الصفحة الأولى

في قمّة شهدت أقل تمثيل للملوك والرؤساء.. إعلان بغداد: حل القضية الفلسطينية عصب الاستقرار في المنطقة

بغداد ـ طريق الشعب

اختتمت أمس السبت أعمال القمة العربية في دورتها الرابعة والثلاثين، التي عُقدت في العاصمة بغداد، بحضور قادة الدول العربية أو من يمثلهم، إلى جانب الأمناء العامين لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية، وشخصيات من الدول العربية والاتحاد الأوروبي.

وافتتح رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد أعمال القمة العربية بدورتها الـ ٣٤، مؤكدا ان "قمتنا هدفها توحيد الجهود".

وعلى مستوى رؤساء الدول، شارك في القمة كلٌّ من: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

كما شارك رئيسا وزراء حكومتي الأردن ولبنان، ووزراء خارجية الكويت والبحرين وسوريا والمغرب والجزائر وجيبوتي.

وضمّت الوفود أيضًا: رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد محمد العليمي، ورئيس وفد جمهورية جزر القمر المتحدة مباي محمد، ونائب رئيس وزراء سلطنة عمان شهاب بن طارق آل سعيد، وممثل تونس محمد علي بن أحمد الهادي، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، نائب رئيس مجلس الوزراء الاماراتي منصور بن زايد آل نهيان، وعن السودان عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، في حين أوفدت ليبيا سفيرها لدى جامعة الدول العربية عبد المطلب ثابت.

وشارك في أعمال القمة أيضًا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي وصل إلى بغداد مساء الجمعة، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف، ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون الخليج لويجي دي مايو.

وتُعد القمة الحالية من أقل القمم العربية تمثيلًا للرؤساء والملوك خلال العشرين عامًا الماضية، إذ كانت قمة نواكشوط التي عُقدت في العاصمة الموريتانية عام 2016 قد سجلت أدنى تمثيل على هذا المستوى، حيث حضرها سبعة قادة فقط، في حين لم يحضر قمة بغداد سوى خمسة منهم.

وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في كلمته خلال القمة، تخصيص مبلغ 40 مليون دولار لإعادة الإعمار، تُقسم بالتساوي بين لبنان وقطاع غزة.

وقال السوداني: "نعلن عن تقديم مبلغ 20 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان، و20 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، في إطار دعمنا للأشقاء المتضررين من الأزمات والكوارث".

واختتم القادة العرب، أعمال القمة بإصدار "إعلان بغداد"، الذي تضمن حزمة من القرارات والمواقف السياسية والاقتصادية والتنموية، أبرزها الدعم المطلق للقضية الفلسطينية، والدعوة إلى وقف الحرب على غزة، وتكريس الجهود لتحقيق التنمية المستدامة في العالم العربي.

تثبيت الحقوق الفلسطينية

وطالب القادة العرب بوقف فوري للحرب على قطاع غزة ووقف الأعمال العدائية ضد المدنيين، داعين إلى تحرك عاجل لوقف إراقة الدماء، وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المناطق المنكوبة.

وأكد الإعلان مركزية القضية الفلسطينية كقضية الأمة الجوهرية وعصب الاستقرار في المنطقة، مجدداً الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في الحرية وتقرير المصير، ورفض التهجير القسري باعتباره جريمة ضد الإنسانية.

كما أدان القادة الإجراءات الإسرائيلية التعسفية بحق الفلسطينيين، داعين المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته، ومطالبين بنشر قوات دولية لحفظ السلام في الأراضي الفلسطينية، إلى حين تنفيذ حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

دعم للمواقف الدولية المساندة لفلسطين

وثمّن القادة إعلان دول أوروبية مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، كما أعربوا عن تقديرهم لموقف جنوب أفريقيا في الدعوى القضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، معتبرين هذه المواقف خطوات تعزز العدالة الدولية.

وأعاد "إعلان بغداد" التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي السورية، مشيدًا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وداعياً إلى حوار وطني شامل. كما عبّر القادة عن دعمهم الدائم للبنان في مواجهة التحديات، وطالبوا إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية المحتلة.

وفي الشأن اليمني، جدّد القادة دعمهم لوحدة اليمن، مؤكدين ضرورة الحل السياسي والحوار الوطني. كما دعوا لتسوية شاملة للأزمة السودانية ورحبوا بجهود "إيجاد" لتوحيد منابر الحل.

وفيما يخص ليبيا، شدد القادة على أهمية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة وإنهاء المراحل الانتقالية، مؤكدين على ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية.

دعم العراق والإمارات والصومال

وأشاد القادة العرب بجهود العراق في تنظيم القمة الرابعة والثلاثين، وعبّروا عن دعمهم الكامل لسيادته وأمنه واستقراره، كما جدّدوا دعمهم المطلق لسيادة دولة الإمارات على جزرها الثلاث المحتلة من قبل إيران، داعين إلى حل سلمي عبر الحوار أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية.

كما أكدوا دعم جمهورية الصومال الفيدرالية في ترسيخ الاستقرار، ودانوا محاولة اغتيال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، داعين إلى تعزيز القدرات الصومالية في مواجهة التحديات الأمنية والتنموية.

قضايا الأمن العربي والمياه ومكافحة الإرهاب

وشدد القادة على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ودعوا إيران إلى احترام مبادئ عدم الانتشار النووي. كما أكدوا دعمهم للمحادثات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة، مثمنين دور سلطنة عمان في تسهيلها.

وأكد "إعلان بغداد" أهمية دعم الدول العربية التي تواجه تحديات مائية، خاصة العراق ومصر والسودان وسوريا، داعين إلى حلول عادلة ومتوازنة تحافظ على الحقوق المائية.

كما نوه القادة بجهود العراق في مكافحة الإرهاب، وأشادوا بقرار إنشاء "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب ومنع التطرف"، داعين إلى تعميم التجربة وتعزيز التعاون العربي في هذا المجال.

واثار موضوع ضعف التمثيل على مستوى الملوك والامراء والرؤساء في القمة انتقادات متباينة، حيث يرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري أن التمثيل الزعاماتي في القمة كان ضعيفاً، مشيرا الى أن انعقادها جاء في إطار السياق البروتوكولي والتزامات العراق حيال الجامعة العربية.

وبرغم أن العراق طرح خلال القمة مبادرة من 18 بنداً، فإن الشمري يرى أن ذلك غير كافٍ، نظراً لغياب التفاصيل الواضحة حول طبيعة تلك البنود، كما أن القمة ناقشت التطورات الإقليمية دون أن تطرح خريطة طريق واضحة أو كافية، ما يجعلها قمة غير مثالية بالمعايير السياسية.

ويعتقد الشمري أن القمة الأخيرة التي عقدت بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية سرقت الأضواء مبكراً من قمة بغداد، خصوصاً لجهة نتائجها، مثل رفع العقوبات عن سوريا، ووضع ترتيبات جديدة في المنطقة، ودفع عملية السلام ووقف الحرب في غزة وفلسطين.

ويشير إلى أن العمل العربي المشترك ما زال أمامه طريق طويل، يبدأ أولاً بإصلاح الجامعة العربية، ومعالجة الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء.

دبلوماسية مرنة

فيما يرى رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدبلوماسي السابق الدكتور فيصل غازي، أن انعقاد القمة العربية في بغداد يشكل محطة مهمة في العلاقات العربية، في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه الشرق الأوسط، خصوصاً بعد حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والتغيرات الجيوسياسية التي ضربت المنطقة.

وقال غازي إن الدبلوماسية العراقية اتسمت خلال هذه الأزمة بالمرونة العالية، وتمكنت من النأي بالعراق عن أجواء الحرب، وكانت دعواتها تركّز باستمرار على السلام وضمان حقوق الشعب الفلسطيني.

***************************************

راصد الطريق.. إلى متى تعجز الخطط عن مواجهة الحرائق؟

لم تمضِ أيام على الإعلان عن وضع مديرية الدفاع المدني خطة شاملة لتأمين موسم حصاد الحنطة، والحد من اندلاع الحرائق في الحقول خلال الموسم، حتى جاءت الوقائع لتتقاطع مع الخطة، التي لم تُسفر كما يبدو عن نتيجة تُذكر. فقد تحدثت وكالات أنباء عن اندلاع حرائق في حقول الحنطة بقرى الناعمة، قرب مدينة تكريت، كذلك عن تضرر مساحات مزروعة بمحصول الحنطة في قضاء الشامية.

الوزارة سبق ان بيّنت أن "الحرائق الناتجة عن عوادم الحافلات والشاحنات المستخدمة في النقل تُعد من أبرز مسببات حرائق الحقول، ما يتطلب استجابة سريعة"، وأكدت أن "توفير عجلات الإطفاء بالقرب من مواقع الحصاد قد يُسهم في السيطرة على أي حادث طارئ، وإنقاذ الموقف في اللحظة الحاسمة".

لكن واقع الحال مختلف تمامًا. فحرائق الحنطة في مواسم الحصاد باتت مشهدًا متكررًا، تارةً يُعزى لفاعلٍ مجهول، وتارةً أخرى للإهمال. وفي كل مرة نُغرَق في أحاديث رسمية عن خطط مكافحة الحرائق، دون أن نلمس أي أثر لها. وبسبب الحرائق هذه تضيع اثمان واتعاب عام كامل بطوله.

فالى متى تعجز الخطط عن كبح جماح الحرائق؟

***************************************

الصفحة الثانية

ومضة.. منظومة المحاصصة لا تغير نفسها بنفسها!

صبحي الجميلي

في الممارسة العملية تحول نهج "التوازن والتوافق"، الذي اعتمد في بداية العملية السياسية بعد نيسان٢٠٠٣، كحل مؤقت لتمثيل الجميع فيها، الى منظومة محاصصة تتقاسم السلطة والمناصب والمواقع في الدولة العراقية تحت عنوان تمثيل "المكونات"، التي اختُزلت لاحقا الى أحزاب وكتل سياسية معينة، فوضت نفسها بنفسها، ثم أصبحت ملكا (طابو) لأشخاص وافراد محددين.

نهج المحاصصة هذا، الذي اعتُمد وما زال في إدارة الدولة وبناء مؤسساتها، حال دون قيام دولة متماسكة قوية، وكرس الهويات الفرعية، الطائفية والاثنية والمناطقية والعشائرية، وبدد فرص بناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، وعزز الانقسام المجتمعي، وافرزت تداعياته احتقانا شعبيا، خاصة بين الشباب الذين يعانون من البطالة وعدم تكافؤ الفرص، في حين يغدق المتنفذون الوظائف في الدولة على المريدين والزبائن، بعد ان حولوها ومواردها الى غنيمة، وغابت معايير الكفاءة والقدرة والنزاهة.    

ورغم حالة الفرز المتواصل، واتساع الهوة بين الأقلية المتنفذة وغالبية الشعب، المكتوية بنار الازمة البنيوية العامة وتداعياتها المتنوعة، وارتفاع منسوب السخط والتذمر، واندلاع حركات احتجاجية واسعة وصلت ذروتها في هبة تشرين ٢٠١٩، فان المنظومة الحاكمة والمتنفذة سادرة في نهجها، الذي أعاق على مدى ٢٢ عاما تحقيق إرادة العراقيين وآمالهم بعد الخلاص من الطغمة الدكتاتورية.

وأظهرت الممارسة العملية ان هذه المنظومة تضع مصالحها فوق كل اعتبار، ولا أقدس عندها من السلطة ومغانمها. وهي من اجل إدامة ذلك متأهبة للجوء الى العنف بكل اشكاله، والى فبركة الاتهامات والدوس على الديمقراطية ومعاييرها وتشويهها، وخنق حريات التعبير والتظاهر، ومصادرة الحقوق الدستورية. فاذا سمحت بشيء فمن باب التنفيس، والانحناء حتى تمر العواصف.

هكذا تعاملت المنظومة وتتعامل في الجوهر مع الحركات الاحتجاجية وانتفاضة تشرين، وإن اختلف نسبيا بعض المواقف الفردية.

كما ان المنظومة حمت الفساد والفاسدين، واظهرت عدم جدية في مكافحتهما، ما أدى الى انتشار واسع لآفة الفساد في جسد الدولة والمجتمع. واهدرت المنظومة وفرسانها المتنفذون أموال الشعب بطرق وأساليب مختلفة، غدت مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني. وأمامنا واقع تدمير قدرات البلد وقطاعاته المنتجة، الصناعية والزراعية، وتدهور الخدمات العامة، وليس آخرها ازمة الكهرباء العصية على الحل في بلادنا دون غيرها.

وهناك الكثير من الظواهر المتفاقمة في الحياة الاجتماعية، وما يتعلق بقدرة الدولة على حماية سيادتها وقرارها الوطني المستقل، وعلى انفاذ القانون بحق الجميع، وحصر السلاح وقرار استخدامه بالمؤسسات الدستورية.

امام هذه الظواهر وغيرها العديد يبرز التساؤل الكبير: ما آفاق المستقبل في ظل هذه المنظومة، وهل يمكن التعويل على قيامها بمجرد إصلاحات ولا نقول بتغيير جدي؟

واضح ان القناعة تزداد، داخليا وخارجيا، بان لا امل في اجراء اصلاح ولو محدود على يد هذه المنظومة، فهي ليست لها مصلحة في ذلك، وهي متشبثة بالسلطة وامتيازاتها، والتبرير هو مصالح الطائفة والمكون! وواهم من يظن انها، ومعها الفساد والسلاح المنفلت اللذين تتماهى معهما، يمكن ان تغير نفسها بنفسها.

لذلك تبرز الحاجة الى مشروع وطني ديمقراطي بديل، ينتقل بالبلاد من دولة المكونات الى دولة المواطنة الجامعة. وهذا المشروع لا يمكن ان تتبناه وتطلقه المنظومة ذاتها. فهي مصممة ومكيفة لخدمة مصالح معينة وليس مصالح عموم الشعب، ولا للتوجه الجدي نحو بناء دولة مدنية معاصرة متماسكة، وقادرة على إداء مهامها.

فهذا ما لن يتحقق الا بالتغيير الحقيقي، الذي تصنعه الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية، ومعها جماهير الشعب التي تتواصل معاناتها. الأمر الذي يتطلب وعيا جماهيريا وحراكا سياسيا ومطلبيا وجماهيريا منظما، ومشاركة شعبية واسعة في الانتخابات، وإرادة كفاحية حيّة، وقدرة على المواصلة، واستعدادا كافيا للتضحية والعطاء وتحمل المسؤولية. مثلما يستلزم مراكمة النجاحات مهما كانت جزئية، انما من دون تعويل وانغماس فيها. فالبوصلة يجب ان تشير دوما الى ان المرتجى والمؤمل، وهو الخلاص من المنظومة، ومن أسّ البلايا والنكبات المتمثل في منهج المحاصصة.

*****************************************

شاعر الشعب موفق محمد .. وداعا

ينعى الحزب الشيوعي العراقي الشخصية الثقافية الوطنية الشامخة، ابن الحلة والعراق الوفيّ، الشاعر الشيوعي المبدع المتفرد موفق محمد.

برحيله المفجع والموجع اليوم خسرنا رفيقا أمينا مخلصا، وانساناً نادر المثال قلبا وعقلا، انساناً بقي أبدا يفخر بانتمائه إلى عالم الفقراء والكادحين، صناع الحياة وخيراتها، يتشبث بهم ويقاسمهم الحرمان، ويثور ولا يكفُّ بوجه مضطهديهم وسارقي اللقمة من افواههم، فاضحا موبقاتهم وشناعاتهم، ومؤلبا على الاقتصاص منهم، وانتزاع الحقوق السليبة من بين مخالبهم.

لقد فقدنا اليوم في موفق محمد شاعرا مقاتلا بحق، مناضلا جسورا كرس نفسه ومواهبه للدفاع عن الناس المحرومين المهانين، ولكشف وضاعات مضطهديهم ومستغليهم وتمريغ أنوفهم بالوحل.

غادرنا موفق محمد مأسوفاً عليه، لكن صوته بقي ويظل مدويا في فضاء العراق، يقضّ مضاجع الفاسدين اللصوص، وترتعد له فرائصهم!

غادرنا شاعر الشعب جسدا، لكن روحه الحية تبقى بيننا ومعنا، وتبقى قلوب  ملايين العراقيين الكادحين تحتضن ذكراه المضيئة وتصونها.

المكتب السياسي

للحزب الشيوعي العراقي

٢٠٢٥/٠٥/١٥

*****************************************

بعد الحديث عن عدم صعوبة التهريب الى العراق.. مراقبون يتحدثون  عن وجود ٢٠ منفذاً حدودياً غير رسمي

بغداد - طريق الشعب

اثار قرار العراق، اخيراً، برفع الرسوم الكمركية على بعض السلع والبضائع الايرانية في إطار تشجيع وحماية المنتجات المحلية وتقليل الاعتماد على المستوردة، تساؤلات حول مدى فعاليته في ظل التحديات الراهنة. ولعل أبرزها ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية وانتشار التهريب، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتحسين البيئة الصناعية في العراق.

ويؤكد خبراء اقتصاديون، ان هذه الإجراءات كفيلة بحماية المنتج الوطني، لكنها غير كافية لانعاش الصناعة الوطنية، إذ أن حاجة الى اجراءات متعددة ومتكاملة.

يهدد صادرات الحديد الإيرانية

وكشف عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية – العراقية المشتركة، حميد حسيني، عن قلق بلاده من القرار العراقي الأخير برفع الرسوم الجمركية على استيراد حديد التسليح، معتبراً هذا الإجراء "قد يُضعف القدرة التنافسية لمصنّعي الصلب الإيرانيين في السوق العراقية، خصوصاً مع ارتفاع الرسوم من 20 إلى 30 في المئة".

وقال حسيني أن العراق "بدأ تطوير وحدات لإنتاج حديد التسليح في مدن السليمانية وأربيل وكربلاء والبصرة، حيث يجري استيراد سبائك الصلب من إيران وتحويلها محلياً إلى حديد تسليح".

وأضاف أن قيمة صادرات الحديد الإيراني إلى العراق "كانت تتراوح شهرياً بين 75 إلى 100 مليون دولار، وهو رقم كبير ضمن حجم الصادرات الإيرانية إلى السوق العراقية".

وتابع أن العراق "ينتهج حالياً سياسة تقليص الاستيراد لصالح الإنتاج المحلي، من خلال رفع الرسوم الجمركية على السلع التي يستطيع تصنيعها داخلياً"، مشيراً إلى أن بغداد "بدأت إنتاج اليوريا ومقاطع الصلب، وتدرس جدياً تصنيع بعض المنتجات الزراعية والغذائية مثل الطماطم، والمشروبات، والوجبات الخفيفة، والدواجن، والبيض، وقد حققت بالفعل تقدماً في عدد من هذه المجالات".

وأردف حسيني، أن التجربة السابقة للتجار الإيرانيين مع العراق تشير إلى أن “الحكومة العراقية غالباً ما تتراجع عن قرارات رفع الرسوم الجمركية بعد فترة وجيزة، بسبب تأثيرها على توازن السوق المحلي، وهو ما يجعل الإجراءات المؤقتة أقل فعالية"، حسب تعبيره.

وفي ما يتعلق بحجم التبادل التجاري، قال إن "حجم التجارة غير النفطية بين البلدين يبلغ نحو 12 مليار دولار سنوياً، دون احتساب الصادرات غير الرسمية، التي تشمل البضائع التي ترافق المسافرين، وتلك المهربة عبر المنافذ غير الخاضعة للرقابة الجمركية، ما يجعل القيمة الحقيقية لصادرات إيران إلى العراق أعلى من الأرقام الرسمية".

وحول طبيعة التهريب، أشار إلى أن “تهريب البضائع من إيران إلى العراق ليس بالأمر الصعب في بعض النقاط الحدودية”، موضحاً أن "الماشية الحية من أبرز السلع التي تُهرّب إلى العراق، إلى جانب البضائع المخزّنة التي لا تُسجّل ضمن الإحصاءات الرسمية للجمارك".

وفي سياق حديثه عن انضمام العراق إلى منظمة التجارة العالمية، اعتبر حسيني أن العراق “يعاني من ثغرات قانونية كبيرة تحول دون التزامه بقواعد المنظمة”، كما وصفه بـ"الدولة المستوردة"، التي لا تملك صادرات غير نفطية قادرة على الاستفادة من الإعفاءات الجمركية المرتبطة بعضوية المنظمة

غير كافية لإنعاش الصناعة

في هذا الشأن، أكد أستاذ الاقتصاد الدولي د. نوار السعدي أن قرار رفع التعرفة الكمركية على عدد من السلع والبضائع يمثل خطوة صحيحة في الاتجاه نحو دعم الصناعة المحلية، لكنه ليس كافياً لتحقيق الأثر المرجو.

وقال السعدي في حديث لـ"طريق الشعب"، إن من شأن القرار أن "يحد من المنافسة غير العادلة التي يتعرض لها المنتج العراقي، لا سيما من قبل السلع المستوردة الرخيصة، مثل تلك القادمة من إيران، لكنه مجرد أداة للحماية، وليس ضماناً للنجاح أو التطور الصناعي".

وشدد السعدي على أن النهوض الحقيقي بالصناعة الوطنية "يتطلب إجراءات متوازية ومتكاملة، في مقدمتها توفير بيئة صناعية مناسبة تشمل استقرار الكهرباء، وتحسين البنية التحتية، وتوفير المياه والنقل"، مضيفاً انه "من دون هذه الأساسيات، لا يمكن للمصانع أن تعمل بكفاءة أو تنافس من حيث الجودة والسعر”.

كما أشار إلى أهمية "توفير تمويل فعلي للقطاع الصناعي، إلى جانب دعم حكومي ذكي، يمكّن المصانع من تحديث معداتها وتطوير إمكانياتها"، موضحاً أن “الصناعة لا تنهض بالحماية وحدها، وإنما من خلال الإبداع والمنافسة، كما يجب تدريب الكوادر وتعزيز البحث والتطوير". وفي ما يتعلق بإيران، قال السعدي إنها من أكثر الدول التي قد تتضرر من قرار رفع التعرفة، كونها تصدّر إلى العراق كميات كبيرة من السلع، وتُقدَّر خسائرها المتوقعة ما بين 75 إلى 100 مليون دولار.

وزاد بالقول إن بعض المسؤولين الإيرانيين أقرّوا علناً بأن تهريب البضائع إلى العراق ليس مهمة صعبة، معتبراً أن مثل هذا التصريح يكشف عن ثغرة خطرة في الأمن الاقتصادي العراقي.

 وحذر السعدي من أن "غياب السيطرة على المنافذ الحدودية سيُفرغ أي قرار كمركي من مضمونه، ويحمّل المواطن أعباءً إضافية، بينما تستمر البضائع المهربة في التدفق دون رقابة".

