. في العراق تتعرض حرية التعبير الى قمع يصل احيانا الى تغيب الحقيقة ومحاصرتها بزاوية ضيقة تحت ذرائع سياسية ودينية وهيمنة اقتصادية ومن هذه المظاهر عدم تحمل ما يكتبه الساخرون في اعمدتهم الصحفية لا بل حتى النفور من الرسم الكاريكتيري الناقد ,وكم من مسرحية توقف عرضها وفيلم سينمائي تعرض لمقص الرقيب. وقد ولد تراكم الممنوعات والخطوط الحمر الى ضمور في جسد الابداع العراقي لان على الكاتب ان لايمس القضاء ولا الشرطة ولا التعليم والظهور كملائكة لا يرتكبون الاخطاء. وقد لجأ التلفزيون والمسرح الى الموضوعات الريفية الساخرة التي لاتمثل الواقع الحقيقي بسبب الخشية من الاقتراب من نقد الواقع والمطالبة بالتغيير. حرية التعبير تمثل الصناعة الباهرة للحصول على الحرية المشروطة باحترام الاخر وهي حرية لاتعني الانفلات والتخريب بحجة او باخرى لذا فهي تحتاج الى قوانين وضوابط لحمايتها وتوفير حق المعلومة وعدم استعمال القوة مقابل التعبير الناقد الذي يسعى لتحقيق حياة يسود فيها الاحترام المتبادل الذي يسعى لتوفير لقمة العيش والسقف الامن والمستقبل المضمون ,ويتم تداول هذه المفردات بيسر وسهولة من الجميع الا ان ثمن تحقيقها صعب جدا لان علينا ان نتعلم مواجهة الاخر بدون عنف او اضطهاد وفق حوار حضاري بناء ,وكلنا نعرف هذا الطريق الصعب والشائك لا يتوفر الا عبر بناء مؤسسات بعيدة عن الفساد الاداري والمالي لضمان شفافية المعلومة المحمية من قبل الدولة بدون اخفاء او تفريق بين فئة واخرى .
ان بنا حاجة الى تغيير حقيقي على الارض حتى تصبح الكلمة والصورة والصوت من تعابير مخنوقة الى افصاح يبغي تحقيق الحرية المكفولة للجميع ضمن الحدود الانسانية الحقة ...حرية مشروطة باحترام الاخر.