وبيّن استاذ الاقتصاد الدولي أن "الهيمنة الإيرانية على السوق العراقية لا تعود فقط لأسباب اقتصادية، بل سياسية أيضاً"، لافتاً إلى أن إيران "نجحت في توسيع نفوذها الاقتصادي داخل العراق بسبب غياب رؤية تجارية واضحة لدى الجانب العراقي، وضعف الرقابة، والاعتماد الكبير على السلع المستوردة".

وزاد بالقول: “إذا كنا جادين في مواجهة هذا النفوذ، علينا أن نعيد النظر في علاقاتنا التجارية، وننوّع مصادر الاستيراد، وندعم المنتج الوطني بجدية، لا بشعارات فقط”.

وشدد على أن “رفع التعرفة الكمركية هو بداية جيدة، لكنه لن يكون فعالاً ما لم تُرافقه رؤية اقتصادية وطنية، وإرادة سياسية حقيقية، وخطة عملية لدعم الصناعة وضبط الحدود والتصدي لأي سلوك اقتصادي ينتهك السيادة الاقتصادية للعراق”.

بحاجة إلى إجراءات متكاملة

من جهته، قال الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، إن دعم الصناعة الوطنية في العراق يتطلب حزمة متكاملة من الإجراءات وليس فقط قرارات منع أو تقنين الاستيراد.

وأضاف أن "قانون التعرفة الكمركية الذي يعد أحد القوانين الاقتصادية المهمة، صدر في عام 2010 إلى جانب ثلاثة قوانين أخرى، لكنه لم يُفعّل بالشكل المطلوب من قبل الحكومة والجهات المعنية، وعلى رأسها هيئة الجمارك".

وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن المشكلة الأساسية "تكمن في ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية"، مشيراً إلى وجود 23 منفذاً حدودياً رسمياً، إلى جانب أكثر من 20 منفذاً غير رسمي، ما يشكل خطراً حقيقياً على تطبيق القانون، ويُسهّل عمليات التهريب ويقوّض قدرة الدولة على حماية صناعتها".

وشدد على ان "فرض التعرفة الجمركية يجب أن لا يكون عشوائياً او غير مدروس بل يجب أن تكون هناك دراسة علمية دقيقة ومبنية على بيانات واقعية تتعلق بفائض الإنتاج وتكاليفه، مع وجود رقابة فعلية على المنافذ”.

وأكد انطوان أن تعزيز الصناعة المحلية يتطلب: "أولاً ضبط الحدود ونقاط التفتيش، وتوفير الدعم الكافي لها، إلى جانب نشر “ثقافة جمركية” رصينة داخل المؤسسات والأوساط المعنية"، مشدداً على ضرورة "تسهيل الإجراءات أمام المنتجين المحليين عبر إزالة التعقيدات الإدارية والروتين والبيروقراطية، ما يتيح لهم التفرغ للإنتاج وتحقيق نتائج أفضل".

ودعا الخبير الاقتصادي الى "توفير المواد الأولية الداخلة في العملية الإنتاجية المحلية، وتقديم الدعم المناسب لها، مع تخفيف الضرائب عن المشاريع الإنتاجية المحلية، سواء في القطاعين العام أو الخاص أو المشترك، لكي تتمكن من لعب دورها بفاعلية في السوق”.

وأشار إلى أن التعرفة الكمركية، بحد ذاتها، إجراء مهم لكنها ليست كافية.

ونبه انطوان الى ان هناك حاجة إلى مجموعة متكاملة من القوانين والتعليمات، تنفذ بسرعة، مع وجود إدارة كفوءة في الجمارك، وإرادة سياسية واضحة لدعم المنتج المحلي، صناعياً وزراعياً، بما يضمن عدم حدوث فراغ في السوق أو ارتفاع في الأسعار ينعكس سلبًا على المواطن.

وتحدث أنطوان عن الهيمنة الإيرانية على السوق العراقية، قائلاً: إن "إيران تعتبر السوق العراقية من أهم أسواقها، وتوفر تسهيلات كبيرة لمنتجاتها مثل البيع بالتقسيط أو الآجل، فضلاً عن تسهيلات لوجستية أخرى؛ إذا لم نوفر للمنتج العراقي نفس التسهيلات والدعم، فلن يستطيع الصمود أمام المنافسة”.

وفيما يتعلق بالحدود العراقية الإيرانية، أوضح أنطوان أنها تمتد لمسافة 1360 كيلومترًا، وتشمل تضاريس معقدة مثل الجبال والبحيرات والسهول، ما يجعل تهريب البضائع أمرًا سهلًا في ظل غياب السيطرة الكافية".

واختتم حديثه بالتأكيد على أن "المسألة الأساسية تكمن في إيجاد إرادة سياسية جادة، والتزام حكومي حقيقي، مع تعيين كفاءات مختصة في مواقع القرار لضمان تنفيذ السياسات الاقتصادية الداعمة للصناعة الوطنية".

***************************************

في أيام القمة.. وقفة احتجاجية في هور الحويزة

ميسان – طريق الشعب

نظم العشرات من سكان هور الحويزة في محافظة ميسان، وقفة احتجاجية معبرين عن رفضهم الشديد لمحاولات تجفيف أجزاء من الهور وتحويلها إلى مواقع نفطية، ومحذرين من تداعيات خطيرة على حياتهم وبيئتهم ومصدر رزقهم التقليدي.

ورفع محتجو هور الحويزة، لافتات تؤكد تمسكهم بهويتهم المرتبطة بالأهوار، ورفضهم لأي مشروع من شأنه المساس بهذا الإرث البيئي والثقافي. وأكد عدد من المشاركين، أنهم لا يعارضون الاستثمار النفطي في المناطق المحاذية، لكنهم يرفضون بشكل قاطع دخول الجرافات إلى عمق الأهوار التي يعتبرونها موطنهم الأصلي.

وشارك في الوقفة الناشط البيئي أحمد صالح نعمة، الذي عدّ عملية تجفيف الأهوار "تهديدًا مباشرًا للتنوع البيئي في المنطقة، وقد يؤدي إلى فقدان مواطن العديد من الأنواع النادرة من الحيوانات والنباتات، بالإضافة إلى تفاقم آثار التغير المناخي".

المحتجون طالبوا الحكومة والجهات المعنية بالتراجع عن الخطط الهادفة إلى تجفيف الأهوار، داعين إلى حلول بديلة تحفظ هذا النظام البيئي الفريد دون الإضرار بالسكان المحليين أو البيئة الطبيعية.

معلوم ان "طريق الشعب" تواظب طوال العام على رصد ونشر الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات في مختلف مناطق البلاد، إلا أن عدد اليوم خلا من ذلك، عدا هذه الوقفة، ليس لأن الحكومة استجابت لمطالب المواطنين، التي تتمحور حول الخدمات الأساسية وفرص العمل والسكن وغيرها، بل لأنها منعتهم من التظاهر، خشية أن يعريها الشعب أمام ضيوف القمة العربية المنعقدة في بغداد يوم امس، والذين اسكنتهم في فنادقها الفارهة.

*****************************************

الصفحة الثالثة

عددها يفوق مقاعد البرلمان.. معنيون: تطبيق قانون الأحزاب ومنع استغلال موارد الدولة كفيلان بكشف خواء الكثير منها

بغداد - طريق الشعب

تجاوز عدد الأحزاب السياسية المسجلة لدى مفوضية الانتخابات، عدد مقاعد مجلس النواب البالغ ٣٢٩ مقعدا، في حالة شاذة لا يمكن ان نجدها في مختلف الديمقراطيات حول العالم.

ويذكر مراقبون عن ان "عدداً من الاحزاب المتنفذة قامت بتشكيل احزاب عديدة بعد 2015 وهو العام الذي شهد احتجاجات شعبية واسعة طالبت ببناء دولة مدنية ديمقراطية. وهدف تشكيل هذه الاحزاب هو لتشويه العمل الحزبي الذي يعد ركيزة اي نظام ديمقراطي، اضافة الى منافسة الاحزاب الأخرى، خصوصاً القوى المدنية والديمقراطية، وتشتيت اصواتها ".

ويرى معنيون بالشأن السياسي أن كثرة الأحزاب تعود أساسًا إلى خلل في البيئة السياسية، والى محاولات بعض الجهات تحقيق مصالح فئوية من خلال استغلال موارد الدولة. كما ويؤكدون أن معالجة هذا الخلل تتطلب تطبيقًا صارمًا لقانون الأحزاب، ومنع استغلال الوسائل غير المشروعة في العمل السياسي.

حالة "شاذة"

ووصف أستاذ الإعلام في الجامعة المستنصرية الدكتور غالب الدعمي، الحالة الحزبية في العراق بأنها “شاذة وغير موجودة في أي دولة أخرى في العالم”، مؤكداً أن “عدد الأحزاب المسجلة في العراق لا مثيل له حتى في أكثر الدول ديمقراطية”.

وقال الدعمي في حديث لـ "طريق الشعب"، إن “العودة إلى القوائم الأصلية تكشف عن تسجيل عدد أكبر من الأحزاب، إلا أن الكثير منها لم يُفعّل حضوره أو لم يعِد تسجيل نفسه للمشاركة في الانتخابات الحالية”، مشيراً إلى أن “بعض هذه الأحزاب شاركت في دورات انتخابية سابقة ثم اختفت من المشهد السياسي”.

وأضاف أن هناك “مجموعات سياسية واقتصادية تقوم بتأسيس أحزاب بهدف الدخول في العملية السياسية، ليس لبناء الدولة أو خدمة المواطنين، بل لتحقيق مكاسب مالية وشخصية”، مبيناً أن “العمل السياسي في العراق أصبح وسيلة للتربح وحصد الامتيازات، لا أداة للإصلاح أو التنمية”.

وأشار إلى أن “النظام الديمقراطي في العراق سمح بقيام هذا العدد الكبير من الأحزاب بسبب آليات التسجيل البسيطة وغير المحكمة”، مضيفاً انه “لو وضعت المفوضية العليا للانتخابات ضوابط صارمة لتأسيس الأحزاب، مثل توزيع الأصوات على مستوى الوطن وليس على أساس طائفي أو مناطقي، فإن عدد الأحزاب سيتراجع بشكل كبير، وقد ينخفض إلى أقل من عشرة أحزاب فاعلة”.

وأوضح الدعمي أن “الكثير من هذه الأحزاب تسجل بأسماء وهمية، وتكتفي بتقديم 2000 صوت للمفوضية كي تنال الترخيص، وهذا الخلل تتحمله المفوضية التي تتساهل في منح إجازات تأسيس الأحزاب”.

واختتم بالقول: إن “الديمقراطية في العراق مشوهة وفوضوية، لأنها تُفهم بطريقة مذهبية وقومية ومناطقية، لا على أساس وطني حقيقي”، لافتاً إلى أن “جذور هذا الخلل تعود إلى القوى السياسية التي رسّخت هذا المفهوم المشوّه عبر شعارات طائفية ودينية ومناطقية”.

ديمقراطية عرجاء

من جهته، عدّ الباحث في الشأن السياسي هاشم الجبوري، حالة الفوضى التي تشهدها الديمقراطية في العراق بانها "طبيعية"، معللا ذلك بـ"حداثة تجربة الشعب العراقي مع الديمقراطية".

وقال أن الديمقراطية التي جاءت بعد الاحتلال الأمريكي تحمل الكثير من التشوهات، والتي ساهم العديد من السياسيين المتنفذين في تعميقها بدلاً من تعزيز أسسها الحقيقية.

وأضاف في حديث لـ"طريق الشعب"،  انه "في ظل هذه الظروف، أصبح معظم السياسيين يهتمون بالمحولات الكهربائية أو تبليط الشوارع ولعب دور المعقبين، بدلاً من طرح برامج سياسية واقتصادية استراتيجية تنموية تنسجم مع الوضع الداخلي ومتطلباته”.

وفيما يتعلق بالتعددية الحزبية، أشار الجبوري إلى أن “وجود العديد من الأحزاب قد يكون علامة صحية ديمقراطياً في البداية، لكن في حالتنا هي خلل، إذ لم نشهد حتى الآن من يمتلك أدوات العمل السياسي الحقيقي”.

وتابع أن "أحزاب السلطة المتنفذة تعتمد بشكل كبير على المال السياسي، بينما سرعان ما تخضع بعض الأحزاب الناشئة لهذا المال أو تتلاشى لعدم قدرتها على كسب ثقة الشارع العراقي”.

وخلص الى القول إن “المشهد الحزبي العراقي يعكس حالة من الفوضى التي لا يجب أن تستمر طويلاً، حيث إن غياب الضوابط والبرامج السياسية الجادة والاعتماد على المصالح الشخصية يعزز من تشوّه الديمقراطية ويُعيق أي تحول حقيقي نحو بناء الدولة”.

وأقرّ مجلس النواب في عام 2015 قانون الأحزاب، وهو أول قانون للاحزاب يُشرّع في العراق بعد عام 2003، وتضمّن بنودًا تنظّم تمويل الأحزاب ومصادره وآلية إنفاقه. ونصّ القانون في هذا السياق على أن مصادر تمويل كل حزب تشمل: اشتراكات الأعضاء، التبرعات والمنح الداخلية، عوائد استثمار أموال الحزب وفقًا للقانون، والإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة، بحسب المعايير المحددة.

كما أوجب القانون التحقق من هوية المتبرع عند استلام التبرع، وتسجيل بياناته في سجل خاص، مع نشر أسماء المتبرعين في جريدة الحزب. ويُمنع تقديم التبرعات على شكل سلع مادية أو مبالغ نقدية يكون الغرض منها تحقيق منفعة غير مشروعة للحزب أو للمتبرع. كذلك، يُحظر على الأحزاب استلام تبرعات من المؤسسات والشركات العامة الممولة ذاتيًا، أو من الشركات التجارية والمصرفية التي تمتلك الدولة جزءًا من رأسمالها.

تطبيق القانون

وفي هذا الشأن، قال الناشط المدني علي البهادلي إن "تعدد الأحزاب السياسية ليس المشكلة الأساسية، فالمواقف والأحداث كفيلة بفرز الأحزاب الجادة من غيرها".

وأضاف أن "المشكلة الأهم تكمن في البرامج والرؤى التي تؤسس على أساسها الأحزاب، وهذه للأسف تظل محدودة في العراق ومقتصرة على عدد قليل منها".

وبشأن الحديث عن تعديل قانون الأحزاب، أشار البهادلي إلى أن "العراق بحاجة أولًا إلى تطبيق القانون الحالي بفعالية قبل التفكير في تعديله"، متسائلًا: "هل تقوم دائرة الأحزاب فعلًا بتدقيق مصادر تمويل الأحزاب وإنفاقها الانتخابي والسياسي، وهل تتابع استغلالها لموارد الدولة؟".

واختتم البهادلي حديثه بالقول: "عدد الأحزاب لا يُعدّ إشكالًا بحد ذاته، بقدر ما أن الأهم هو توفير بيئة مناسبة للتنافس الانتخابي بين القوى السياسية، بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية".

******************************************

تراجع خطر في الوضع المالي والارصدة الخارجية.. ندوق النقد: الفساد في العراق عقبة كبيرة أمام تحقيق النمو

بغداد _ طريق الشعب

كشف خبراء صندوق النقد الدولي عن تراجع الوضع المالي في العراق، وتراجع الأرصدة الخارجية، وتسجيل نموا أبطأ قياسا في العام الماضي في القطاعُ غير النفطي، وظلَّ التضخُّم منخفضاَ. وحدث ذلك بعد تحقيق نمو "قوي جدا" بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023 ومن المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024.

وقال خبراء الصندوق، ان الفساد يُشكّل عقبةً كبيرة أمام تحقيق النمو. ويُعتبر تعزيزُ أُطر المساءلة لتشغيل الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والتشييد أمرًا بالغ الأهمية.

قيود على التمويل

وجاء في البيان التفصيلي الذي صدر، على هامش اجتماع عقده خبراء البعثة مع مسؤولين عراقيين في عمّان وبغداد خلال المدة من 4 الى 13 أيار الجاري، ان "القطاعُ غير النفطي نما بوتيرة أبطأ في العام الماضي، وظلَّ التضخُّم منخفضاَ. فبعد تحقيق نمو قوي جدًّا بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023، من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024، بسبب التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلًا عن ازدياد الضعف في الميزان التجاري"، لافتة الى ان "انخفاض إنتاج النفط أثر على النمو الكلي، الذي انكمش بنسبة 2.3 في المئة خلال العام. كما انخفض التضخم إلى نسبة 2.7 في المئة بحلول نهاية العام 2024، وسْط انخفاض تضخُّم أسعار المواد الغذائية، وامتصاص السيولة النقدية من قِبَل البنك المركزي العراقي".

وأضاف البيان، أن "الوضع المالي تراجع، وتراجعت الأرصدة الخارجية، اذ يُقدرُ العجز المالي للعام 2024 بنحو 4.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1 في المئة في العام 2023، ما يعكس حجم الإنفاق الآخذ في الارتفاع على الأجور والرواتب والمشتريات"، مبينا ان "القيود المفروضة على التمويل قد أدت إلى عودة نشوء المتأخرات، ولا سيّما في قطاع الطاقة والانفاق الرأسمالي. وعلى الصعيد الخارجي، تقلّص الفائض في الحساب الجاري بشكل حاد من 7.5 في المئة إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الارتفاع الكبير في المستوردات من السلع".

انخفاض عائدات النفط

وأشار البيان الى انه "من المتوقع أن يظل النمو غير النفطي ضعيفًا في العام 2025 في خضم بيئة عالمية تكتنفها التحديات، والقيود على التمويل. ومن المتوقع أن يتباطأ الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1 في المئة هذا العام حيث يُثقل انخفاض أسعار النفط والقيود على التمويل كاهلَ الإنفاق الحكومي ومعنويات المستهلكين. ومن المتوقع أيضًا أن يَضعُف الحساب الجاري بشكل كبير في العام 2025، وذلك يرجع بصفة رئيسية إلى عائدات صادرات النفط الآخذة في الانخفاض. كذلك من المتوقع أن يؤثّر تدهور الوضع الخارجي على الاحتياطيات الأجنبية".

ولفت البيان الى "ازدياد مواطن الضعف في العراق في السنوات الأخيرة بسبب التَّوسُّع الكبير في المالية العامة، فإلى جانب التأثير على آفاق النمو الذي يقوده القطاع الخاص، فإن سياسات التوظيف المعمول بها حاليًّا في القطاع العام، وتكاليف الأجور المترتبة عليها غير مستدامة، وذلك نظرا إلى تدني حجم الوعاء الضريبي غير النفطي لدى العراق. وتبعًا لذلك، فقد تفاقم الاعتماد على عائدات النفط، وازداد سعر برميل النفط المطلوب لتصفير العجز في الموازنة، إلى حوالي 84 دولارًا في العام 2024، مرتفعا من 54 دولارا للبرميل في العام 2020".

تأجيل النفقات غير الأساسية

وأوضح البيان ان "تفاقم هذه التحديات سببه التراجع الحاد في أسعار النفط في العام 2025، ما يتطلب استجابة عاجلة على صعيد السياسات. فعلى المدى القصير جدًا، ينبغي للسلطات مراجعة خطط الإنفاق الجاري وخطط الإنفاق الرأسمالي للعام 2025، والحدّ من جميع النفقات غير الأساسية أو تأجيلها".

وقال خبراء البعثة بحسب البيان، ان "تنفيذ الإصلاحات يوفر حيزا ماليا لزيادة الإنفاق الرأسمالي. إذ ينبغي لتوسيع الاستثمار غير النفطي، لا سيّما في البنية التحتية للتجارة والنقل، أن يُساعد على التنويع الاقتصادي. وتقتضي الحاجةُ أيضًا تنفيذ استثمارات جوهرية لتحديث قطاع الكهرباء، وتنمية موارد الغاز الطبيعي؛ فكلاهما ضروري لتحسين أمن الطاقة وتقليص الاعتماد على الغاز المستورد. ومن شأن تحسين المشتريات وإدارة الأموال العامة للدولة، ومكافحة الفساد أن تعمل كلها على تعزيز فعّالية أي استثمار عام إضافي". وعلى الرغم من ثناء البعثة على جهود البنك المركزي في التحول الى نظام تمويل التجارة الجديد، وتأثيرها على دعم الانخفاض الأخير في الفارق بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار الصرف الموازية، الى ان البيان اشر "حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للحد من هذا الفارق، بما في ذلك عن طريق فرض استخدام الدينار العراقي في تنفيذ معاملات السيارات والعقارات، وتحسين الضوابط الجمركية للحد من التهريب، وتبسيط الحصول على العملات الأجنبية".

مكافحة غسيل الأموال

ودعا الخبراء من خلال البيان، الى "ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز تدابير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال معالجة أوجه القصور المُحدَّدة في تقرير التقييم المشترك لفرقة العمل للإجراءات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا فاتف)". كما نوه البيان الى انه "لا تزالُ عواملُ النقصُ المُزمنُ في توافر الطاقة، والفقدُ في قطاع الكهرباء، والدعم المفرط للتعرفة الكهربائية تُؤثّر كلها على الاقتصاد. فمعالجةُ أوجه القصور في قطاع الكهرباء أمرٌ مهمٌّ لاستدامة المالية العامة ولتحسين الإنتاجية. ففي العام 2024، بلغت نسبة الفقد في عمليات توزيع الكهرباء 55 في المئة، مدفوعةً بالسّرقات والتوصيلات غير القانونية، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة.

الشفافية والحصول على المعلومات

وتابع البيان بحسب رأي الخبراء، ان "مكافحةَ الفساد ونقاط الضعف في الحوكمة أمرٌ لا مفرَّ منه، وذلك لأجل دعم التنمية الاقتصادية. وتُعَدُّ الخطواتُ المتخذة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ورفع كفاءتها، والتحسيناتُ في المؤشرات/ الأرقام القياسية لإدراك الفساد تطوراتٍ إيجابية في هذا المجال. ومع ذلك، فما زال الفساد يُشكّل عقبةً كبيرة في تحقيق النمو"، موضحا ان "تعزيزُ أُطر المساءلة لتشغيل الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والتشييد. يعتبر أمرًا بالغ الأهمية، ويجب إعطاء الأولوية للامتثال الشامل لمعايير مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وسنّ قانون الشفافية والحصول على المعلومات.

تحسين تعليم المرأة

واختتم البيان بالإشارة الى ان "وجودُ أجندة شمولية للإصلاح الهيكلي أمر ضروري لإطلاق العنان لإمكانات النمو. فالبعثةُ تُقدِّر بأن تنفيذ مجموعة شاملة من الإصلاحات، التي تشمل سوقَ العمل، وتنظيم أنشطة الأعمال، والقطاع المالي والحوكمة، يُمكنها جميعها أن تضاعف نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي المحتمل تحقيقه على المدى المتوسط".

فيما نوّه الى انه "على صعيد سوق العمل، تشمل الأولويات زيادة المشاركة في القوى العاملة، لا سيما بين النساء، من خلال تحسين تعليم المرأة، ‏والمساهمة الأكبر في رفع الحواجز التي تحول دون ممارستها العمل وقدرتها على الحركة والتَّنقُّل، وإصلاح التوظيف في القطاع العام؛ فكلُّ هذه العوامل تُؤدّي إلى تشويه أسواق العمل وتقليل الإنتاجية. وينبغي تعزيز الجهود لمواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل. وبشكل أكثر عمومية، فإن تبسيط اللوائح/ الأنظمة والحد من المعوّقات البيروقراطية في تسجيل أنشطة الأعمال، أو إدارة الضرائب، على سبيل المثال، من شأنه أن يزيد من المشاركة في الاقتصاد الرسمي/النظامي، ويساعد على تنمية القطاع الخاص".

******************************************

الصفحة الرابعة

تحذيرات من نضوب الخزين مشاريع زراعية تستنزف المياه الجوفية

متابعة – طريق الشعب

بينما كانت عاصفة رملية تجتاح حقول الحنطة في صحراء النجف، إبّان نيسان الماضي، كان الفلاح هادي صاحب يتفقد سنابل القمح التي يرويها بمياه جوفية. فمع اشتداد موجات الجفاف، أصبح الاعتماد على هذا المصدر المائي خيارا لا مفر منه، رغم تحذيرات الخبراء من مخاطر استنزافه المفرط. في بلد يعاني تراجعا حادا في مستويات الأمطار وتقلص تدفق المياه في نهري دجلة والفرات، تتجه السلطات نحو استغلال المياه الجوفية كإحدى الخيارات المهمة لضمان الأمن الغذائي.  ووفقا للأمم المتحدة، فإن العراق يُصنف بين الدول الخمس الأكثر تأثرا بتغير المناخ. وبالعودة إلى صاحب، فإنه يزرع محصول الحنطة على مساحة 200 دونم استأجرها من الدولة، لقاء دولار واحد عن كل دونم. وبفعل استخدامه المياه الجوفية صار ينتج موسميا نحو 250 طنا من الحنطة، مقارنة بـ10 أطنان كان ينتجها اعتمادا على مياه الأمطار.  يقول صاحب في حديث صحفي: "سابقا كنا نعتمد على الأمطار في ري محاصيلنا، لكن الجفاف المتزايد دفعنا لاستخدام أنظمة ري حديثة، اعتمادا على المياه الجوفية"، مبينا أنه "يستحيل أن نستمرّ من دون المياه الجوفية. ونضوبها سيعني رجوعنا إلى العصور القديمة والاتكال على السقي بمياه الأمطار، وهي باتت شحيحة جدا". وتُستخدم في صحراء النجف أنظمة الري بالرش التي تستهلك كميات أقل من المياه بنسبة تصل إلى 50 في المائة، ما يساعد على تحويل مساحات شاسعة من الصحراء إلى دوائر خضراء تُرى من الجو. وتُظهر بيانات وزارة الزراعة أن هذا الشتاء شهد زراعة 3.1 ملايين دونم بالاعتماد على المياه الجوفية مقابل مليونَي دونم بالري السطحي.

مدير زراعة النجف يُحذّر

بدأ استخدام تقنيات الري الحديثة في صحراء النجف منذ أكثر من عقد، بدعم حكومي يتمثل في تقديم تسهيلات من خلال توفير تلك التقنيات بأسعار مدعومة على أقساط ميسرة تمتد لـ10 سنوات. 

ووفقا لمدير زراعة النجف منعم شهيد، فإن زراعة الحنطة في الصحراء تحقق إنتاجية أعلى مقارنة بالأراضي الطينية، متوقعا أن يبلغ إنتاج الدونم الواحد المروي بالمياه الجوفية، نحو 1.7 طن، مقابل 1.3 طن فقط للدونم المروي بمياه الأنهار.

ويشير في حديث صحفي إلى أن أرباح الموسم الزراعي 2023-2024 تضاعفت 8 مرات مقارنة بالموسم السابق. لكن شهيد يحذّر من مخاطر الإفراط في استغلال المياه الجوفية، مشددا على ضرورة تنظيم حفر الآبار واستخدام المياه بشكل مستدام، بحيث يتم تخصيصها حصريا للاستخدامات الزراعية المصرّح بها.

ضرورة أخذ العبر من التجربة السعودية

في صحراء كربلاء، تدير العتبة الحسينية مشاريع زراعية ضخمة منذ 2018، تشمل زراعة آلاف الدونمات بالحنطة، مع خطط لزيادة المساحة إلى 15 ألف دونم مستقبلا - حسب رئيس قسم التنمية الزراعية في العتبة قحطان عوز، الذي يوضح في حديث صحفي أن "هذه المشاريع تعتمد على خزاني المياه الجوفية الرئيسين في المنطقة، الدمام وأم الرضمة، اللذين يتقاسمهما العراق مع السعودية والكويت. وبينما تُحذر الأمم المتحدة منذ عام 2013 من بدء نضوب تلك الموارد، تُقدم التجربة السعودية دروسا وعبرا للعراق. ففي التسعينيات كانت السعودية سادس أكبر مصدّر للقمح عالميا بفضل استخراج مكثف للمياه الجوفية. لكن هذا الاستغلال المفرط أدى إلى استنزاف أكثر من 80 في المائة من الطبقة الجوفية، ما اضطر البلاد إلى إيقاف هذه الزراعة بعد موسم 2016.

أزمة تلوح بالأفق

من جانبه، يحذر الخبير في سياسات المياه والأمن المناخي سامح المقدادي، من أن التعامل مع المياه الجوفية باعتبارها موردا لا ينضب خطأ فادح.  ويقول في حديث صحفي أنه "في الماضي، كنا نحفر على عمق 50 مترا للوصول إلى المياه الجوفية، أما اليوم فقد نضطر للحفر حتى 300 متر". ويلفت المقدادي إلى "غياب البيانات الرسمية الحديثة حول كميات المياه الجوفية المتاحة. إذ يعود آخر التقديرات إلى سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يعيق القدرة على إدارة هذا المورد الحساس". ويرى أن "غياب التنسيق بين السلطات، ونقص التقنيات الحديثة لإجراء مسوحات جيولوجية دقيقة، يفاقمان المشكلة"، لافتا إلى أن "المياه الجوفية يجب أن تكون ملاذا خلال أزمات الجفاف فقط، لا أساسا لتوسيع الزراعة التجارية. ويحذر المقدادي من ان "اعتبار المياه الجوفية بديلا دائما عن الأنهار، يعني كارثة مستقبلية حتمية". وبينما تسعى الحكومة لتأمين قوت الشعب في ظل تغير المناخ المتسارع، تواجه معضلة حقيقية: كيف تحقق الاكتفاء الذاتي دون تدمير مصدر حيوي للمياه لا يمكن تعويضه بسهولة؟ لذلك فان تحقيق توازن بين تنمية الزراعة وحماية الموارد الطبيعية، بات ضرورة ملحة. فالمستقبل لا يتطلب فقط مضاعفة الإنتاج الزراعي، بل حماية كل قطرة ماء تُسقى بها سنابل القمح في قلب الصحراء.

******************************************

اگول.. متى تُفعّلون الإشارات الضوئية؟!

صلاح العمران

تُعَدُّ الإشاراتُ الضوئيةُ المروريةُ رمزًا للتطور الحضري، وعلامةً على انضباط حركة السير، عرفها العالم لأول مرة عام 1868 في لندن، بينما دخلت العراق متأخرةً نسبيًا، لكنها أصبحت جزءًا من مشهد مدنه الكبرى. اليوم، وبعد أكثر من عقدين من التدهور، لا تزال إعادة تفعيلها تمثل مطلبا ضروريا يترقب المواطنون تنفيذه بفارغ الصبر.   

وكانت الإشارات الضوئية في بداية ظهورها، وسيلة لتنظيم حركة القطارات، بعدها تطورت وأصبحت جزءًا أساسيًا من شوارع المدن الحديثة. وقد عرف العراق تلك الإشارات في عقود سابقة، لكنها تحولت بعد عام 2003 إلى مجرد أعمدة صامتة في معظم المناطق، بسبب تدهور البنية التحتية وغياب الصيانة. وفي الوقت الذي تعتمد فيه المحافظات الغربية، وحتى بعض مناطق ببغداد، على أنظمة مرور ذكية، لا يزال العراقيون يعانون فوضى المرور، رغم تصريحات المسؤولين المتكررة في هذا الشأن. 

في كانون الثاني 2024، أعلن مدير المرور العام أن نهاية السنة ستشهد تفعيل الإشارات الضوئية، في محاولة لتقليل الازدحام والحوادث. وفي البصرة، وبينما أُنيطت مهمة تفعيل الإشارات إلى بلدية المحافظة، بقيت عملية التنسيق بين الجهات المعنية (المرور، البلديات، وزارة الكهرباء) عقبةً رئيسة، ما يطرح تساؤلات عن جدوى الوعود دون آلية تنفيذ واضحة! 

وبالنسبة لأسباب تأخر تفعيل تلك الإشارات، نعتقد انها تتمثل في:

* إشكالية الإرث القديم: كثير من الأنظمة القائمة تعود لتكنولوجيا عفا عليها الزمن، وتحتاج استبدالًا كاملًا. 

* تشرذم الإدارة: غياب التنسيق بين الجهات المعنية يعيق إتمام المشاريع، كما في حالة البصرة التي تنتظر تحركًا من بلديتها. 

* غياب الأولوية: رغم أهمية الإشارات في إنقاذ الأرواح، تظل قضايا أخرى تتصدر أجندة الحكومات المحلية. 

ويستغرب مواطنون من تأخر تفعيل الإشارات، ويتساءلون بإلحاح:

* كيف تُفعَّل الإشارات في دول تعاني حروبًا بينما تتوقف في بلدٍ يستعيد استقراره؟ 

* لماذا ينجح هذا المشروع في بعض مناطق أمانة العاصمة بينما يتعثر في بقية المحافظات؟ 

* هل يكفي تحديد موعد نهائي (نهاية 2024) دون خريطة طريق تُنفذ على أرض الواقع؟ 

ختامًا نقول، أن الإشارات الضوئية ليست مجرد "أضواء" تُنظم السير، بل هي مؤشرٌ على عودة الحياة النظامية إلى المدن. التحدي اليوم ليس تقنيًا فحسب، بل إرادي. فالعزم على تنفيذ المشاريع، ووضع المواطن كأولوية، هما الكفيلان بتحويل الوعود إلى واقع.

السؤال الذي ينتظر إجابة: هل ينتهي انتظار العراقيين بعد ان شارفنا على انتهاء نصف 2025، أم سيطول بهم العهد؟!

******************************************

البصرة.. تحذير من {الفشل الكلوي} بسبب ملوحة المياه

متابعة – طريق الشعب

دعا مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة إلى عقد جلسة طارئة خاصة في مجلس المحافظة، لمناقشة الآثار الخطيرة لزيادة الأملاح والتلوث في مياه البصرة من قضاء المدينة حتى قضاء الفاو. وفي حين شدد على أهمية وضع خطة عمل محكمة وعاجلة للحد من الأضرار الصحية والبيئية الناتجة عن تزايد ملوحة المياه، حذّر من تصاعد حالات الإصابة بالفشل الكلوي.  وأعرب المكتب في بيان صحفي، عن قلقه البالغ إزاء الارتفاع المتكرر في نسب الملوحة في مياه مركز المدينة وأقضية شمالي المحافظة وجنوبها، محذراً من أن هذا التدهور البيئي يشكّل تهديداً مباشراً لحياة أكثر من 3 ملايين إنسان.

وطالب المكتب الحكومتين الاتحادية والمحلية باتخاذ إجراءات عاجلة جذرية لمعالجة الأزمة، محذرًا من ارتفاع حالات الإصابة بالفشل الكلوي وغيره من الأمراض الخطيرة نتيجة لتلوث المياه وازدياد تركيز الأملاح فيها.

*************************************************

لا بطانيات ولا وسائد للمرضى؟!

بغداد – آيات سعدون

يضطر المرضى الراقدون في مستشفيات مدينة الطب وابن النفيس، الى شراء الوسائد والاغطية وجلبها معهم، وذلك بعد صدور قرار، يبدو انه اتخذ من جهات مسؤولة، بعدم توفيرها، بذريعة انتشار الأمراض المعدية – وفق ما أفاد به مواطنون لـ"طريق الشعب".

واستغرب مواطنون في حديث للجريدة، من عدم منح مرضاهم وسائد وأغطية في مستشفى التمريض الخاص بمدينة الطب، وذلك بعد خضوعهم إلى عمليات جراحية توجب عليهم الرقود في الردهات. وقالوا ان الممرضين ابلغوهم بعدم توفر تلك اللوازم، بقرار من مسؤول في الصحة، نتيجة انتشار الامراض المعدية وعدم توفر السيولة المالية لشراء أغطية جديدة، فضلا عن عدم وجود مغاسل صحية لغسل المستخدمة منها، وإعادة استخدامها من قبل مريض آخر.

وذكر المواطنون انهم اضطروا الى شراء الوسائد والاغطية من إدارة المستشفى وليس من السوق، بمبلغ 17 الف دينار، لغرض توفير الراحة لمرضاهم. فيما اضطر آخرون الى جلبها من منازلهم.

واعرب مرافقو المرضى عن استغرابهم الشديد من هذا الاجراء، مؤكدين ان الامر يدل على عجز إداري وسوء متابعة، على اعتبار ان المستشفيات الحكومية كانت توفر هذه المستلزمات سابقاً، من دون أية مشكلات، فيما توفرها المستشفيات الاهلية ايضاً.

ولفتوا إلى ان "موضوع الخوف من انتقال الأمراض المعدية بين المرضى، ما هو إلا ذريعة لحرف الأنظار عن موضوع آخر"!

***********************************************

استياء في العمارة ظهور تشققات في {مجسر الكرامة} الجديد

متابعة – طريق الشعب

أبدى مواطنون في مدينة العمارة استياء شديدا من ظهور تخسفات وتشققات في هيكل "مجسر الشهيد حسين عطية الكرامة"، الذي افتتح رسميا نهاية آذار الماضي.

وفي حديث صحفي، انتقد المواطنون بشدة ما وصفوه بـ"الأخطاء التصميمية والتنفيذية التي شابت المشروع".

وقالوا أن "هناك عيوبا واضحة في تصميم المجسر، خاصة في ما يتعلق بالاستدارة الواقعة أسفله"، مشيرين إلى ان "موقع الاستدارة غير مدروس، الأمر الذي سبب حوادث مرورية عديدة منذ افتتاح المجسر".

وأوضح المواطنون أن "هناك أعمالا إنشائية غير مكتملة في محيط المجسّر والنفق التابع له".

وكان مشروع هذا المجسر متوقفا منذ العام 2013، وقد تم استئناف العمل فيه قبل نحو سنتين. وجرى افتتاحه في 30 آذار الماضي من قبل رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والمستشارين.

********************************************

الصفحة الخامسة

مطالبة أممية وأوروبية بسرعة إدخال المساعدات ورفع الحصار عشرات الشهداء في غزة والاحتلال يكثف عمليات الإبادة

متابعة – طريق الشعب

بدأت قوات الاحتلال الصهيوني، عملية عسكرية مكثفة للإبادة الجماعية في قطاع غزة، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 63 فلسطينياً وإصابة 130 آخرين منذ الصباح الباكر ليوم أمس، وذلك في إطار الاستعداد لتوسيع العمليات وبسط السيطرة على مناطق واسعة من القطاع.

وقال مدير المستشفى الإندونيسي في شمال غزة مروان السلطان "هناك عدد كبير من الأشخاص تحت الركام، مشددا على أن "الوضع كارثي". فيما حذرت جمعية العودة الصحية والمجتمعية في قطاع غزة، من توقف خدماتها الصحية والاجتماعية بالكامل في الأيام القادمة جراء عدم وصول أي إمدادات طبية منذ آذار الماضي بسبب الحصار الإسرائيلي.

وفي التطورات ايضاً، شنت قوات الاحتلال حملة اقتحامات واعتقالات في العديد من بلدات الضفة الغربية المحتلة ومدنها، ترافق ذلك مع قيام مستوطنين بحرق محاصيل قمح في أحد سهول بلدة ترمسعيا شمال شرقي رام الله وسط الضفة.

يجب إيقاف هذا الجنون

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إن هناك زيادة كبيرة في الهجمات الإسرائيلية وفي عدد القتلى في غزة هذا الأسبوع، بما في ذلك الهجمات التي تستهدف المستشفيات.

وأضاف في بيان أن الهجمات الإسرائيلية المكثفة أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني السيئ أصلا، ودعا إلى اتخاذ إجراءات عالمية لمنع وقوع مزيد من الضحايا.

وقال تورك إن الجوع الناجم عن الحصار الإسرائيلي يتفاقم، مشددا على أنه "يجب إيقاف هذا الجنون". مشيرا إلى أن الأمم المتحدة لديها خطة جديرة بالثقة و160 ألف منصة متحركة جاهزة لدخول القطاع الفلسطيني الآن.

من ناحيته، قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ينس لايركه، "إن الوضع بات الآن شاذا بشكل مروع، مما يستدعي ضرورة ممارسة الرأي العام بعض الضغط على القادة في أنحاء العالم".

مطالبة برفع الحصار

وفي ذات السياق، طالب قادة 7 دول أوروبية، من الاحتلال بالتفاوض بحسن نية لإنهاء حرب الإبادة التي تُشنّ على قطاع غزة منذ نحو 20 شهرا، ورفع الحصار عن القطاع.

جاء ذلك في بيان مشترك لقادة إسبانيا والنرويج وآيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا، أعلنوا خلاله رفضهم لأي خطط للتهجير القسري من القطاع أو إحداث تغيير ديمغرافي.

وقال القادة الأوروبيون السبعة في بيانهم المشترك "لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية المصنوعة بأيدي البشر، والتي تجري أمام أعيننا في غزة".

وحذروا من أن "كثيرين آخرين قد يتعرضون للموت جوعا في الأيام والأسابيع القادمة ما لم تُتخذ إجراءات فورية"، ودعوا "حكومة الاحتلال إلى التراجع الفوري عن سياساتها الحالية، والامتناع عن تنفيذ عمليات عسكرية إضافية في غزة".

كما طلبوا "رفع الحصار بالكامل عن غزة، بما يضمن إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع ومن دون عوائق إلى جميع أنحاء القطاع، من قبل الجهات الإنسانية الدولية ووفقا للمبادئ الإنسانية".

عملية الإبادة الجديدة

ويوم أمس، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن مراحل العملية العسكرية التي بدأت أولى مراحلها منذ الصباح الباكر، بشن ضربات واسعة في قطاع غزة.

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن الجمعة، توسيع إبادته الجماعية في قطاع غزة، وبدء شن ضربات واسعة ضمن ما سماها حملة "عربات غدعون" بهدف "تحقيق كافة أهداف الحرب بما فيها تحرير المختطفين وهزيمة حماس"، على حد تعبيره.

وقالت الصحيفة، ان العملية تمر بثلاث مراحل، الأولى منها بدأت فعليا وتم تنفيذها من خلال توسيع الحرب.

أما المرحلة الثانية فقالت إنها "في طور التحضير من خلال عمليات جوية بالتزامن مع عمليات برية، فضلا عن العمل على نقل معظم السكان المدنيين في قطاع غزة إلى الملاجئ الآمنة في منطقة رفح"، وستعمل المرحلة الثالثة على "دخول قوات عسكرية برا لاحتلال أجزاء واسعة من قطاع غزة بشكل تدريجي، والإعداد لوجود عسكري طويل الأمد في القطاع".

********************************************

هدوء حذر يخيّم على العاصمة الليبية بعد الاشتباكات

طرابلس - وكالات

شهدت العاصمة الليبية طرابلس هدوءً حذراً بعد اشتباك عدد من المتظاهرين مع قوات الأمن عند مبنى رئاسة الوزراء. فيما لم تتضح الانباء حول إعلان عدد من الوزراء وضابط أمني كبير استقالتهم من مناصبهم.

فقد خرجت مظاهرات في ميدان الشهداء، ثم توجه عدد من المتظاهرين إلى مبنى مجلس الوزراء، اذ نشرت حكومة الوحدة الوطنية مشاهد توثق تدمير سياج مبنى رئاسة الوزراء وقالت إنها أحبطت محاولة اقتحام نفذّتها مجموعة من المتظاهرين وصفتها بالمندسّة. كما نعت الحكومة أحد عناصر قوى الأمن الذي قتل أثناء تأمين مبنى رئاسة الوزراء.

وأشارت وكالات الأنباء إلى أن الترقب يسود البلاد وسط مخاوف من عودة الاشتباكات إلى شوارع العاصمة الليبية، لافتًا إلى أن قوة فض النزاع لا زالت موجودة في شوارع العاصمة بموجب الهدنة القائمة. ويطالب الليبيون بضمانات لاستمرار وقف إطلاق النار.

وأكّدت بعثة الأمم المتحدة على حق المواطنين في التظاهر إلا أنها حذّرت من أي تصعيد محتمل خلال المظاهرات وهو ما حدث خلال الليلة الماضية. كما دعت البعثة جميع الأطراف للالتزام بحماية المدنيين.

وشدّدت على أن العنف ضد المدنيين يعد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان وأن هذه الممارسات قد ترقى إلى جرائم.

وبدأت الاشتباكات في ليبيا بعد إعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة حلّ أجهزة أمنية مرتبطة بجهاز دعم الاستقرار.

********************************************

دعوة إلى التفكير خارج إطار الدولة القومية منتدى الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي: مستقبل مشترك ودعم للتفاوض حول حرب أوكرانيا

رشيد غويلب

استضافت بكين في 13 أيار الجاري المنتدى الرابع للصين ودول مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، الذي ترأسه وزير الخارجية الصيني، وشارك في أعماله أكثر من 20 وزير خارجية من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك). أُطلق المنتدى في عام 2014 في القمة الثانية لمجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في هافانا، وعُقد لأول مرة في عام 2015. وبالإضافة إلى وزراء الخارجية، شارك أيضًا رؤساء جمهوريات البرازيل، كولومبيا، وتشيلي.

كلمة الافتتاح

ألقى الرئيس الصيني شي جين بينج كلمة الافتتاح. وفي كلمته، حدد نقاط التعاون بين بلاده ودول مجموعة (سيلاك). من خلال "برنامج التضامن"، ستدعو الصين ثلاثمائة مسؤول من الأحزاب السياسية في أمريكا اللاتينية سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة "لإجراء البحوث وتبادل الخبرات". وفي مجال برامج التنمية، أكد شي أن الصين ستستورد المزيد من المنتجات ذات الجودة من أمريكا اللاتينية، وتشجع شركاتها على زيادة استثماراتها في المنطقة.

ولدعم تنمية دول المنطقة، ستقدم الصين قروضا بقيمة (حوالي 8,19 مليار يورو). وبالإضافة إلى تعميق التعاون في "المجالات التقليدية مثل البنية التحتية والزراعة والغذاء، وكذلك الطاقة والتعدين"، ومن المقرر توسيع التعاون في "المجالات الناشئة مثل الطاقة النظيفة، واتصالات الجيل الخامس، والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي".

وفي مجال السلام، تدعم الصين "إعلان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي منطقة سلام وإعلان الدول الـ 33 بشأن جعل بلدان المنطقة خالية من الأسلحة النووية. وفي مجال برامج التأهيل، ذكر شي أن بلاده ستوفر "للدول الأعضاء في المجموعة 3500 منحة حكومية، و10 آلاف فرصة تدريب في الصين، و500 منحة دراسية للمعلمين الصينيين الدوليين، و300 فرصة تدريبية لمتخصصي التخفيف من حدة الفقر على مدى السنوات الثلاث المقبلة". لدعم العلاقات الودية، سيتم في البداية رفع مستلزمات التأشيرة عن خمس دول من مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، ومن المقرر التوسع في هذا المجال.

خارج إطار الدولة القومية

اقترح الرئيس الكولومبي بيترو غوستاف: "تحويل نموذج العلاقات الدولية" ودعا إلى "حوار بين الحضارات يتجاوز هياكل الدولة القومية". وفي خطابه، رفض "نظرية صراع الحضارات"، معتبراً أن هذا النهج أدى إلى تأجيج الصراع وكراهية الأجانب.

ولتعزيز التعاون الاقتصادي، دعا بيترو إلى إنشاء شبكة ألياف بصرية تحت الماء بين أمريكا اللاتينية والصين. سيسمح هذا المشروع بتبادل عادل ومتوازن للمعرفة في سياق الذكاء الاصطناعي.

وفي اليوم السابق للقمة، دعا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى إنشاء "منطقة اقتصادية ثنائية " بين كولومبيا وفنزويلا في سياق انضمام كولومبيا إلى مشروع طريق الحرير الجديد. وأضاف "معا، يمكننا جمع الآلات والاستثمار ورأس المال والأسواق من الصين من أجل إنشاء منطقة اقتصادية ثنائية قوية". إن رجال الأعمال من كلا البلدين مستعدون بالفعل لهذا المشروع.

وأكد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في كلمته أمام المنتدى أنه "لا يمكن لأي دولة أن تتحرك للأمام بمفردها"، مؤكدا أن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يجب أن تعملا معا "للتغلب على التحديات التاريخية". وإن أمريكا اللاتينية تقف الآن عند مفترق طرق: "إما أن تظل منطقة تعاني من الفقر أو أن تصبح مركزا لتنمية مستدامة وشاملة ومنصفة".

وأكد أن دول المجموعة ملتزمة بتقليص التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بواسطة السياسات الشاملة والتعاون الدولي. وإن التعاون مع الصين سيساعد على تعزيز الصناعة المحلية وتشجيع الابتكار التكنولوجي. ويتطلب التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون الوصول الشامل إلى التكنولوجيات النظيفة، وخاصة في المناطق المعرضة للخطر مثل أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

دعم جهود السلام في أوكرانيا

وناقش المنتدى المحادثات المرتقبة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وفي حالة من „ الانسجام الدبلوماسي"، أصدرت حكومتا الصين والبرازيل بيانا مشتركا أعربتا فيه عن دعمهما لاستئناف محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا والتزامهما بالدفاع عن التعددية. ورحب لولا وشي بالرغبة المبدئية التي أبداها رئيسا روسيا وأوكرانيا لاستئناف المحادثات في مدينة إسطنبول التركية.

وجاء في البيان: "هذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء الصراع"، مشيداً بدور الدول الوسيطة ومطالباً بتعزيز القنوات الدبلوماسية. وأعلنت الحكومتان أنهما باعتبارهما "قوتين محبتين للسلام وتقدميتين" يجب عليهما تعزيز التنسيق فيما بينهما والاستفادة الكاملة من "مجموعة الأصدقاء من أجل السلام". وفي الوقت نفسه، دعيا كافة الأطراف إلى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة.

إدانة سياسات ترامب العدوانية

انعقد المنتدى في ظل تصاعد الحرب التجارية العالمية. أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قوه جيا كون، الضغوط التي تمارسه واشنطن، في وسائل الإعلام، على دول أمريكا اللاتينية لتقييد التجارة مع الصين. وأكد أن دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي هي دول ذات سيادة ومستقلة.

تمثل الصين ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي الـ 33 الأعضاء في تحالف مجموعة (سيلاك)، الذي يضم جميع الدول ذات السيادة في الأميركيتين باستثناء الولايات المتحدة وكندا، قرابة ربع سكان العالم وقرابة 27 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي العالمي. ومن المتوقع أن يتجاوز حجم التجارة 518 فيها مليار دولار في عام 2024.

*********************************************

أمريكياً.. إضراب يشل حركة القطارات

نيويورك – وكالات

أثر إضراب لسائقي القطارات في ولاية نيوجيرسي الأميركية قرب نيويورك، الجمعة على عشرات آلاف الأشخاص الذين كانوا يحاولون الوصول إلى المدينة بواسطة وسائل النقل العام بعد فشل مفاوضات لرفع الأجور.

وأثر هذا الإضراب - وهو الأول من نوعه منذ عقود- على عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يسافرون عادة باستخدام شبكة السكك الحديد الرخيصة، خصوصا من مدينة نيويورك وإليها، في حين أن البدائل القليلة المتاحة باهظة التكلفة.

وقالت نقابة مهندسي القاطرات وعمال القطارات -التي كانت تتفاوض مع الإدارة حتى مساء الخميس - إن أعضاءها لم يحصلوا على زيادة في الأجور منذ 5 سنوات، وهي تطالب باتفاق جماعي جديد من شأنه أن يكون أكثر فائدة لنحو 450 موظفا.

***********************************************

طهران: تصريحات ترامب متناقضة

طهران - وكالات

قال الرئيس الإيراني مسعود بازيكشيان إن "تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إيران متناقضة ولا أحد يصدقها"، مشيرا إلى أن بلاده تجري الآن مفاوضات ولا تسعى إلى الحرب، ولكنها لا تهاب أي تهديدات.

وذكر أن "ترامب يتحدث عن السلام والاستقرار ويهدد ويعطي رسائل متناقضة عن السلام والقتل وانعدام الأمن"، مؤكداً ان "طهران لن تتنازل عن إنجازاتها العسكرية والعلمية والنووية تحت أي ظرف، وتابع "التهديدات لن تكون قادرة على إجبارنا على التراجع عن حقوقنا المشروعة".

وتأتي هذه التصريحات ردا على تأكيد الرئيس ترامب أنه سيتم التوصل إلى حل مع إيران، سواءٌ باستخدام العنف أو من دونه.

من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن طهران لم تتلق أي مقترح مكتوب من الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر.

واعتبر المواقف الأميركية والتصريحات المتناقضة تؤدي إلى تعقيد مسار المحادثات، معربا عن استعداده لما أسماه "بناء الثقة بشأن طبيعة برنامجنا النووي السلمي".

**************************************************

تظاهرات نسوية في اليمن تطالب بالخدمات

عدن – وكالات

تشهد مدينة عدن، منذ ايام حراكاً نسوياً احتجاجا على تردي الخدمات وانهيار الأوضاع المعيشية من بينها انهيار شبكة الطاقة الكهربائية وسط غياب أي معالجات حكومية حقيقية لهذه الانهيارات.

وخرجت المئات من النساء في عدن، في مسيرة احتجاجية للمرة الثانية، الجمعة، بعد مسيرة حاشدة شهدتها المدينة الساحلية يوم السبت الماضي.

ورفعت المتظاهرات شعارات تطالب بإصلاحات حقيقية وانتشال عدن، من انهيار الخدمات المختلفة، وسط هتافات مناهضة للحكومة اليمنية، وجرى رفع لافتات تندد بتدهور الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات الأساسية.

***********************************************

الصفحة السادسة

قصة نجاح  الدكتور معتز سامي الزهيري

محمـد الگحـط

ــ هنا يكون الاندماج ضروري جدا، فالعلم لم يعطيك بعضه إن لم تعطه كلك. وكذلك الظروف، لا تنفع ان لم يكن لديك إصرار تام ورفض الاستسلام.

هكذا يتحدث الدكتور معتز سامي الزهيري، المولود في بغداد ٦/٦/١٩٩٨ والحاصل على لقب أصغر سويدي يحصل على الدكتوراه المزدوجة MD PhD في سن الـسادسة والعشرين، أي حاصل على شهادة الطب ودكتوراه في علوم الطب.

- تخصص علوم وجراحة الأعصاب، من المستشفى الأكاديمي في أوبسالا عن أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان (المؤشرات البايلوجية في الصحة العصبية والنفسية).

- خريج كلية الطب جامعة أوبسالا عام 2022.

- دكتوراه (PhD) في علوم الاعصاب وجراحة الدماغ عن أطروحته (المؤشرات البيولوجية في الصحة العصبية والنفسية).

- مدرس في كلية الطب جامعة أوبسالا.

- حاصل على تكريم من ملك السويد كارل غوستاف السادس عشر للقيادة الشابة المبنية على القيم والمبادئ (value-based leadership) سنة 2022. ليصبح طالب طب متخصص ثم باحثا، وهو اليوم اسما عالمياً، يحاضر في مجال اختصاصه في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية، ويحضر مختلف المؤتمرات العالمية بالإضافة إلى متابعته للأحداث والأبحاث الطبية.

نشأ وترعرع في مدينة الثورة (الصدر حاليا) ثم انتقل إلى شارع فلسطين في سن العاشرة من عمره. أما والداه فهما من ولادة ميسان من الطائفة الصابئة المندائية، والده مهندس مدني اختصاص طرق وجسور وعمل أيضا في مجال صياغة الذهب في شارع النهر، ودرست والدته التجارة في الثانوية، ولكنها لم تعمل بعد الزواج، لانشغالها بتربية أولادها. أكمل معتز الدراسة الابتدائية في مدرسة في شارع فلسطين فكان من الأوائل على العراق في الامتحانات الوزارية. غادرت العائلة العراق الى سوريا وبعد سنة، وصلت الى السويد عام ٢٠١١، وكان معتز حينها في الثالثة عشرة من عمره، وتطلب منه في البداية جهدا كبيرا، لمواجهة التحديات اللغوية والاجتماعية والثقافية في البلد الجديد. شكلت الظروف المغايرة في السويد دافعا كبيرا، لكن هنالك مجالات متاحة واعتبرها بمثابة حلم عليه تفعيلها واستغلالها بأفضل الطرق.

أما الدافع الآخر والمهم جدا ليصر على تميزه والسير على نهج التفوق هو مرض والده في سن مبكرة في العراق حيث كان يعاني من التهاب مزمن في الأمعاء يتطلب منه الرقود في المستشفى بين فترة وأخرى، حيث كان يذهب معه في صغره، هذا ما شجعه وحفزه بأن يصبح طبيبا لمعالجة والده والمرضى الآخرين، رغم أنه بعد فترة قصيرة من وصولهم الى السويد أصيب والده بمرض السرطان وتوفي قبل ٦ أشهر من تخرجه من السادس العلمي، كان ظرفا قاسيا ومريرة للغاية، وكانت الظروف الدراسية صعبة وحاسمة والوضع الأسري مرير جدا، لكن هذا شكل دافعا له لتحقيق حلمه وحلم والده بأن يصبح طبيبا إكراما وتخليدا لذكراه. في المرحلة اللاحقة كان لوالدته دور عظيم لوصوله الى تحقيق تفوق جديد، حيث حملت دور الأم والأب معا، حملت راية والده من بعده وسخرت حياتها من أجل العائلة وفعلت وما زالت تفعل كل ما بوسعها من أجل إسعادهم.

أن بلدا مثل السويد غني بالفرص، ولكن على الشخص إيجاد البحث عن تلك الفرص وتفعيلها بالشكل الصحيح، فتقريبا كل شيء متاح، لكن يتطلب العمل الجاد وبذل الجهد الكافي، ولربما يكون الجهد مضاعفا نظراً لتحديات الغربة واختلاف اللغة والثقافة.

عن شعوره بلقائه مع ملك السويد وهو يكرمه قال بأنه (شعور ملئ بالفخر والامتنان، أنها شهادة واعتراف بالعمل الجاد لسنين متتالية، كان دافعا كبيرا لي نحو الامام ولتقديم ما هو أفضل.)

سألته طريق الشعب، عن الرابط بين التخصصين العلميين وما هو الطموح الذي يسعى أليه...؟

أجاب: كان هدفي ان أكون جراح دماغ وأكون ماهرا في الطب السريري وفي نفس الوقت اواصل البحوث العلمية والمساهمة في تطوير المعرفة في علوم الأعصاب، فكان الحصول على الدكتوراه هو الخطوة الأولى في مسيرتي وأطمح أن أكون بروفيسورا قبل الأربعين عاما. كما لدي مهام تدريسية في كلية الطب لنشر معرفتي والمساهمة في نشوء جيل قادم من الأطباء والباحثين، واطمح لأكون متألقا كجراح وباحث وأستاذ جامعي.

- هل تفكر بالتواصل مع العلماء العراقيين في الوطن؟

ـ بالتأكيد وأعتز وأتشرف بذلك، أود من خلال هذا اللقاء التعرف على شخصيات وعلماء من وطننا الحبيب وأطمح للتعلم والاستفادة من الخبرات وتبادل المعرفة بيننا، هدفي مشاركة خبراتي الحالية والمستقبلية لتطوير الواقع الطبي في بلدي.

*************************************************

الدكتورة أسيل السام زيادة معرفتي لأجل تقديم خدمات أفضل

طريق الشعب - لندن

تعد طبيبة الأسنان العراقية (أسيل السام) نموذجا للشخصية المثابرة والناجحة في عملها رغم الصعوبات الحياتية التي واجهتها. فبعد مغادرتها الوطن، واصلت جهودها في معادلة شهادتها التي حصلت عليها من جامعة بغداد طب الأسنان عام 1991، إذ حققت ذلك في جامعة كارولينسكا في ستوكهولم السويد عام 1997. وأثر انتقالها الى بريطانيا، حصلت على الماجستير في أمراض الفم من جامعة (كوين ماري) عام 1999. لم تكتف بذلك، أذ واصلت دراستها لتحصل على الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 2007.

وواصلت عملها في قسم البحوث في أمراض اللثة. افتتحت في عام 2004 عيادتها الخاصة في منطقة كامدن شمال لندن، وتواصل العمل فيها.

 ترى الدكتورة أسيل أن (النجاح بالعمل يعتمد بالشكل الأساس على رغبة الإنسان بالتعليم المستمر، وتحسين قدراته من أجل تقديم خدمة أفضل). وحول تجربتها، وتجربة زملائها خارج الوطن تقول (الأطباء العراقيون أثبتوا جدارتهم في الدول الغربية. كل زملائي من الأطباء وأطباء الأسنان هم اخصائيون، وفي مواقع قيادية في بريطانيا والسويد. وأن توقفوا عن العمل يتأثر بشدة النظام الصحي في هذين البلدين. ومن الشخصيات الناجحة التي أذكرها على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور أحمد مشتت استشاري المسالك البولية، الدكتورة فرح بركات استشارية طب الأطفال، الدكتور عدي خلف، استشاري الطب النفسي والدكتور سعد بوجي، أخصائي جراحة الفم والأسنان. وهذا دليل على مدى نجاح ورفعة التدريس في الجامعات العراقية قبل الاحتلال الامريكي). عن انطباعاتها عن العلاج في المهجر تقول (إن الغرب يعتني بالمرضى، لأن العناية الصحية حق من حقوق الإنسان التي لا تعتمد على مدى غنى أو فقر الانسان، وهذا يعزز إحساس الطبيب بالمسؤولية، وأيضا يعطي المريض الحق في مطالبة بخدمة أفضل وتحسين طبيعتها، بشكل يرضيه). وتؤكد أن الضمان الصحي مهم جدا، لتقديم خدمات بشكل جيد للمرضى. وحول الأوضاع الصحية في الوطن ترى (إن العراق يمتلك أفضل المعدات والأدوية، لكن مستوى التعليم تغير والإحساس بالمسؤولية تغير كذلك، بسبب الحروب وغياب العدالة الإجتماعية).

********************************************

خيرية الخالدي.. طبيبة تحدّت الصعاب

مجيد إبراهيم خليل

 

شهدت ثمانينيات القرن الماضي، إبان حكم الدكتاتورية الفاشية حملة ظالمة شرسة ضد رفاق الحزب الشيوعي العراقي وأصدقائه وعموم القوى الديمقراطية. وطالت حملات الاضطهاد والملاحقة الآلاف من المناضلين، فغيّب البعض، واضطر البعض الآخر إلى الهجرة خارج الوطن. ودفع عسف السلطة الغاشمة بعض طلبة الجامعة إلى الانقطاع عن الدراسة، والتخفي بعيدا عن رقابة الأجهزة الأمنية. كانت الطالبة الجامعية، خيرية الخالدي، تدرس في الصف الرابع من كلية الطب بجامعة بغداد. وبسبب مضايقة ومحاصرة أجهزة الأمن لها، تعذر عليها الذهاب إلى الكلية، فانقطعت عن الدراسة، وصدر قرار  من الجامعة بفصلها مع طلبة آخرين لأسبب سياسية عام 1984. وبعد فترة معاناة قاسية من التخفي والمطاردة غادرت الوطن مضطرة واستقرت في هولندا عام 1992، وبحكم تحصيلها العلمي السابق في كلية الطب، اشتغلت خيرية في المجال الطبي في هولندا، وبقي الطموح يدفعها إلى إكمال دراستها التي انقطعت عنها في الوطن، إلا أن قوانين العمل الهولندية لم تمنحها الفرصة لإكمال دراستها، فهي ليست قادمة للدراسة، وإنما هي لاجئة عليها أن تعمل. بقيت الرغبة في مواصلة الدراسة تشغلها، وطموحها الذي لا يحد لمواصلة التحصيل العلمي. ومع انسداد أفق الدراسة في هولندا قررت خيرية العودة إلى الوطن لإكمال دراستها، وقد ظهر اسمها في قائمة الطلبة المفصولين لأسباب سياسية، الذين سمحت الجامعة لهم بالعودة إلى مقاعد الدراسة من جديد. هكذا تحدت خيرية المصاعب والظروف الصعبة، وفارقت عائلتها في هولندا لتكمل الدراسة في بغداد. وحصلت على شهادة التخرج من كلية الطب 2015، وقد أشاد الدكتور علي الشالجي، عميد كلية الطب، في حفل التخرج بسعيها العلمي ومثابرتها. بعد تخرجها مارست خيرية مهنتها كطبيبة في المستشفى الحسيني في كربلاء.  وبعدها اشتغلت في هولندا حيث تمت معادلة الشهادة واجتياز الشروط والمعايير المعمول بها في هذه البلاد والاعتراف بها كطبيبة. والمقارنة في ظروف العمل في المجال الطبي بين البلدين، تبعث الحزن والأسى لما وصلت إليه الخدمات في العراق من سوء وإهمال. فالمريض في الوطن يتلقى معاملة سيئة. ولا تتوفر الأدوات الطبية اللازمة لعمل الطبيب. والأدوية تسرق وتباع. ووضعية الردهات والغرف تفتقد أبسط شروط النظافة، وأحيانا تنعدم الأسرّة، فينام المريض على الأرض. وأهل المريض يجلبون المعدات الضرورية واللازمة لمريضهم. والقذارة تملأ المكان والقطط تدور في صالة العمليات.

تشعر الدكتورة خيرية بالأسى عند المقارنة فالعراق البلد الغني بالثروات والإمكانيات لايحظى المريض فيه بسرير نظيف ولا بأدنى خدمات صحية، وهي ترى الفرق الشاسع في التعامل بين الوطن وهولندا. تطمح خيرية أن ترى يوما ما البلاد وقد غادرها الفساد وسوء الخدمات والإهمال. إنه حلم بعيد المنال، ولكنه يبقى حلما قابلا للتحقق، قد تراه في قابل الأيام.

********************************************

الدكتور حكمت جميل.. عطاء كبير وتفرد في مجال الاختصاص

كمال يلدو

 ولد الدكتور حكمت جميل عام ١٩٣٥ في منطقة المربعة ببغداد، تخرج من الإعدادية المركزية ودخل الكلية الطبية عام ١٩٥٣ وتخرج منها عام ١٩٦٤. من قواعد العمل لخريجي الكلية الطبية ممارسة جميع أنواع الاختصاصات أثناء خدمتهم في الإقامة التي تمتد لمدة سنين، لكن الفرصة لم تسنح له بذلك، فطلب منه التوجه للسليمانية وممارسة الجراحة في مستشفاها (كان ذلك بسبب تجدد القتال بين الحكومة والفصائل الكردية). بعد انتهاء مدة الإقامة حاول التقديم للسفر للخارج لغرض الحصول على التخصص، لكن قطع العلاقات الدبلوماسية بين العراق وبريطانيا حال دون ذلك. جاء تعيينه الأول عام ١٩٦٥، وبعدها بسنتين تزوج. تعرض لمضايقات كثيرة اضطرته لتقديم استقالة من الوظيفة وفتح عيادة في السليمانية.

كثرة المضايقات بسبب خلفيته السياسية اليسارية وشموله ضمن الذين سيقوا في (قطار الموت/ تموز ١٩٦٣)، وفي السنين اللاحقة بسبب رفضه الانتماء إلى البعث، أدت إلى فقدانه ل (مركز النظر) والرؤيا فقط من الجوانب، كان ذلك عام ١٩٧١، فعولج في انكلترا عام ١٩٧٣، وانتهز فرصة وجوده هناك بعد العلاج فتقدم لدراسة الاختصاص.

اقترحت عليه جامعة لندن، التي قبلته لدراسة التخصص، أحد هذه الاختصاصات لأهميتها وتفردها آنذاك: الصحة العامة، الطب المهني والتغذية، فاختار الطب المهني للتخصص وهكذا حصل على شهادة الماجستير وثم ألحقها بشهادة الدكتوراه. أما موضوعة دراسة الدكتوراه فكانت فريدة ووجدت صداها لاحقا في قانون في بريطانيا، وربما بعض الدول المتقدمة وكانت تبحث في: جدوى الإجازات المرضية القصيرة التي تمنح للموظفين أو العمال، إذا اكتشفت الدراسة والمقارنة الميدانية أنها لم تكن لأسباب مرضية، بل غالبا لأسباب اجتماعية أو نفسية، وعليه جرى إيقاف منح الإجازات المرضية القصيرة والاستفادة منها بعدم إلهاء الطبيب بشخص ليس مريضاً، منع الشخص من الكذب، والاستفادة من الدواء بدلا من رميه بالنفايات.

حصل على الدكتوراه عام ١٩٧٨، علما أن كل الفترة التي قضاها في انكلترا لدراسة الماجستير والدكتوراه كانت على حسابه الخاص، سوى السنة الأخيرة التي غطتها وزارة الصحة العراقية.

عاد إلى العراق وتعين طبيب اختصاص بالطب المهني على ملاك وزارة الصحة واستاذا في كلية الطب، وكان هو الوحيد في هذا المجال.

ومن جملة ما تمكن من تحقيقه خلال فترة عمله كانت:

١ـ استحداث دورات مكثفة لأطباء المعامل.

 ٢ـ منح دبلوم اختصاص للأطباء بهذا الاختصاص.

 ٣ـ منح شهادة الماجستير والدكتوراه في الطب المهني، كذلك جرى استحداث دراسة دبلوم بالسلامة المهنية وبالصحة البيئية لغير الأطباء في معهد التكنلوجيا ببغداد.

ومن جملة ما يعتز به الدكتور حكمت جميل بأنه كان المبادر لتحقيق:

١ـ استحداث شعبة (للتعليم المستمر) للأطباء تشمل العراق كله، وتساهم في وضع الاطباء مع آخر الاختراعات العلمية وما يتعلق بالأدوية وطرق العلاج.

 ٢- استحداث شعبة للإعلام العلمي تساهم بنشر الاخبار العلمية والوعي الطبي.

 ٣- عمل أول مؤتمر لكلية الطب ببغداد عام ١٩٨٣، جرى فيه استضافة رؤساء الجامعات وكليات الطب من كل العراق، واستمر هذا المؤتمر حتى العام ١٩٩٦، سنة مغادرته للعراق.

كما يذكر الدكتور حكمت بأنه كان وراء:

١- اقناع وزير الداخلية بإصدار قانون إلزامية (حزام الامان- أثناء قيادة السيارة عام ١٩٨١.

٢- نقل مصنع البطاريات من العزيزية إلى خارج بغداد توخيا للسلامة العامة عام ١٩٨٣.

٣- اصدار قانون من ديوان الرئاسة بمنع استيراد (الإسبست الأزرق- المستخدم في عمليات البناء عام ١٩٨٥، وذلك للمخاطر الصحية التي يشكلها.

كما وتجب الاشارة إلى أن الدكتور حكمت أصدر ٢٠ كتابا وكتّيبا واحدا، مازال قسم منها يستخدم في المعاهد والجامعات العراقة، كذلك استحداث برنامج يومي في إذاعة بغداد استمر بثه خمس سنوات بعنوان (سلامتك في العمل).

غادر الدكتور حكمت جميل العراق عام ١٩٩٦، ووصل الولايات المتحدة المقيم فيها الآن عام ١٩٩٧، واستمر بالبحث والكتابة وتعلم الحاسوب، وأصدر لحد الآن أربعة كتب ويعمل على ثلاثة كتب اخرى.

كما عمل استاذا بمجال اختصاصه في (جامعة وين ستيت بولاية مشكان- للاعوام٢٠٠٠ - ٢٠١٥. ثم استاذا في جامعة ولاية مشكان للأعوام ٢٠١٥ ـ ٢٠١٨ حتى اعلانه التقاعد النهائي.

حصل الدكتور في مسيرته المهنية على الكثير من الجوائز التقديرية والتثمينات وسميّت إحدى قاعات جامعة الكوفة باسمه، كما شارك بالكثير من المؤتمرات في العراق والتي زارها ثماني مرات بعد العام ٢٠٠٣.

لكن، مازالت آلام وجراحات تلك الحقبة المظلمة التي مرت على العراق تلقي بظّلها عليه ولليوم، ويتذكر كيف كانت تكتب عنه التقارير الكيدية أو يجري استفزازه أو حتى ابتزازه للانضمام إلى حزب السلطة، ويتعجب كيف يمكن لطبيب أن يتحول إلى مخبر يطيح بزملائه ويعرضهم للأذى أو الموت. 

***********************************************

الصفحة السابعة

التحولات الطبقية في العراق المعاصر  قراءة ماركسية نقدية في ضوء الانقسام الاجتماعي ما بعد 2003

تحت عنوان " ماذا يحصل لمفهوم (الطبقات) في العراق؟، نشرنا في هذه الصفحة من عدد جريدتنا الصادر يوم الثلاثاء الماضي مقالة للدكتور رعد موسى الجبوري، وفي شأن الموضوع ذاته ننشر اليوم مقالة للدكتور علي طبلة، ينطلق فيها من مقالة الدكتور الجبوري، هادفاً الى "إعادة بناء فهم اكثر دقة للصراع الطبقي في العراق" كما يقول هو في المستهلّ. ويهمنا ان نقول كذلك، اننا في هذه الصفحة نرحب بأية آراء أخرى او مناقشات لمفهوم الطبقات وموضوع الصراع الطبقي في بلادنا، او في خصوص أية قضية أخرى، فكرية او سياسية او سوى ذلك. وبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع مضمونها.

د. علي طبله

مدخل نقدي: في التعليق على مقالة رعد موسى الجبوري تُشكّل مقالة “ماذا يحصل لمفهوم الطبقات في العراق؟” مساهمةً مهمة في إعادة فتح النقاش حول التحوّلات الطبقية في العراق الحديث، خاصة في ظل تفكك البنى التقليدية وصعود نظام سياسي ريعي طائفي بعد 2003. ويُحسب للكاتب محاولته الجمع بين العرض التاريخي والفكري، وتشخيصه الدقيق لنشوء طبقة حاكمة هجينة تستند إلى الدولة والريع والنفوذ الطائفي، بدلًا من الإنتاج والعمل.

لكن المقالة، رغم قوتها التوصيفية، تبقى منقوصة من حيث تعميقها المنهجي لنظرية الطبقات، وتحديدها الجذري لطبيعة الاستغلال القائم، كما أنها تتفادى حسم الموقف من القوى الاجتماعية النقيضة لهذه الطبقة. هنا تتدخّل منهجيتنا الماركسية، لا لمجرد إضافة نظرية، بل لإعادة بناء فهم أكثر دقة للصراع الطبقي في العراق، يُميّز بين الشكل الأيديولوجي للهيمنة (الطائفة، الهوية، الزعامة) وبين جوهرها الاقتصادي (السيطرة على أدوات الدولة والريع).

انطلاقًا من هذا، نسعى في بحثنا إلى إعادة صوغ تحليل طبقي ماركسي معاصر، يُجيب على سؤال: من هي الطبقة الحاكمة في العراق فعلًا؟ ومن هم حلفاء التحرر الممكنون؟ وما المهام التاريخية أمام اليسار؟ وذلك عبر أدوات التحليل الجدلي، ونقد المفاهيم السائدة، والاشتباك المباشر مع تشوّهات الخطاب اليساري ذاته.

أولًا: الطبقة كعلاقة لا كتصنيف – إعادة بناء المفهوم

الخطأ الأكثر شيوعًا في الخطاب السائد – بما فيه كثير من الأدبيات اليسارية – هو اختزال مفهوم “الطبقة” إلى فروقات في الدخل، أو أنماط استهلاك، أو درجات من الفقر والغنى. لكن الماركسية لا تنظر إلى الطبقة باعتبارها فئة سوسيولوجية ساكنة، بل باعتبارها بنية علاقات اجتماعية متصارعة في قلب عملية الإنتاج.

بحسب ماركس، تتحدد الطبقة من خلال العلاقة بمكانة الفاعلين في الإنتاج: من يملك وسائل الإنتاج؟ من يبيع قوة عمله؟ من يراكم فائض القيمة؟ من يتحكم بعملية التوزيع؟

“الطبقات ليست نتاج تصنيف إحصائي، بل نتاج علاقة اجتماعية حيّة تقوم على الاستغلال”¹.

هذا المنظور يُتيح لنا تجاوز النقاش الضبابي حول الفئات “الرمادية”، مثل الموظف الثري، أو العامل الذي يمتلك سيارة، فكل هذه ليست جوهر الطبقة بل أعراضها. وهكذا، فإن مفردة “البروليتاريا” لا تشير فقط إلى من لا يملك، بل إلى من يُنتج ولا يملك، إلى من يُستغل اقتصاديًا وإن بدا مرفّهًا شكليًا.

ثانيًا: من الصراع الطائفي إلى الصراع الطبقي المُقنّع

الطبقة الحاكمة في العراق بعد 2003 لا تندرج ضمن “البرجوازية الوطنية”، كما في مراحل تشكل الدول الحديثة، بل أقرب إلى ما يسمّيه سمير أمين “البرجوازية الكومبرادورية التابعة”، التي ترتبط عضويًا بالرأسمال الأجنبي، وتعيش على الريع لا على الإنتاج².

لكن ما يميزها في العراق هو أنها تُغطّي موقعها الطبقي القائم على نهب الريع وتوزيع الغنائم بغطاء هوياتي طائفي. الطائفية هنا ليست مجرّد أيديولوجيا، بل وسيلة لتنظيم السيطرة الطبقية على المجتمع. أي أنها الشكل التاريخي لهيمنة طبقة غير شرعية اقتصادياً.

لقد بُني نظام ما بعد 2003 على مبدأ تقاسم الدولة – وليس المجتمع – بين نخب حزبية وطائفية تمارس وظيفة “التوزيع الريعي”، دون أي ربط بالعمل أو بالإنتاج. ولذلك فإن النقيض التاريخي لهذه البنية ليس “الدولة المدنية” بوصفها مفردة أخلاقية، بل دولة المنتجين، ودولة العدالة التوزيعية.

ثالثًا: تشخيص الطبقة الحاكمة – طغمة ريعية فوق طائفية

بعكس ما تروج له أدبيات المحاصصة، فإن الطبقة الحاكمة اليوم لا تمثّل طوائفها، بل تُخضعها، وهي ليست نتاجًا لصراع اجتماعي داخل الطائفة، بل مشروع سياسي – طبقي مفروض من الخارج، أعاد ترتيب البنية الاجتماعية على نحو يُحوّل الجماعة الطائفية إلى “وحدة توزيع” للامتيازات والمغانم.

هذه الطبقة – وهي طغمة أوليغارشية مالية – تتكوّن من:

  • قادة الأحزاب الطائفية والمليشيات المتحالفة معها.
  • كبار الموظفين المرتبطين بتقاسم الموازنات.
  • رجال أعمال مقاولون مرتبطون بعقود الدولة.
  • شبكة إعلامية – دينية – أمنية تحرس المشروع وتُعيد إنتاج خطابه.

أما أدوات هيمنتها، فهي:

  • التحكم بالوظائف والتعيينات.
  • سرقة الموازنات والعقود الوهمية.
  • تهريب العملة وغسيل الأموال.
  • إنتاج خطاب الكراهية والانقسام الطائفي لتبرير الهيمنة.

رابعًا: أين اليسار؟ أزمة التحليل وأزمة التنظيم

اليسار العراقي، وعلى رأسه الحزب الشيوعي، لم ينجُ من الانزلاق في المأزق ذاته. إذ ساهم، غالبًا بحسن نية، في تبنّي لغة “المكونات”، وركن إلى شعارات عامة مثل “الدولة المدنية” دون تسمية العدو الطبقي، أو الاشتباك الجذري مع بنية المحاصصة³.

الأزمة هنا مزدوجة: أزمة تحليل، وأزمة تنظيم. فبدون وعي طبقي صارم، يصبح العمل السياسي محكومًا بالإدماج داخل نظام هو ذاته مصدر الفساد والنهب. وبدون تنظيم طبقي حقيقي – أي شبكات جماهيرية إنتاجية، عمالية، نسوية، شبابية – يبقى الشيوعيون أسرى الفعل الرمزي أو التحالفات الظرفية مع نخب برجوازية متدينة أو ليبرالية.

خامسًا: المهام التاريخية أمام الشيوعيين واليسار العراقي

أمام اليسار العراقي اليوم مهمة تاريخية: إعادة تأسيس نفسه كأداة للصراع الطبقي، لا كمجرد صوت أخلاقي في نظام مفخخ. وتبدأ هذه المهمة من:

  1. إعادة تعريف الطبقة العاملة العراقية بوصفها كل من يُنتج الثروة ولا يملك وسائل إنتاجها – في المدينة والريف، في المصنع والشارع، في القطاع الرسمي والاقتصاد غير المنظم.
  2. بناء قاعدة اجتماعية متجذرة من الفئات المُفقرة: شباب عاطلين، موظفين بلا امتياز، فلاحين بلا أرض، عمّال بأجر متدنٍ، نساء مهمشات.
  3. تحديد العدو الطبقي بوضوح: الطغمة الطائفية الريعية العميلة المرتبطة بالرأسمال العالمي.
  4. توسيع التحالف الطبقي ليشمل كل المتضررين من نظام المحاصصة – بلا تنازلات نظرية، ولكن بواقعية نضالية.
  5. استعادة أدوات التنظيم القاعدي: النقابات، الجمعيات التعاونية، اللجان المطلبية، الصحافة المستقلة، التعليم الشعبي.

خاتمة: من مفهوم الطبقة إلى استراتيجية التحرر

ما لم يعد اليسار العراقي إلى التحليل الطبقي الجذري، فسيبقى هامشًا في نظام يعيد إنتاج الاستغلال تحت أقنعة جديدة. المطلوب اليوم ليس فقط أن نتحدث عن الفقر، بل أن نُسمي من يُنتجه؛ لا أن نندد بالطائفية، بل أن نُظهر وظيفتها؛ لا أن نتحالف مع ضحايا الريع فقط، بل أن نُعدّهم للسلطة.

الطبقة، في الماركسية، ليست مجرّد فئة مظلومة، بل حامل تاريخي للتغيير. واليسار، إذا ما أدرك موقعه، قد يتحوّل من شاهد على الانحدار، إلى طليعة في الصراع.

ـــــــــــــــ

المراجع (نظام شيكاغو):

  1. ماركس، كارل. رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي. ترجمة فالح عبد الجبار. بيروت: دار الفارابي، 2008.
  2. أمين، سمير. التراكم على الصعيد العالمي. بيروت: دار ابن خلدون، 1973.
  3. عبد الجبار، فالح. الدولة والمجتمع المدني في العراق. بيروت: المركز العربي للأبحاث، 2012.
  4. بطاطو، حنا. العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1992.
  5. عامل، مهدي. في التناقض. بيروت: دار الفارابي، 1980.
  6. وود، إلين ميكسينز. الديمقراطية ضد الرأسمالية. ترجمة مازن كم الماز. بيروت: دار التنوير، 2019.
  7. هوبسباوم، إريك. عصر الثورة. ترجمة فالح عبد الجبار. بيروت: دار الساقي، 1999.

************************************************

الغش الأكاديمي خيانة لتحية المعلم ونفاق فاق كل التصورات

احسان باشي العتابي

لا يختلف اثنان من العقلاء وأصحاب الضمائر الحية، على اختلاف توجهاتهم، في أن من الواجب الأخلاقي رد الجميل بأحسن منه، أو على الأقل بمثله، فالعلاقة بين الأفراد فضلا عن المجتمعات منذ نشأة الخليقة قائمة على التقدير المتبادل، والإحسان في الرد على المعروف. ولهذا يمكننا ان ندرج العلاقة التربوية بين الاستاذ وطلبته بضمن تلك القاعدة العقلية الاخلاقية البحتة، حيث تتمثل تحية الأستاذ للطالب بكل الجهود التي يبذلها بتفان وأمانة منقطعة النظير، فيما تكون تحية الطالب للأستاذ احترامه وتقديره عبر المنظومة الأخلاقية والقيمية التي يندرج تحتها تنفيذ جميع توجيهاته لأنها بالنتيجة تصب في صالح الطلبة، وبالضرورة يجب أن يكون رد التحية بأحسن منها او بمثلها.

كما أن من الجميل، بل من الضروري، أن يعيش المرء بوجه واحد، وجه يعرفه القريب والبعيد، يطمئن له الصديق، ويحترمه العدو رغما عن أنفه، وجه يعكس جوهر النفس، لا قناعا مرسوما لاجل المصلحة او الخوف او الطمع وحتى لو كان ذلك على حساب الجميع. فالثبات على المبدأ، والعيش بوجه واحد، لا يعني الجمود او الغباء الاجتماعي، بل هو انعكاس للانسجام الداخلي، والنزاهة في التعامل مع الذات والآخرين؛ وكل المواقف اثبتت بأن من يعيش بوجهين، يعيش قلقا يخاف الفضيحة، يرتبك حين تتقاطع طرقه، يتعثر في تناقضاته، اما صاحب الوجه الواحد، فمهما اختلفت الظروف وتبدلت الاحوال، يبقى كما هو صريحا في حبه، نزيها في خصومته، واضحا في مواقفه.

إن ظاهرة الغش في الامتحانات والتي غدت ظاهرة، تندرج في هذا السياق، وتمثل عارا يتسلل خفية إلى قاعات الدراسة، يختبئ خلف النظرات الخجولة، او الخوف والترقب، او الوقاحة واللامبالاة. لكنها في كل الأحوال، جريمة مكتملة الأركان، أمر مؤسف حقيقة، أن تبتلى قاعات الامتحان – التي يجب ان تكون معابد للجد والإنصاف – بتصرفات تجعل من الشهادة سلعة، ومن النجاح حيلة. والأشد مرارة، إن هذا السلوك، يصدر من أولئك الذين، لا تفارق وجوههم علامات التقوى والإيمان تارة، ولا تفارق ألسنتهم مفردات الفضيلة تارة اخرى! 

وتكمن خطورة الغش الأكاديمي، في كونه لا يقتصر على كسر قواعد الامتحان، بل يهدم ركنين أساسيين من أركان التعليم، الثقة والعدالة؛ فالثقة التي يبنيها الأستاذ مع طلابه، تنهار حين يكتشف أن البعض استهان بهذه العلاقة، كما أن العدالة تتقوض، حين يمنح من لم يجتهد درجة من تعب غيره، في مخالفة صارخة لكل المبادئ التربوية والأخلاقية.

لقد أظهرت بعض الأبحاث التربوية، أن من أهم أسباب تفشي الغش، هو غياب الوعي الاخلاقي لدى بعض الطلبة، إضافة إلى قلة فاعلية بعض الإجراءات الوقائية، من قبل المؤسسات التعليمية المعنية. لكن هذه الأسباب لا تبرر السلوك، بل تدعونا إلى تعزيز الجهود التربوية، الرامية إلى غرس قيم الأمانة والمسؤولية في نفوس الطلاب منذ المراحل المبكرة.

إن مقاومة الغش لا تكون فقط بالعقوبات الإدارية، بل تبدأ من تعزيز ثقافة النزاهة الاكاديمية وتشجيع السلوك الإيجابي، وتكريم الطلبة المجتهدين، لا فقط المتفوقين رقميا، وهي مسؤولية تضامنية تبدأ من الأسرة، وتمر بالمؤسسة التربوية، وتنتهي بضمير الطالب ذاته. وكما أن المعلم لا ينتظر الشكر على أداء واجبه، فانه لا يستحق الغدر بثقته، وان تحية الاستاذ التي تتجلى في حرصه على الطالب ونجاحه، تستحق ان ترد بتحية مماثلة من اجتهاد واحترام ونزاهة.

لكن، ويا للأسف، فقد تحول الغش، لدى البعض إلى عادة مزمنة تمارس ببرود وجرأة، دون أدنى شعور بالذنب او المسؤولية، مما يشوه صورة الطلبة جميعا، ويحبط معنويات الأساتذة، الذين ما زالوا يؤدون رسالتهم بشرف، آملين في تنمية الوعي بالمسؤولية، لاسيما أولئك الذين لم يبخلوا على طلابهم بشيء، بل عاملوهم كأبنائهم، فتحوا لهم أبواب العلم والمسامحة معا، وأكرموهم بلغة لا تعرف التعالي ولا القسوة، فهل يكون جزاؤهم أن يغدر بهم على يد من لم يحترم وجودهم ولا مقامهم؟! ألم يأن الأوان أن ندرك أن التحية الطيبة، حين تأتي من قامات تربوية شامخة، يجب أن تقابل بما هو أطيب منها، وإلى متى يبقى الطلبة الملتزمون بالأخلاق الرفيعة والنظام الأكاديمي، يدفعون ثمن تصرفات من تنكروا لكل جميل؟

وأخيراً، فإن من تسول له نفسه ان يسرق علماً ليس من حقه، يفقد ثقة الجميع به، إنه لا يغش أستاذه، بل يغش مستقبله، فالشهادة التي تبنى على الغش، ليست سوى قنبلة موقوتة، ستنفجر ساعة الإختبار في ميدان العمل.

*********************************************

رسالة نوري السعيد - الوثيقة التأسيسية الأولى لترسيم الحدود مع الكويت

هادي عزيز علي

كانت مشيخة الكويت تابعة إلى الدولة العثمانية ضمن ولاية البصرة وتجلى طموحها في الحصول على الحكم الذاتي فكان لها ذلك اذ عقدت الحكومة البريطانية والعثمانية اتفاقا عام 1913 منحت بموجبه المشيخة بما يقرب من الحكم الذاتي داخل الدولة العثمانية ولكن هذا الاتفاق لم يحز التصديق المطلوب بسبب الحرب العالمية الأولى ودخول طرفيه الخصومة جراء ذلك، اذ تولت الحكومة البريطانية إدارة الكويت بعدئذ باعتبارها محمية بريطانية تتمتع بالحكم الذاتي، وتأكدت الحماية البريطانية هذه للكويت بعد توقيع معاهدة لوزان 1924، وتوالت الأحداث متسارعة بعد هزيمة العثمانيين في تلك الحرب، وكأثر من آثارها فقد تم وضع العراق تحت الانتداب البريطاني، وبهذا الوضع السياسي الجديد كان لبريطانيا الإدارة في كل من الكويت باعتبارها محمية والعراق باعتباره تحت الانتداب.

 بتاريخ 21 تموز 1932 أرسل رئيس وزراء العراق نوري السعيد رسالة إلى السير ف – همفرين الحاكم البريطاني للكويت جاء فيها نصا: (أعتقد أن سعادتكم توافقون على انه بات من المستصوب الآن التأكيد من جديد على الحدود القائمة بين العراق والكويت لهذا أرجو الحصول على موافقة السلطات المختصة في الكويت على الوصف التالي للحدود القائمة بينهما : (من تقاطع وادي العوجة مع الباطن ثم باتجاه الشمال على طول الباطن إلى نقطة تقع جنوبي خط العرض الذي يمر بصفوان مباشرة ثم باتجاه الشرق لتمر جنوبي آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر تاركة هذا الموقع إلى العراق وذلك حتى التقاء خور الزبير بخور عبد الله. اما جزر وربه وبوبيان ومسكان (او مشجان) وفيلكا وعوهه وكبر وقاروة وأم المرادم فأنها تتبع الكويت).

استلم الكويتيون رسالة حاكمهم البريطاني بتاريخ 9 آب 1932 مرفق بها رسالة نوري سعيد التي وجدوها سخية جدا كونها منحتهم كل الجزر التي تطل على الخليج فضلا عن ان لهجة الرسالة ترسم ملامح دولة مستقبلية للكويتيين تجعل من الطموح الكويتي بالحكم الذاتي حالة في الخلف وتضعهم أمام حالة جديدة في علاقتهم بالعراق، فكانت المشيخة جذلة لهذا السخاء الذي يتجاوز الطموح اذ تمسكوا بهذا العطاء وجعله يستعجلون الرد بالموفقة اذ أرسلوا رسالة إلى الحاكم البريطاني للكويت في اليوم التالي لاستلامهم الرسالة أي بتاريخ 10 آب 1932 يعربون فيها عن موافقتهم على المضامين التي جاءت بها رسالة نوري السعيد رئيس وزراء العراق طالبين إيصالها إلى السلطات المختصة في العراق وقد تم فعلا إرسال الرسالة وتم استلامها من قبل السلطات المختصة في العراق.

بقي الحال على ما هو عليه فترة ليست قصيرة نسبيا ولكن الأحداث اخذت منحى آخر عندما تم الاتفاق في 19 حزيران 1961 على سحب القوات البريطانية من الكويت وتم الانسحاب فعلا وفي هذه الأثناء أمر الزعيم عبد الكريم قاسم القوات العراقية بالتحشيد للذهاب إلى الكويت والمطالبة بها باعتبارها جزءا من العراق مما دفع القوات البريطانية للعودة إلى الكويت بتاريخ 1 تموز 1961 وتحركت الكويت لتدارك الأمر وتمكنت من الانضمام إلى جامعة الدول العربية بتاريخ 5 تموز ، وفي 6 تموز 1961وبدفع بريطاني طلبت الانضمام إلى هيئة الامم المتحدة لقبولها عضوا جديدا فيها وتم التصويت الا أن الطلب لم يعتمد لاعتراض الاتحاد السوفييتي. لهذا الأمر استهدفت ثورة 14 تموز 1958 وكان انقلاب 8 شباط 1963 مدعوما من قوى خارجية بالتعاون مع خصوم الثورة في الداخل مع جانب من المؤسسة الدينية المجاهرة بالخصومة.

بعد انقلاب 8 شباط 1963 وتوقف المطالبة بضم الكويت، انعقد في بغداد اجتماع بتاريخ 4 تشرين الأول 1963 بين الوفد العراقي الذي ضم كل من السيد أحمد حسن البكر رئيس الوزراء رئيسا وعضوية الفريق الركن صالح مهدي عماش وزير الدفاع والسيد محمود محمد الحمصي وزير التجارة والسيد محمد كيان وكيل وزير الخارجية، و الوفد الكويتي الذي ضم سمو الشيخ صباح السالم الصباح ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء وسعادة الشيخ سعد العبد الله الصباح وزير الداخلية ووزير الخارجية وكالة والسيد خليفة خالد الغنيم وزير التجارة والسفير عبد الرحمن سالم العتيقي وكيل وزير الخارجية، وأسفر الاجتماع عن:

1 – اعتراف الجمهورية العراقية باستقلال دولة الكويت وسيادتها التامة على اراضيها وحدودها المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق نوري السعيد المؤرخة  في 21 تموز 1932الموافق عليها من قبل حاكم دولة الكويت بتاريخ 10 آب 1932.

 2 – تعمل الحكومتان على توطيد العلاقات الأخوية بينهما يحدوهما الواجب القومي والمصالح المشتركة.

3 – تعمل الحكومتان على إقامة تعاون ثقافي وتجاري واقتصادي وتبادل المعلومات بينهما.

 دونت هذه المعلومات على شكل محضر ومذيل بتوقيع السيد أحمد حسن البكر رئيسا للوفد العراقي وسمو الشيخ صباح السالم الصباح رئيس الوفد الكويتي. ملاحظة مهمة – سارعت دولة الكويت ومن دون تأخير إلى ايداع هذا المحضر لدى الامم المتحدة تطبيقا لحكم المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة وسجل المحضر لدى الامم المتحدة بالوثيقة رقم (7063) مجموعة المعاهدات 1964 وللذين يشككون بصحة رسالة نوري السعيد مراجعة المصدر المذكور للتأكد من ارشفتها.

**********************************************

الصفحة الثامنة

ماذا يقول ماركس في «رأس المال»؟ / ساندرا بلودوورث

ترجمة: مصطفى عبد الغني

يستنتج ماركس قرب نهاية المجلد الأول من (رأس المال)، بعد سرد طويل للتحول من الإقطاع إلى الرأسمالية، أن “الرأسمالية وُلدت وهي تقطر دماً وقذارة من جميع مسامها”. ويشرح ماركس في مقدمة الطبعة الأولى أن هدف الكتاب هو “أن يكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث”. فالكتاب ليس بالأطروحة المملة التي قد يوحي بها العنوان، ولكنه مليء بالمراجع الأدبية، والطرف، والكره العميق للرأسمالية. وتنضح الصفحات بتعاطفه مع العمال المستغَلين من الطبقة الرأسمالية.

تعرض المجلدات الثلاثة منهج ماركس في “الانطلاق من المجرد إلى الملموس”، ويبدأ المجلد الأول بتحليل السلعة. هذا ليس تجريدا عشوائيا، فهو يمسك بالصفة المحددة والمعرّفة والفريدة للرأسمالية، وهي إنتاج السلع على نطاق واسع للتبادل في الأسواق. ومن نقطة الانطلاق هذه، يفصل ماركس نظرية قيمة العمل، والتي تجيب عن تساؤل في قلب الرأسمالية، وهو ما العامل المشترك بين السلع المختلفة، مثل الملابس والآلات والطاولات والكتب، والذي يتيح إمكانية مقارنتها ببعض في السوق؟ لا يمكن أن يكون العامل المشترك هو القيمة الاستعمالية لأن لهم استعمالات مختلفة كليا. العامل المشترك لأي شيء ينتجه البشر هو مقدار العمل المبذول في إنتاجه. ولكن كيف يمكن مقارنة الأنواع المختلفة من العمل الملموس المبذولة في إنتاج السلع؟ طرح ماركس أن ما يمكن مقارنته هو العمل المجرد ويمكن قياسه بـ”وقت العمل الضروري اجتماعيًا” أو مقدار الوقت الذي يحتاجه عامل متوسط المهارة والإنتاجية لإنتاج سلعة. يفترض ماركس في هذه المرحلة أن العمل المجرد يحدد القيمة التبادلية للسلع “إذًا، ليس لقيمة استعمالية ما أو شيء نافع ما، من قيمة إلا أن ثمة عملاً بشرياً مجرداً قد تشيّأ أو تجسد فيها”.

تجبر المنافسة في السوق الرأسماليين باستمرار على محاولة إنتاج السلع أرخص من منافسيهم باستخدام أحدث الآلات، فهم كما يصف ماركس في (البيان الشيوعي) “يقومون بتثوير مستمر لوسائل الإنتاج”. قد ينتج رأسمالي 3 سيارات فقط في اليوم مقارنة بمصنع آخر ينتج 6 سيارات باستخدام آلات أو طرق إنتاج جديدة مما يخفض قيمتهم إلى النصف ويقلل من سعرهم. وحينها يمكن للرأسمالي الأول أن يبيع سياراته بالسعر الجديد غير المربح أو لن يبيعها على الإطلاق. الرأسمالية بطبيعتها غير مخططة وفوضوية ومهدرة للموارد. وعملية بيع السلع من أجل الربح في السوق أو إذا كانت ستستخدم من الأساس هي محض تكهنات.

الاستغلال والأرباح

يحول ماركس اهتمامه إلى قوة العمل، أو قدرة العمال على العمل لتطوير فهم لديناميكيات النظام. يبرز ماركس “الإرهاب الذي لا يرحم” الذي انتزعت به الرأسمالية البدائية الفلاحين من أراضيهم، وخلقت جموع من الناس ليس لديهم خيار إلا الخضوع لـ”قوة العنف العمياء للعلاقات الاقتصادية” والعمل كعمال مأجورين، وأصبحت قوة العمل سلعة على نطاق واسع.

من الصفات المشتركة بين المجلدات الثلاثة أن السوق وحقيقة أن قوة العمل سلعة كباقي السلع يخفيان طريقة عمل النظام، فنحن لا نعرف من ينتج الأشياء التي نشتريها، والعمال لا يعرفون من سيستخدم السلع التي ينتجونها، أو حتى إذا كانت ستُباع أو ستُهدر. أو كما يقول ماركس، يبدو الجميع متساوين طالما بقينا في “عالم التداول” (السوق)، حيث يسعى الجميع إلى مصلحتهم الشخصية. وهذا هو وهم المساواة بين الجميع حتى قبل أن يصبح القانون أحد أعمدة الأيديولوجيا الرأسمالية، حيث يظهر العمال والرأسماليون كبائع وشاري للسلع في السوق. وينطبق هذا أيضا على سوق قوة العمل نفسها، فيعرض أرباب العمل أجرا أقل أو أعلى من السعر العادل للعامل نظير قوة عمله. ولكن يُدفع للعمال مقابل جزء من القيمة التي ينتجونها في اليوم، بينما ينتجون في الساعات الأخرى “قيمة مضافة” يُستخرج منها الربح. وكما يشير ماركس، لن تكون هناك أرباح بدون هذا الاحتيال، هذا استغلال أياً كان الأجر المدفوع.

يقسم ماركس وسائل الإنتاج (المدخلات المستخدمة في إنتاج السلع) إلى نوعين: “رأس المال الثابت”، مثل الأدوات والمباني والمواد الخام وتكنولوجيا الإنتاج، والتي تنقل قيمتها بالكامل إلى السلع المنتجة، و”رأس المال المتغير”، أو قوة العمل، لأنه الطريقة الوحيدة لخلق قيمة جديدة، لأن العمال يستطيعون إنتاج قيمة أكثر مما يحتاجون للعيش ومما يتقاضون كأجر. ومع ذلك يحسب الرأسماليون عوائد استثمارهم بالنظر إلى مجمل المصاريف، مما يخلق مظهر زائف أن كلا من رأس المال الثابت والمتغير يساهمان في القيمة المضافة التي يُستخرج منها الربح.

يوضح ماركس علاقة رأس المال والعمال عبر استدعاء واحد من أعظم تشبيهات الأدب الأوروبي حين يقول إن “رأس المال عمل ميت، وهو كمصاص الدماء، لا يعيش إلا على امتصاص العمل الحي، ويزداد حيوية كلما ارتشف المزيد”.

يمكن أن تتعرف على هذه الصورة في الجزء الأول من فيلم “Matrix” حيث تغذي الجثث البشرية الآلة المركزية.

معدل الربح والأزمة الاقتصادية

بالنسبة لماركس، تُعد التجريدات التي يبدأ بها نقطة انطلاق لفهم وشرح كيف تعمل الرأسمالية. تسمح التجريدات لنا بعزل السمات الأساسية، ولكن بعد ذلك يجب أن نشرح ارتباطها بما يمكن ملاحظته تجريبيا. يشرح ماركس في المجلد الثالث كيف يتدفق رأس المال من وإلى القطاعات المختلفة بحثا عن أعلى معدل ربح. إعادة التوزيع الثابت لرأس المال من صناعة إلى أخرى “يخلق تناسبا بين الطلب والعرض يجعل الربح الوسطي واحدًا في مختلف ميادين الإنتاج”، وبالتالي ينشأ معدل عام للربح عبر الاقتصاد. ويعكس معدل الربح العام هذا القيمة المضافة الكلية المنتجة مقارنة برأس المال المستثمر عبر الاقتصاد ككل. ولا يحصل الرأسماليون على نسبتهم من القيمة المضافة الكلية بما يتناسب مع التركيب العضوي من رأس مالهم (النسبة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتغير مُعبرًا عنه بصيغة القيمة) بل بما يتناسب مع رأس المال الكلي الذي ينفقونه.

يستنتج ماركس أن “مجموع أسعار … كل السلع التي ينتجها مجتمع … تساوي مجموع قيمها”.

ولكن سعر السلع المفردة يختلف عن قيمتها لذا يجب تعديل قانون القيمة بينما ننتقل من المجرد إلى الملموس. تخلق المنافسة ديناميكية نحو التركيب العضوي الأكبر على الإطلاق لرأس المال عبر الاقتصاد ككل، مما يسبب ميل معدل الربح للانخفاض (نتيجة استثمار المزيد في رأس المال الذي لا يخلق قيمة جديدة)، ويجعل الرأسماليون يستخدمون الأرباح للمضاربة في سوق الأسهم، أو ادخارها، أو إنفاقها في شراء رفاهيات بدلا من الاستثمار في الإنتاج.

أدرك ماركس أن هذا ليس قانونا حتميا، وكرس قسما كاملا للعوامل التي تقابل هذا الميل. أشهرها هو زيادة كثافة الاستغلال عن طريق تسريع الآلات وزيادة ساعات العمل و/أو تخفيض الأجور. ولكن هناك حدود لذلك إلا إذا كنت مستعدا لإنهاك وإصابة وقتل عمالك أو القبول بعمل رديء الجودة. ويخاطر ذلك أيضا بإثارة إضرابات واحتجاجات مزعزعة للاستقرار لأن العمال ليسوا آلات.

أهم طريقة لإعادة إنتاج النظام وانتزاع الأرباح من حالة الركود هي الأزمات نفسها. طرح ماركس أن معادلة معدل الربح، عندما يسير كل شئ بشكل جيد، تضمن “أنهم يتقاسمون الغنيمة المشتركة على نحو جماعي، بما يتناسب وحجم الحصة التي وظفها كل واحد منهم”. ولكن عندما يتعلق الأمر بالخسائر “فإن كل واحد منهم يسعى، قدر الإمكان، إلى أن يقلل حصته من هذه الخسارة، وأن يلقيها على كاهل غيره. لكن الخسارة محتومة بالنسبة إلى طبقة الرأسماليين بأسرها.

أما مقدار ما يتحمله كل رأسمالي مفرد منها، وما مدى النصيب الذي يتعين أن يقع عليه عمومًا، فتلك مسألة تتوقف على القوة والدهاء، وتتحول المنافسة، عندئذ، إلى صراع بين الإخوة الأعداء”.

تعلن الشركات إفلاسها، مما يسمح للآخرين بشراء ممتلكاتها ووسائل إنتاجها بأسعار رخيصة. وتساعد البطالة الرأسماليين على تخفيض الأجور وظروف العمل. تضع الأزمة حجر الأساس لاستعادة معدل الربح وتسمح للاستثمارات بالتدفق مرة أخرى. ونجد نفس التأثير في الدمار الناتج عن الحرب أيضا.

منذ أن شرح ماركس تقلبات السوق، تغيرت الطريقة المحددة لوقوع هذه التقلبات على مر الوقت. ينتج إفلاس الشركات (وليس فقط مرورها بأزمة) والاستحواذ عليها بواسطة المنافسين شركات أكبر من ذي قبل. أطلق ماركس على هذا تركز وتمركز رأس المال. يؤدي هذا، بالإضافة لتدويل رأس المال، إلى عواقب وخيمة على حل الأزمة. يوقظ السماح بإفلاس الشركات متعددة الجنسيات شبح قدرتهم على جر الشركات الأخرى إلى هاوية لا يمكن تخيل أبعادها. وهنا تسارع الحكومة بعمليات الإنقاذ مثلما شهدنا منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.

الأسهم والأوراق المالية

تنقل وسائل الإعلام أخبار سوق الأسهم كأنه يتمتع بحياة مستقلة، وبمعنى ما فهو لديه حياة مستقلة بالفعل، ويجعل من مصدر الأرباح وطريقة عمل النظام لغزا. يكتب ماركس عن الأسهم والأوراق المالية: “إلا أنها لا تتيح إمكانية السيطرة على رأس المال هذا. إذ لا يمكن سحب شيء منه. فلا تعطي صكوك الملكية هذه سوى الحق القانوني في الحصول على جزء من فائض القيمة الذي سيجري الاستيلاء عليه”، وتصبح “نسخا ورقية عن رأس المال الفعلي”، ولكنها تصبح مادة للمضاربة والتجارة كأن لهم قيمة في حد ذاتهم، وكأنها تكتسب قيمة منفصلة عن رأس المال الأصلي: “تصبح ممثلا اسميا لرؤوس أموال غير موجودة”.

تتوازى أحيانا التغيرات في قيمة الأسهم مع التغيرات في قيمة الشركات، ولكن ليس ضروري أن يحدث هذا. هكذا تحدث المضاربة حيث يمكن المزايدة على أسعار الأسهم في البورصة وتصبح قيمتها وهمية. يمكن أن يكتب ماركس في هذا القرن: “إن المكاسب والخسائر الناجمة عن تقلبات أسعار صكوك الملكية هذه …

تغدو، بطبيعة الأشياء، أكثر فأكثر ثمرة المقامرة، التي تظهر الآن، بدلا من العمل بوصفه الطريقة الأصلية لكسب الملكية الرأسمالية”. وكما يصيغها ماركس، تخلق العملية كلها فرص أكثر من ذي قبل لـ”النصابين” حيث “السعر الحقيقي [للسلع] وعناصره الحقيقية لا تظهر في أي مكان في هذا العالم الورقي … ويغدو سير العملية كله مبهما”.

خاتمة

يكشف (رأس المال) لماركس جنون الرأسمالية. يشرح الكتاب نظاما أطلق العنان لإبداع مذهل وخلق ثروة مهولة في الوقت ذاته الذي يحرم فيه المليارات من الطعام والمأوى على نحو منهجي، ناهيكم عن الحرمان من الرعاية الصحية والتعليم.

إن الأزمة حتمية نتيجة الخضوع لمنافسة السوق والإنتاج من أجل الربح فقط. لن تكشف قراءة (رأس المال) عن الأسباب المباشرة لأزمة معينة، فيمكن أن يكون سبب واحد أو عدة أسباب. يمكن أن تقل الأرباح عن أن تحافظ على تدفق الاستثمار، أو أن جائحة أو حرب زعزعت استقرار التجارة، أو التضخم. ربما تسبب أشخاص جشعون بانهيار سوق الأسهم عن طريق المضاربة بثروة كان يمكن استخدامها لحاجات البشر.

كما يقول ماركس في المجلد الثاني، “إذا تصورنا أن المجتمع القائم ليس رأسماليا بل شيوعيا، فإن رأس المال النقدي كله يتلاشى أولا، وتتلاشى معه الأقنعة التي ترتديها الصفقات من خلال ذلك. وتُختزل المسألة، عندئذ، ببساطة إلى ضرورة أن يحسب المجتمع سلفًا كم من العمل ووسائل الإنتاج ووسائل العيش يمكن له أن يُنفق، دونما إلحاق أي ضرر، على فروع الإنتاج تلك، مثل مد سكك الحديد، التي لا تقدم أية وسائل إنتاج أو عيش … أما في المجتمع الرأسمالي حيث لا يفرض العقل الاجتماعي نفسه أبدا إلا بعد وقوع الواقعة، فإن اضطرابات كبيرة يمكن وحتما ستقع باستمرار”.

يوضح عمل ماركس البارز أن الرأسمالية لا يمكن أن تضمن حياة كريمة للغالبية العظمى، وأن كل ازدهار ينتهي بأزمة وتدمير حيوات بشرية. وبالطبع تعتمد الرأسمالية على هذا البؤس لكي تنمو.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن: موقع ريد فلاج (الراية الحمراء) الأسترالي 22 سبتمبر 2022

*********************************************

تجديد التصورات عند ماركس.. حول المجتمعات ما قبل الرأسمالية

ثامر الصفار

يتوافق بحثي هذا، بشكل أساسي، مع الاستنتاجات التي توصل إليها البروفيسور كيفن أندرسون في كتابه ماركس ومجتمعات الأطراف ( ترجمة هشام روحانا 2010) وحججي حول ماركس وماورر تكملها وتوسعها.

في كتاب (ماركس ومجتمعات الأطراف)، يوضح المؤلف، من خلال تحليل الأعمال الضخمة والمخطوطات والمقالات الصحفية ودفاتر المقتطفات التي كتبها ماركس، أن ماركس قد غير باستمرار تصوره حول المجتمعات غير الرأسمالية وما قبل الرأسمالية بدءاً من (الأيديولوجية الألمانية) و(البيان الشيوعي) وصولاً إلى مسودات الرسالة إلى فيرا زاسوايتج ومقدمة الطبعة الروسية من (البيان الشيوعي) في آخر مراحل حياته. لقد تغير رأي ماركس حول المجتمعات غير الرأسمالية وما قبل الرأسمالية من نموذج تطور أحادي الخط يتم بموجبه تعميم العمليات التاريخية لتحول أوروبا الغربية الحديثة على أنها صالحة عالميا، إلى نموذج تطور متعدد يتم بموجبه اعتراف مؤكد بوجود عمليات تاريخية مختلفة عن تلك الموجودة في أوروبا الغربية.

لقد فصل ماركس نفسه عن وجهة نظره القديمة حول الاستعمار البريطاني التي اعترف فيها بالدور الإيجابي الذي لعبه الاستعمار البريطاني في تحديث البلدان المستعمرة رغم تأكيده المتواصل على الدمار والعنف الذي ألحقه الاستعمار الغربي بالمجتمعات غير الرأسمالية. ومع هذا التغيير، حدث تغيير جذري في تصوره حول المجتمعات الريفية الموجودة في معظم المجتمعات غير الغربية. فلو راجعنا مقالاته التي نشرها في صحيفة التريبيون النيويوركية عن الهند عام 1853، نجده ينظر إلى المجتمعات الريفية بشكل سلبي، على أنها تسبب الركود المتخلف و"الاستبداد الشرقي" في المجتمعات غير الغربية، بينما نجده في أواخر 1870، ينظر إليها باعتبارها أساساً لمقاومة العدوان الرأسمالي وحتى كطليعة للقوى العالمية للتغلب على النظام الرأسمالي العالمي.

وكما ذكرنا آنفاً، فقد ذكر ماركس في سلسلة مقالات صحيفة التريبيون عن الهند في عام 1853 أن الحكم البريطاني للهند سيلعب دوراً إيجابياً في تحديث الهند، مهما كان عنيفاً. لكنه بدأ في مراجعة هذا الرأي ذا النزعة الأوروبية المركزية عندما كتب في عام 1857 سلسلة أخرى من المقالات في نفس الصحيفة عن الهند والصين تتعلق بتمرد السباهي وتمرد التايبينغ.

فقد أيد ماركس، جهاراً، في صحيفة التريبيون قضية الشعب الصيني ضد العدوان البريطاني. في نفس العام، بدأ ماركس في كتابة (الغروندريسه)، وهي أول محاولة له لصياغة نظام لنقد الاقتصاد السياسي، وفي الوقت نفسه صياغة فكرة الخطوط المتعددة للتطور التاريخي.

لقد شارك ماركس طوال ستينيات القرن التاسع عشر، في النضال ضد التمييز القومي والعرقي وضد الاستعمار.

وهذا ما أوصله الى الاقتناع بأن حركات الطبقة العاملة في البلدان المتطورة لم تكن قادرة على كسب الزخم في نضالها ضد الرأسمالية طالما أنها تميز ضد الأقليات العرقية التي تعيش في وطنها مثل المهاجرين الأيرلنديين والأمريكيين من أصل أفريقي. وقد تكثفت هذه القناعة بشكل متزايد فنرى تأييده لحركة تحرير العبيد خلال الحرب الأهلية، ودعم الثورة البولندية عام 1863 وحركة الاستقلال الأيرلندية في النصف الأخير من عقد 1860.

ففي عام 1864، تشكلت شبكة دولية من الطبقة العاملة لدعم الاتحاد خلال الحرب الأهلية في الولايات المتحدة وكذلك الثورة البولندية عام 1863.

وأدى ذلك في النهاية إلى إنشاء عصبة الشيوعيين. إن هذا الحقائق توضح مدى عمق تشابك القضايا المتعلقة بالطبقة والقومية والعرق في السياق التاريخي وكذلك في التطور النظري لماركس.

في الطبعة الفرنسية من (رأس المال) Le Capital" (1872-75)، ذكر ماركس صراحة أن الانتقال التاريخي من نمط الإنتاج الإقطاعي إلى النمط الرأسمالي، الموصوف في القسم الخاص بـ "التراكم البدائي" لا يمكن أن ينطبق على أي مناطق أخرى غير دول أوروبا الغربية.

«في التعامل مع نشأة الإنتاج الرأسمالي، ذكرت أنها تقوم على "الفصل التام للمُنتِج عن وسائل الإنتاج" (ص 315، العمود 1، الطبعة الفرنسية لرأس المال) وأن "أساس كل هذا التطور هو سلب المُنتِج الزراعي. وحتى الآن ، لم يتم تحقيق ذلك بطريقة جذرية في أي مكان باستثناء إنجلترا، وبالتالي، فإن هذه البلاد سوف تلعب بالضرورة الدور القيادي في مخططنا.

ولكن جميع دول أوروبا الغربية الأخرى تمر بنفس العملية» (المصدر السابق ، العمود الثاني).

من خلال حصر صلاحية رأس المال في أوروبا الغربية، واجه ماركس مهمة جديدة تتمثل في وضع تصور لمسارات التطور التاريخي في المجتمعات غير الأوروبية والإمكانيات التي تحويها هذا المسارات للقضاء على الرأسمالية.

إن ما اهتم به ماركس في دفاتر المقتطفات هو التأكيد على أن الأشكال الاجتماعية المشاعية في المجتمعات غير الأوروبية خضعت لتطور تاريخي، ونتيجة لذلك، يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا كمعقل للمقاومة ضد الاستعمار الغربي. ومن هذا المنظور، تمكن ماركس في النهاية من التغلب على أفكاره الأوروبية المركزية السابقة مثل تلك المتعلقة بتقدمية الاستعمار الأوروبي والتأثير الحضاري للرأسمالية.

********************************************

الصفحة التاسعة

سينر: مواجهة ألكاراز اختبار كبير قبل البطولات الكبرى

روما – وكالات

أكد الإيطالي يانيك سينر، المصنف الأول عالميًا، أن مواجهته المرتقبة أمام الإسباني كارلوس ألكاراز في نهائي بطولة روما للأساتذة ستكون "اختبارًا كبيرًا" له قبل البطولات الكبرى (الجراند سلام).

وقال سينر عقب فوزه في نصف النهائي على الأمريكي تومي بول: "اللعب ضد ألكاراز مختلف ومميز. نحن ندفع بعضنا لتقديم أفضل ما لدينا، وهذه المواجهة ستكشف لي ما يجب تحسينه".

وأشار سينر إلى أنه يعاني من بثور في باطن القدم، لكنه غير قلق بشأن حالته البدنية، مؤكدًا أن الوصول للنهائي بحد ذاته "أسبوع رائع وبطولة رائعة".

********************************************

تصفيات كأس العالم 2026 خارطة طريق إعداد المنتخب العراقي لمواجهتي كوريا الجنوبية والأردن

متابعة ـ طريق الشعب

مع اقتراب المرحلة الحاسمة من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026، وضع الاتحاد العراقي لكرة القدم خارطة طريق واضحة لإعداد المنتخب الوطني تحت قيادة المدرب الأسترالي غراهام أرنولد، تحضيرًا لخوض المباراتين المتبقيتين أمام كوريا الجنوبية والأردن.

من المقرر أن يدخل المنتخب الوطني معسكرًا تدريبيًا في محافظة البصرة، ابتداءً من يوم الأربعاء 21 أيار الجاري، مباشرة بعد اختتام الجولة 34 من دوري نجوم العراق. هذا المعسكر يمثل نقطة الانطلاق نحو المواجهة المفصلية الأولى أمام كوريا الجنوبية، التي ستُقام على ملعب البصرة الدولي في الخامس من حزيران، عند الساعة 9:15 مساءً.

المنتخب العراقي سيغادر بعدها إلى العاصمة الأردنية عمّان، لمواجهة منتخب الأردن يوم العاشر من حزيران، في ملعب عمّان الدولي، بالتوقيت ذاته للمباراة السابقة. وتأتي هذه المواجهة في توقيت حساس، ما يجعل الاستعداد البدني والذهني للاعبين أولوية قصوى.

وتصل بعثة المنتخب الكوري الجنوبي إلى بغداد فجر يوم 3 حزيران، وستباشر تدريباتها على ملعب الفيحاء في البصرة وسط إجراءات أمنية مشددة، مع اعتماد السرية التامة في التدريبات، باستثناء الحصة الرسمية التي تسبق المباراة بيوم واحد.

وقد أكمل الاتحاد العراقي لكرة القدم كافة الترتيبات الإدارية والفنية، بما في ذلك إصدار تأشيرات الدخول للوفد الكوري، وهو ما يعكس مستوى التنظيم العالي والتحضير الإداري الجاد لضمان نجاح اللقاء على أرض العراق.

المدرب غراهام أرنولد يتبع نهجًا دقيقًا في الإعداد، حيث يواصل متابعة مباريات المنتخب السابقة إلى جانب رصده المستمر لمباريات دوري نجوم العراق، وقد طلب عقد اجتماع مع مدربي الأندية المحلية، في خطوة تهدف إلى بناء تفاهم فني مشترك ومناقشة الجوانب الفنية والبدنية، إضافة إلى عرض خطة التحضير القادمة للمنتخب.

هذه الخطوة تعكس استراتيجية أرنولد في العمل التشاركي مع الأندية، وهي رؤية ضرورية لضمان الجاهزية القصوى للاعبين، خاصة مع قصر فترة الإعداد.

لجنة المنتخبات قررت الإعلان عن قائمة اللاعبين المدعوين للمباراتين عبر مؤتمر صحفي رسمي خلال اليومين المقبلين، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز الحضور الإعلامي وتقديم المنتخب بصورة احترافية تليق بمستوى الحدث وأهمية المرحلة.

يعاني المنتخب العراقي من غياب هجومي مؤثر، حيث سيفتقد خدمات المهاجم الأساسي أيمن حسين بسبب الإيقاف (بطاقتين صفراوين). هذا الغياب يمثل تحديًا كبيرًا للجهاز الفني، لا سيما في ظل صعوبة المباراة الأولى ضد كوريا الجنوبية.

في المقابل، تتجه الأنظار إلى المهاجم مهند علي "ميمي" نجم نادي الشرطة، كأبرز مرشح لقيادة خط الهجوم، في ظل تألقه اللافت وتصدره ترتيب هدافي الدوري العراقي برصيد 25 هدفًا في 28 مباراة، إضافة إلى صناعته لهدف واحد.

المعضلة لا تقتصر على الهجوم فحسب؛ بل يواجه أرنولد تحديات إضافية في خط الدفاع، خاصة في مركزي قلب الدفاع والظهير الأيمن، ما يستدعي حلولًا سريعة واختيارات دقيقة لتأمين التوازن الدفاعي أمام خصم قوي ككوريا الجنوبية، معروف بسرعته وانضباطه التكتيكي.

*********************************************

انطلاق الجولة 34 من دوري نجوم العراق بثلاث مواجهات حاسمة

بغداد ـ طريق الشعب

تنطلق، مساء اليوم الأحد، منافسات الجولة الرابعة والثلاثين من دوري نجوم العراق بإقامة ثلاث مباريات مهمة، يتصدرها لقاء الشرطة وديالى، حيث يسعى أنصار "القيثارة الخضراء" لفك الشراكة مع الزوراء والانفراد بصدارة الترتيب.

ويحتضن ملعب الشرطة المباراة الأبرز عند الساعة الثامنة والنصف مساءً، في مواجهة تحمل طموحات متناقضة، إذ يطمح فريق الشرطة، مدفوعًا بتألق لاعبيه في الأسابيع الأخيرة، إلى تحقيق فوز ثمين يضمن له الصدارة المؤقتة. في المقابل، يدخل فريق ديالى اللقاء بأمل مواصلة نتائجه الإيجابية والابتعاد عن مناطق الهبوط، في ظل صراع محتدم في مؤخرة الترتيب.

وتُفتتح الجولة في الساعة السادسة مساءً بإجراء لقاءين، الأول يجمع بين نوروز صاحب المركز الثاني عشر ونفط الجنوب صاحب المركز الثامن عشر، الذي يواجه خطر الهبوط إلى الدرجة الأدنى، ما يمنحه دوافع إضافية للقتال من أجل النقاط الثلاث.

وفي التوقيت ذاته، يستقبل النفط (السابع في الترتيب) ضيفه نفط ميسان صاحب المركز الحادي عشر، في لقاء يهدف فيه كلا الفريقين إلى تحسين موقعهما في جدول الترتيب وإنهاء الموسم بأفضل صورة ممكنة.

********************************************

مصافي الشمال بطلاً لدوري الكرة الطائرة

متابعة ـ طريق الشعب

تُوج نادي مصافي الشمال رسميًا بلقب الدوري الممتاز للكرة الطائرة للموسم 2024-2025، وذلك بعد فوزه المستحق على نادي الشرطة بثلاثة أشواط مقابل شوط واحد، في مباراة أُقيمت يوم الجمعة على قاعة الشعب المغلقة للألعاب الرياضية في العاصمة بغداد، قبل جولة واحدة من ختام التجمع الثاني.

وجاء تتويج مصافي الشمال بعد أداء مميز خلال مراحل البطولة، حيث حسم مواجهته أمام الشرطة ليؤكد تفوقه ويظفر باللقب عن جدارة.

وفي إطار منافسات المربع الذهبي، حقق نادي أربيل أول انتصار له في هذه المرحلة، بعد تغلبه على فريق غاز الجنوب بثلاثة أشواط مقابل شوط واحد، ليعزز آماله في المنافسة على أحد الأوسمة الثلاثة.

وجاءت نتيجة الأشواط كما يلي: (22-25)، (25-23)، (22-25)، (14-25)، في مباراة اتسمت بالإثارة والندية.

وبهذا الفوز، يختتم مصافي الشمال موسمه بأداء قوي يؤكد تطوره واستحقاقه للبطولة، فيما تبقى المنافسة مشتعلة على المراكز الأخرى في جولة الحسم المقبلة.

*********************************************

رسميًا.. ريال مدريد يعلن التعاقد مع المدافع الإسباني دين هويسن

مدريد – وكالات

أعلن نادي ريال مدريد الإسباني، يوم السبت، إتمام تعاقده رسميًا مع المدافع الشاب دين هويسن، قادمًا من نادي بورنموث الإنجليزي، بعقد يمتد لمدة 5 مواسم، من 1 حزيران 2025 وحتى 30 حزيران 2030.

وجاء في بيان رسمي نشره النادي على موقعه الإلكتروني:" توصل ريال مدريد إلى اتفاق مع بورنموث بشأن انتقال اللاعب دين هويسن، الذي سيرتبط بعقد طويل الأمد مع النادي، يمتد حتى صيف عام 2030".

ويُعد هويسن (20 عامًا) من أبرز المواهب الدفاعية الصاعدة في أوروبا، حيث أصبح لاعبًا دوليًا مع المنتخب الإسباني، وسبق له خوض تجارب احترافية في الدوري الإيطالي مع يوفنتوس وروما، قبل أن ينتقل إلى الدوري الإنجليزي الممتاز عبر بوابة بورنموث.

وأشار بيان ريال مدريد إلى أن اللاعب مرشح لجائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي الممتاز لموسم 2024-2025، في إشارة إلى تطور مستواه اللافت خلال الموسم الحالي.

ووفقًا لتقارير صحفية بريطانية، فإن قيمة الصفقة بلغت نحو 50 مليون جنيه إسترليني، ما يعكس حجم الرهان على قدرات المدافع الشاب.

ويأتي هذا التعاقد في ظل معاناة ريال مدريد من نقص في خط الدفاع خلال الموسم الجاري، وهو ما دفع الإدارة للتحرك مبكرًا لتعزيز الخط الخلفي.

وتشير تقارير إلى أن تشابي ألونسو، المرشح الأبرز لتولي تدريب "الميرينغي"، اشترط على إدارة النادي التعاقد مع 3 مدافعين جدد قبل انطلاق كأس العالم للأندية منتصف الشهر المقبل، لتأمين الجاهزية الكاملة للفريق.

تُعد صفقة هويسن خطوة مهمة ضمن خطة تجديد الدماء في صفوف ريال مدريد، الذي يسعى للحفاظ على توازنه الدفاعي والمنافسة على جميع البطولات في الموسم المقبل.

******************************************

وقفة رياضية.. من المسؤول عن واقع أندية المحافظات؟

منعم جابر

كنا قد تحدثنا سابقًا عن واقع الأندية الرياضية بشكل عام، ومنها أندية بغداد، واليوم يتركز حديثنا حول واقع أندية المحافظات ومسؤولية الجهات المعنية عنها، في ظل ما تعانيه من إهمال وضعف في الإمكانات.

الجميع يعلم أن المحافظات تُدار من قبل مجالس المحافظات، وتُخصص لها ميزانيات سنوية من قبل الحكومة الاتحادية، ومع ذلك فإن واقعها الرياضي يعاني من ضعف الإمكانات المالية، الأمر الذي يدفع هذه الأندية إلى تقليص نشاطاتها الرياضية، أو الانسحاب من المشاركات والمسابقات الاتحادية بسبب عدم توفر المال الكافي لتغطية تكاليف المشاركة، ما يدفع إدارات الأندية إلى اتخاذ قرارات تقشفية.

وبهذا، نجد أن الرياضة ونشاطاتها غالبًا ما تكون أولى ضحايا "التقشف الرياضي"، لأنها لا تُعدّ أولوية بالنسبة لحكومات المحافظات، في حين أن مجالات أخرى لا تقبل التأجيل أو الإهمال. والأمر الأخطر أن هذا التقشف قد يدفع الأندية إلى إلغاء ألعاب وفرق الناشئين والشباب من البنين والبنات، مما يؤدي إلى تدمير البنية التحتية للرياضة ويهدد مستقبلها، ويُضعف التواصل بين الأجيال، وبالتالي يقضي على القاعدة الرياضية في فرق المحافظات.

إن واقع الأندية الرياضية في المحافظات يدعو للأسف، خصوصًا إذا كانت هذه الأندية تُدار من قبل هيئات إدارية فاشلة وغير قادرة على قيادة الأندية بالشكل المطلوب.

ومن هنا، أناشد أعضاء مجالس المحافظات أن يولوا الأندية اهتمامًا جديًا، لأن دعم الرياضة وأنديتها يمنح مدنكم شهرة واسعة ويحقق لكم النجاح على مختلف الأصعدة. وأقول للإخوة في مجالس المحافظات: عليكم برعاية الرياضة، فعندها ستشعرون بالفخر، وستلمسون الدعم والإسناد من مختلف الجهات، وستكتشفون فرصًا عديدة للاستثمار الرياضي، مما يساهم في توفير مصادر دعم مستدامة لأنديتكم.

إن الاهتمام بقطاع الشباب والرياضة يحقق نقلة نوعية، ويؤسس لنهضة رياضية شاملة تقف بوجه حملات التخريب والعبث، وتُبعد الشباب عن مهاوي الرذيلة والضياع.

وعلى قادة المجتمع من أبناء المحافظات، وكذلك لجنة الشباب والرياضة البرلمانية، أن يبذلوا جهودًا حثيثة لخدمة التوجهات الرياضية، فهي أساس النهضة وفرصة حقيقية لبناء مجتمع متطور. كما يجب تقديم كل أشكال الدعم والإسناد لإنجاح مهامهم، وتوفير كل ما يلزم للنهوض بقطاع الشباب والرياضة.

**************************************************

منتخب العراق لألعاب القوى يتألق في بطولة غرب آسيا

متابعة ـ طريق الشعب

حقق منتخب العراق الوطني لألعاب القوى، يوم الجمعة، نتائج متميزة في بطولة غرب آسيا المؤهلة لبطولة العالم، والتي أُقيمت على ستاد نادي قطر في العاصمة القطرية الدوحة، ضمن فعاليات ملتقى الدوري الماسي لألعاب القوى.

وذكر الاتحاد العراقي لألعاب القوى في بيان، أن لاعبي المنتخب قدموا أداءً لافتًا، أثمر عن تحقيق مراكز متقدمة في عدة سباقات. وفي سباق 100 متر، أحرز العداء سيف رعد المركز الأول بزمن بلغ 10.22 ثانية، فيما جاء زميله مرتضى أزهر في المركز الثالث بتوقيت 10.34 ثانية.

أما في سباق 400 متر حواجز، فقد توج العداء أحمد جمال بالمركز الأول بزمن قدره 51.62 ثانية، بينما واصل العداء نور الدين عادل تألقه في سباق 400 متر مسطح بتحقيقه المركز الأول بزمن 46.25 ثانية، تلاه العراقي طه حسين في المركز الثاني بزمن 46.97 ثانية.

******************************************

الصفحة العاشرة

قابَ قبرينِ أَو أَقسى

سعد جاسم

الى روح موفق محمد

قبلَ أَنْ أُغادرَ البلادَ

 كنتَ قدْ بكيتَ عليَّ

وأَنا الآخرُ

كنتُ بكيتُ عليكْ

وفي تلكَ اللحظاتِ الفاجعةِ

ومن خللِ غيوم الدمعِ

ونشيجِ القلبِ الراعفِ

 قُلتَ لي :

كيف ستواجهُ

بردَ المنافي

ومخالبِ الغربة القاسية ؟

لحظتها اجبتك

 غاضباً ومشتعلاً :

بردُ الغربةِ

وثلوجُ المنافي

ولا ذلُّ الطغاةِ القساة

وتهديداتِ القتلة

ومخاوفِ المخبرين

الذينَ يتجسسون

حتى على انفاسِنا

وكرياتِ دمِنا

وأَصابعِنا وقلوبِنا الواجفةْ

ولاتنسَ وشاياتِ العسسِ

 والدركِ والجندرمةِ الواقفةِ

فوقَ خلايانا ومساماتِنا

واكبادِنا النازفةْ ،

وإِياكَ تنسى نهيقَ

ونباحَ الشعراءِ المداحينْ

وسمومَ الكَتَبةِ المأجورينْ

وطعناتِ الظلاميينَ والطائفيينْ

والغزاةِ المتوحشينْ 

وكتّابَ التقاريرِ من الذؤبان

والغلمان والخصيان

 وابناء الزنا والخنا

والمتعة الـمُقْرِفَةْ

وأَرجوكَ صديقي لاتنسَ

 خياناتِ الأَعدقاءْ

والتافهينَ والسُفهاءْ

وذوي القلوبِ المريضة

 والضمائرِ الواقفة

قابَ قتلينِ

وقاب موتينِ

وقابَ قبرينِ

من الظنون والشكوك العاصفة

ولا تنسَ الجناةَ والزناةَ والرواةَ

وافاعيلَ البغايا والخطايا والمطايا

والنوايا الزائفةْ

ها أنا أرتجفُ الآنْ

في مجاهيلِ الزمانْ

وثلوجِ الغربةِ المُلتهبةْ

وأَرى أَولاديَ

وأصدقائي النبلاءْ

وأَرى وطني الأوَّلَ

في التلفازِ محروقاً

ومخنوقاً بين نارينِ

وأَرى شعبي شريداً

ووحيدا وشهيداً

في مهبِّ العاصفةْ -

وحتى بلدي الآخرُ

من الشًبّاكِ أَراهُ

وكم يحُزنُني

أَنَّهم كلُّهم عاجزون

أَنْ يمنحوني لحظةَ دفءٍ

وحنانٍ ولمسةَ عاطفةْ

ولذا أَشعرُ

أَنَّكَ تتعمد أن توهمني

بانَّكَ قد عشت َ كلَّ شيءْ

وشفتَ كلَّ شيْ

 في الوطنِ العليلْ

وفي غيابةِ الحبِّ

وفي هاويةِ الجُبِّ

والفرح القليلْ

وفي الظلامِ الطويلِ

 وأَعني : ظلامَ العراقِ

الطويييييييييييييييلْ

حيث الخراب والجحيم

والخسائر النازفة

 وبعدها الكثيرالكثييير 

والمُذلُّ والأَقلّ ُمن القليلْ

وها نحنُ الآنَ

والعالمُ والوجودُ

والناسُ والكائناتُ

والطبيعةُ والخليقةُ

والحقيقةُ والحياةْ

نعيشُ بآخرِ الأنفاس

ونمضي الى قيامةِ العدمِ

الثقيلِ الثقيلْ

ويا أَيَّها الرجلُ الأًصيلْ :

ويا أَيُّها الشاعرُ النبيلْ

ما أَروعكَ وما أَبهاكَ

لأَنَّكَ كنتَ قادراً

على تَخيّلِ وتَحَمّلِ

قسوةِ وكذْبَةِ

وغربةَ العيش

في مكانٍ اسمه :

 الوطن الجميل

ولازلتَ مُخْلصاً للشعرِ

ومازلتَ مُهَيّئاً للحُلْمِ

بأَشياءَ هائلةٍ

كالعودةِ للبيت في أَيِّ وقتٍ

وإمتلاكِ فسحةٍ من الأمل

وعشقِ امرأةٍ كانتْ تنتظرُكَ

على أحرٍّ من العطرِ

 والزهرِ والجمرِ والحبِّ

والشغفِ المستحيلْ

تُرى يا صاحبي

وحبيبي وخِلّي

ويا صديقي البابليُّ

العتيدُ والعنيدُ

والعاشقُ الحلّي

مَنْ فينا السعيد؟

ومَنْ فينا الوحيد؟

مادامَ كلانا الآن

 هُنا ...أَو هُناكَ

حيثُ الغربةُ السوداءُ

تسكنُنا وتقهرُنا وتذبحُنا

منذُ النطفةِ الأُولى

ومنذُ الصرخةِ الأُولى

ومنذُ الدمعةِ الأُولى

ومنذُ الرحلةِ الأُولى

ومنذُ الوحشةِ الأُولى

ومنذُ الميتةِ الأُولى

وحتى قيامتِنا الأَخيرة.

***********************************************

ليس رثاءً

بل احتفاءً بخلود شاعرٍ

علي شبيب ورد

(الموت قاسٍ لا يرحمُ) على حدِّ تعبير (كلكامشَ) في ملحمتِهِ.  ولسنا هنا لنرثي حبيبنا الشاعر موفق محمد، بل لنحتفي بخلوده الثقافي والإنساني. فقد غادرنا جسدا، غير أنه مازال حيا بيننا ابداعيا ومعرفيا، وسيطول وجوده لأنه يعيش ويتحرك في قصائده التي لم تمت، بل تتكلم من شفاه محبيه الذين أصغوا اليها كثيرا وهي تحكي لهم أوجاعهم وجوعهم، وتبكي معهم عن خساراتهم المتواصلة، وعن الموت الملاصق لبيوتهم، والمسيل لدموعهم، والمثير لأحزانهم والمعادي لأفراحهم. هو حي في قصائده التهكمية الساخرة من اللصوص القابعين على رقابهم، الذين مازالوا يتقافزون بخفة قطط، بحثا عمّا يشبع كروشهم التواقة للمزيد. لم يمت أبدا، فهو حي في ضمائر الناس، الذين أحبوه كثيرا، وسيبقى بينهم دوما ولن ينسوه، فقصائدُهُ تظلُّ ساخرةً من المتزلِّفين. 

(من رأى منكم عراقيا فليذبحهُ بيدهِ

فإنْ لمْ يستطع

فبمدفعِ هاونٍ وإنْ لمْ يستطعْ

فبسيارةٍ مفخَّخَةٍ

وذلكَ أضعفُ الايمانِ،

رواهُ القَرَضاوي).

- قصيدة (فتاوي للإيجار) 10/ 12/ 2004-

وشاعر مثله لا يغادره محبوه، بسبب أنه لم يكتب لمنفعةٍ أو لغاية شخصية، بل كتب دفاعا عن حقوق الشعب في العيش بكرامة في وطنٍ يتمتع بحرية الرأي والتعبير والمعتقد. كانت قصائده تتحدث عن كل شيء، ولا تتهيب من أي شيء، وبجرأةٍ لا توصف، كانت كلماته تدوي أصداؤها بين أروقة المتحكمين بمصائر الناس ومستقبل البلاد دون واعزٍ من ضمير. وقصائده التي كان يفجرها بين المتلقين، تتصيد في البرك الآسنة لعوالم الساسة الخدّج، من النفعيين والطارئين والتابعين لأجندات ما وراء الحدود. وكان شاعرا لافتا ومتفردا في قدرته على منح قصائده طاقة اتصالية ذات كفاءة عالية الأداء لما تنطوي عليه من كوميديا سوداء مشاكسة ُللراسخ والمتقنع بالهالات المزيفة.

(أَ لأجلِ أن يبقى الخرابُ يصولُ بالبلدِ انحِرافا؟

صالَ الخرابُ

وَعَجَّ بالبلدِ اضطِهادا واختِناقا

فَتَّ المرائِرَ والمصائرَ

لمْ يدعْ شيئاً مُطاقا

ضَعْ وردةً في الصَّدرِ واقرأْ آيةَ الكُرسي

وقُمْ نبني العِراقا).

- قصيدة (ما بعدَ الليلةِ الأخيرةِ) 5/ 9/ 2004-

ربما نودعهُ الآن، غير أننا نلتقي معه حتما، في جنانِ قصائده.

*****************************************

موفق محمد: لم أرك  في محنتك.. أسفاً

جاسم عاصي

لم أرك .. فقد أعاقني الوجع ،وعطل ما يعينني على أن أقصد من أُحب ..موفق .. كيف لا يتذكرك المحبون طال بهم العمر أو قَصر . أينسون الليالي وصوتك الشعري الموصول بمن سحقهم الزمن وأحرقت وجودهم نيران تكثفت وازدادت زهوها وهي تسحق الإنسان وتعطل من وجوده ، غير ان الاصوات الأصيلة والمتمسكة بالقانون والعُرف الذي وضعته نصب عيونها في الصغيرة والكبير كان منار وجودهم .لم تثنك المطبات ،بل حرستك عيون من تعرفهم لا بالمباشر أو عبر صوتك الشعري الذي وصلهم مفعماً بالوطنية وعكس هموم الفقراء والمسحوقين تحت وطأة تصورات النفوس المريضة ،وإنما عبر صبرك الذي لو وقع على الصخر لفتته. كتبت وكتبت ،ورأيت وتفحصت كإنسان كبير وشاعر عظيم عرف الحياة ووجعها ،ليس وجعك  فحسب ، وإنما  وجع الآخرين وخيبتهم في حيازة من يغيّر لهم وجه الحياة .فوجدوا من يراوغ ويراوح في مكانه متصوراً أنه طبع الوجود بالتغير ونصاعة الوجه .إنك تبحث بدأب ،عن هموم غيرك ،في النظر من جهة ومن خلال الحس الذي يشدك إلى الحياة والمبادئ وترى ما لم يره غيرك .

لم أرك يا ملكوت الشعر .. آسفاً ، لكني أُشاركك الوجع الذي كبل جسدك ورأسك فجعلك طريح السرير الذي لا يليق من مثلك .أيعقل أن موفق محمد ،حدوده السرير ؟! ولم تحده طيلة حياته المساحات والمسافات التي تُبعده عن من كان يحب ؟!

سيدي وعاشق العشق والهيمان بالشعر، حيث أتصورك لا تنهل إلا من الشعر والشعر وحده ،ولا توظفه وتسوق رياحه إلا من أجل الأخرين .. فكانت الشوارع والأزقة في الحلة مضاف إليها كل الحواري في المدن التي زرتها ،فما وجدت غير الترحيب والمفاجآت من وصول شعرك إليهم .لم تعق شعرك المسافات .عرفك (سائق التكسي) حين أدرك أن من يصعد إلى سيارته هو (موفق محمد) فما كان منه إلا أن أوقف محرك السيارة ، مغادراً مجلسه وراء المقود ، فاتحاً باب الدخول إلى الشاعر ، حاضناً إياه مقبّلاً وجهه بعفوية مضطربة، فما كان منك  إلا ترتيل الشعر الذي تعرف أنه يرغب بسماعه. تحول جوف السيارة إلى قاعة كبيرة لقراءة الشعر ،لاحظنا ابتهاج السائق بهذه الحيازة العفوية لصوت شاعر الفقراء وهو يجلس قريباً منه معتبراً إياها فرصة لا تماثلها  كل المنجزات.

أتذكر زيارتنا إلى بيت (آشتي) ونحن نتلمس كرمه وعنايته برفقة دربه شعراً ووجوداً . بماذا أحسست وقتها، فبمثل ما أحسست أنا؟ وهو الشعور بالانتماء إلى الحياة عبر فسحة ( آشتي) وكرمه. لا أذكرك بكل هذا ؟ فأنت العارف بكل ما يتداخل في نفوسنا من الشعر والحديث الطلي ، والصوت الذي يملأ الدنيا صفاء ورغبة ومحبة .أيها الشاعر ،لم أجدك يوماً ولا لحظة وأنت  تترجل عن صهوة الشعر ، فصوتك يعبر إلينا أينما حللنا وفرقنا كل إلى حيزه ،وأنت الباقي بيننا .

سرت يا موفق (الشاعر) وسرنا معك في أزمنة لا يملها المرء ولا يطويها النسيان ، فصورتك يقظة ما حيينا ووجدنا .فكلنا أصغاء وإن عبرت بك إرادة الموت المسافات .سؤال يعذبني :ما الذي رأيته في آخر لحظة ؟ سأُجيب على السؤال كما لو أني أنا المغادر ... تجمع الكون بتاريخه وأحداثه والأصدقاء في ملحمة تخطفت على عجالة ، ولم تتمكن من أن تملأ عينيك بهذه الصورة ،فقد تجمع كل شيء في صورة واحدة ،ووقف ممن حولك وقفة الاندهاش .. للحظات لا يدركون ما يفعل كل واحد ، حيث بقي الكل  لحظات تسيطر عليهم الدهشة ،وكأنها جمعت التاريخ كله في عينين ساكنتين .إنها لحظة خاطفة لكنها طويلة وواسعة ... يا موفق ابن محمد ابن التاريخ الشعري .لقد وفقت في أدائك للحياة بصورة يحسدك عليها البعض الظالم ،متمنين لو ساووا لحظة واحدة كي تكون لحظتهم . ولك هيهات يحدث هذا ، فالفرق كبير بين الذهب وبقايا القشور التي لا نفع فيها .نم يا صاحبي قرير العين والقلب والذاكرة ،لأنك متحد ومتواصل بذاكرتنا الكبرى .. ذاكرة الوطن لأبنائه الذين أفنوا حياتهم كي يبقى الوطن عزيزاً. سر مع من رحلوا وأنت العارف بهم وبتأريخهم . فهم تأريخك وأنت جزء من تاريخهم المهيب الذي طبعته أحرفهم المضيئة .                           

*****************************************

موفق محمد : موت يتنفس بشفتيه الورد

داود سلمان الشويلي

عندما يفقد المجتمع شاعرا فانه يفقد قلماً من أقلام ذلك المجتمع الذي به تسجل كل واردة وشاردة، على أوراق سجله العام، ذلك السجل الذي اسميناه "ديوان العرب"، وإذا كان ذلك الشاعر بمنزلة موفق محمد فالمصيبة أكبر مما نتصور. فقد نزلت بديوان العرب مصيبة كبرى بفقد الشاعر العراقي موفق محمد له الذكر الطيب، وليسكن في داره الجديد سالما، مطمئنا.

***

لم يكن الشاعر الفقيد موفق محمد شاعرا يكتب قصائدة باللغة العربية الفصيحة مازجا اياها باللهجة العامية الدارجة، أو ما تسمى بالشعر الملمع، والذي كتب به شعراء كثر قبله، فقد سبقه أو جايله شاعر الناصرية الفقيد رشيد مجيد، والشاعر الدكتور مسلم الطعان، والشاعر فائق الخالدي، إلا ان قصيدته تمتاز عن قصائد هولاء الشعراء، بـ:

- استخدام الأبوذية، أو الدارمي، بلغة عربية فصيحة، تقطر ألما وحزنا.

- قصائده يغلب عليها الطابع الحزين، لأن أغلب مواضيعها هو الشهيد، وأمه الثكلى. وقد كان ذلك بسبب اشتشهاد ابنه عدي عام 1991.

- تمتاز قصائده بالسخرية أو بالسخرية الممزوجة بحزن شفاف.

- تمتاز قصائده بالسخرية من الوضع السياسي الراهن.

يقول في قصيدته "القلب صاير كربلا":

(ميّت أنه

ولا خط يجي عن موتك

سوده وحشتك يَولِدي حرموك من تابوتك

مشجوله ذمته المرمرك

لا تبري ذمته مروتك

ما ناح طير على الشجر

إلّا اعله نغمة صوتك

حيل ادلهمت يا نبع ﮔلبي وﮔمرنه امدمّه

إبموس الخناجر تاكل بلحمه وتفطر النجمه

عميه وتدور رويحتي إبيابير أدوّر يمّه

وما ظِن بعد تطلع شمس وتزول هاي الغمّه

وفرﮔاك فتّ إمرارتي وضاﮔت عليّه الـﭽلمه

لا ﮔبر وتهدّل إله

وألهم ترابه وأسأله

الـﮔلب صاير كربله

ولا خط يجي عن موتك

يتنفس بشفته الورد والنجم غافي برمشه

هد حيلي موتك يا حلم يبّس الطير إبعشّه

إنـﭽان متّ بلا ﮔبر آني ﮔبر يتمشّه

بلـﭼن تفِز إرويحتك يوم وتطير الوحشه

وألـﮕاك أقفلك بالرحم وأنطيهم إذن الطرشه

ما رد حلم عايف هله

وصدره تراب ومنقله

الـﮔلب صاير كربله

ولا خط يجي عن موتك

وما تخلص إﮔبور البلد دفّان ينخه إبدفّان

ومشلّه اشليله الشفل ويطمها عدله الشبّان

يا ريت ما شفتك ولا هلهلت يمّه النسوان

يصل عظمك إبسنّ الشفل وتاكل إبعيني الغربان

وأوﮔع وتلّ إرويحتي وأﭽبّح إعله البيبان

ما رد حلم عايف هله

ولا طير يعرف واسأله

الـﮕلب صاير كربله

ولا خط يجي عن موتك).

لقد فقدنا بوفاته شاعرا مقتدرا يجمع شعره بين اللغة العربية الفصيحة واللهجة العامية الدارجة، بسخرية حزينة.

****************************************

موفق محمد: تحولات الخراب إلى قصائد

جمال العتّابي

كانت صدفة، لم تكن غريبة أن ألتقي موفق محمد نهاية ستينات القرن الماضي لنعمل معاً في إحدى مجلات الاتحادات المهنية، كانت البدايات الأولى لنا في خوض غمار العمل الصحفي ، كان (موفق) ما يزال طالباً في المرحلة الأخيرة من دراسته الجامعية في كلية الشريعة، فعهد إليه رئيس التحرير وزميله في الدراسة (سامي الموصلي) الإشراف على الصفحات الثقافية في المجلة .

كنا في اندفاع الشباب نخطو الخطوات الأولى في تعلّم فنون الصحافة. رضا الأعرجي الذي أسماه موفق بـ ( رضا جيلي)، نسبة إلى العدد اليتيم من مجلة ( جيلي) التي صدرت بجهد  رضا الشخصي، وزميلنا الآخر رسام الكاريكاتير قيس الحديثي. ثمة أشياء كانت تجمعنا ملائمة تماماً لروح تلك الحقبة وجيلها الذي أدرك الهوّة الكبيرة التي تفصل بعقليتها عن عقلية الأجيال السابقة، وما كان لهذه المجموعة ومنها موفق محمد أن تجد نفسها بعيداً عن تلك الأفكار، فبدأ  

(فايق) - هكذا كنا نناديه - مغامرته الأولى في قصيدة ( الكوميديا العراقية).

في تلك السنوات الضاجّة بالعنفوان، اعتدنا أن نجوب الشوارع والمقاهي، نجتاز دروب الليل يحدو بنا صانع المشاعر والخيالات رضا الأعرجي، ومبتكر الفرح موفق محمد في أشد حالات الضيق واليأس، ينشد أغانيه التي أشك أن تمحوها السنوات، فما زلت أتخيل أنها محفورة في جذوع أشجار اليوكالبتوس العالية التي تظلل شوارع الوزيرية، مرسومة في  أغصانها وأوراقها، أو معلقة على جدران دروب الحيدرخانة، وأزقتها الرطبة، تروي قصة شاعر من طراز خاص هو موفق أبو خمرة. الهجّاء، الساخر، العاصف المدوّي، عاش حياته مندمجاً بالأصدقاء، صانعاً ماهراً للعلاقات والجلسات، كان يكفيه بعض الوقت أن يسخر أكثر من العالم المزيف، وأزلامه الفاسدين المزيفين.

نام الحرف يا موفق، وغابت ضحكتك التي تخفي خلفها جروح الوطن، صمتك الآن أعلى من قصائدك، وأوجع من ضحكاتك المرّة، أكثر من نصف قرن من الرفقة، زمن تقاسمنا فيه وجعه وعبثه. نم يا صديقي، فقد تعبت من حمل البلاد، ونسج الأمل من خيوط الرماد.

سلام عليك في الغياب، أيها الراحل الذي لا يشبه الغياب،

كما كنت سلامًا على القصيدة

أيها المقيم في خرائط  الألم العراقي،

كنتَ تُقارع اليأس بسخرية ، من طرازٍ لا يُجيده سواك،

يا شريكي في الحلم والخذلان،

يا رفيق المقاهي والمنفى والورق الأصفر

أخبرني، من سيسخر الآن من الطغيان، كما كنت تسخر؟ أيها الشجاع الجريء .

من سيحوّل الخراب إلى نكتة، والنكتة إلى (لطمٍ) شعري؟

من سيجرؤ بعدك على أن يكون شاهدًا ومتهكمًا ونازفًا في آنٍ معًا؟

*******************************************

الصفحة الحادية عشر

من أوجاع موفق محمد الشعرية

* إيضحكون وإحنه تراب حنطه

إيضحكون وإحنه نموت صنطه

طير إولدي والموت كطّه

كون إبعمة وتاكلني كرطه

ولا أشوف هذا الوطن جنطه

رأى وطناً يهرسُ وسدنتهُ يسرقون خزائنه بيدٍ من حديدٍ..*

ولا فرق فيه بين من يحكمهُ ، وبين من يقتلهُ

 من يوم الغبت لليوم عني *

لا دمعي بُطَلْ لا رِكدْ وني

 أنوحن حتى جاري جزع مني

حاير وين أشوفك

*********************************************

موفق محمد: الشاعر الذي ولد من رحم «الكوميديا العراقية»

الصوت وحده

محمد خضير

لكتابة عبارة على ضريح موفق محمد، أحار في ما أختار من حجارته الشعرية، هذه التي ما فتئت مفرداتها تتدحرج إلى واد سحيق، فلا تتيح لأزميل نقّاشٍ فرصة أن يمسك بهديرها المتواصل.

أستعير التركيب الظرفي الذي كان الناقد علي جواد الطاهر يدمغ به أصفياءه من الأدباء العراقيين بقوله الشهير (فلان وحده) فأصوغ صوتاً لموفق محمد وحده. خرج صوت موفق محمد من رحم (الكوميديا العراقية)- قصيدته المنشورة على صفحات العدد السادس من مجلة (الكلمة) العام ١٩٧٢- بوصفها المثال الفخم للضريح الذي ابتناه شعراء طليعيون على حافة الهامش السلطوي لثقافة الأعوام السبعينية. كان صوت موفق محمد وحده، دالاً على هيئته المختفية في بنية الخطاب الشعري الضرائحي ذاك.

كان صوتاً منبريّاً محشوراً في زاويته، قبل أن يهشّم جدرانه ويصبح صوتاً شعبوياً، ساخطاً ومدمراً لبنيته الكتوم. ضاق الصوت بحدوده، بحزنه وآلامه وقدرته على التلويح والانتشار الحرّ، فخرج محتجّاً ليلتحق بشعراء الهامش السلطوي الذي شطرته عواصفُ الساحل الإيديولوجي شطرين متناقضين: شطر القصيدة المنطوية على خطابها الجمالي، وشطر القصيدة المفتوحة على هامشها الاحتجاجي. وفيما اعتزَّ الشعراء الجماليون بألعابهم اللغوية، انحاز موفق محمد إلى شحنة صوته من الاستعارات والمجازات الساخرة لهدم حجارة الهامش. كانت ذاكرته المزدحمة بالصور والتجارب تدعمه بأشد النبرات احتجاجاً ودفعاً لجدران اللغة الخادعة. تطابقَ مع صوته وحده، ضدّ ضيق الهامش الذي اندثر تماماً أمام مفرداته الهادرة كالرعد.

منذئذ- منذ حرب العربان والتربان- اندافَ الصوتُ بأوحال الأحذية العسكرية والبذلات الفضفاضة على أجساد الجنود وبصمات الحنّاء على جدران الأضرحة. حتى إذا بلغ الصوت حافة الهامش الأخير، المرافق لسلطة ١٩٩١ المندحرة، كان قد اختنق بجوقة الضحايا من الثائرين حوله (ومنهم ابنه المفقود). خاض الصوتُ حربَه وحدَه ايضاً. لقد اقتضى الهامشُ الطويل، كأفعى مذعورة، أن تتلوّن/ تترقّط قصائده بمعجم هائل من التوريات والغنائيات الشعبية. 

سمعتُ موفق محمد يقرأ شعراً على منصّة، خلال معرض مؤسسة المدى للكتاب العام ٢٠٠٧، مستدعياً نبرةَ الهامش الانفرادية، رائحاً وغادياً في حنجرة حجرية، فكانت تلك القراءة تمثيلاً حياً للصوت المستقل الذي وصفتُه في مقال عنوانه "الاحتجاج الناعم" نُشِر في جريدة المعرض. كان الصوت قد تخلّى تماماً من حذره القديم، لكنه اكتسى مقابل ذلك ثوباً فضفاضاً من ملابس الشعيرة الاحتفالية وغنائيتها. كان صوته احتجاجاً هامشياً على طقس عام من الحرمان والاقصاء عن بناء الضمير الجماعي العادل، وقد يكون هذا ضميراً شعرياً لا غير. الصوت يحتجّ، لكنه يحذر من الانزلاق من هامش الشعر إلى متن الهجاء الشعبوي، المعادل لمتن السلطة القمعي القديم. وكم عانى موفق محمد من هذا الاستبدال الخطابي للصوت وصيرورته الجمالية- بناء قصيدةٍ متماسكة مقابل ضريح الأمس الرمزي.

أخيراً، قد نتخذ من العبارة الوصفية- السوريالية التي صدّر بها موفق محمد قصيدته (الكوميديا العراقية) دليلاّ على الصوت الجريح، المتعثّر في هامشه الحجري (وهو هامش مَن سبقوه على المرقى الزلِق للقصيدة الغنائية: رشدي العامل، سعدي يوسف، مظفر النواب وغيرهم من (بناة ضرائح الزمن الصعب). أقتطعُ تلك العبارة وأحاول نقشها على ضريح الشاعر:

"أنا مثلث، ولي أربعة أضلاع، وخمسمائة وستون ألف

قدم، أعيش الآن في مستشفى للمجانين، تقع شمال

جمهورية أفلاطون"- موفق محمد

***********************************************

موفق محمد.. كان ينتظر الموت بين الزهور

جمال حسين علي

صرت أخاف من «الفيسبوك»، كالخوف القديم في موسكو عندما يطرق عامل البريد الباب ويهتف من ورائه: برقية!

عندها أعرف أنه يحمل مصيبة، فلا أحد يبعث لي برقية من العراق بخبر سارٍّ أبدًا.

هكذا ودعنا أحباؤنا، كأوراق الخريف، في كل فصل ترحل قطعة من أكبادنا، وعلينا لثم الجراح وتضميدها وإكمال الصراع بما تبقى. لطالما أحببت شعر الصديق كزار حنتوش، واعتبرته مزيجاً من ويتمان ولوركا وأراغون والبيرتي، لغاية ظهور الراحل العزيز موفق محمد بأحاسيسه الصادقة والعبقرية الفطرية القريبة من الروح الشعبية التي أحالتنا إلى الشعر الذي خلدته الأشجار وجدران الكهوف وألواح الشعراء المجهولين. وهكذا سار بطريق الأبدية، لأنها تعرف كيف تختار شعراءها. إنها أبدية.. وتحدٍ ضد الإنتروبيا*، شرارة ترفض الموت. الإبداع هو تذوق الخلود.

كلنا نخشى الوحدة والجنون والموت، لكن شكسبير ورامبو وبودلير وريلكه والسياب، لم يعالجوا تلك المخاوف، غير أنهم حوّلوا النار إلى نور، ومع غيرهم من الأفذاذ منحونا طريقة للنظر إلى العالم. فالشعراء هم من يقررون ما تبقى.

الشعر الخالد، لا يولد من الأفكار الكبرى وإنما من الوساوس الهشة والفوضى الهاذية. الطائر.. لا يفكر بالموت الوشيك، لن يلقي اللوم على الأشواك ويتحجّج باليباس، سيجد نبعه وحقله وسيبقى يغني حتى يجفّ صوته وتتوقّف أنفاسه، تمامًا.. مثل الشاعر.. يستمر في الشدو إلى الأبد. سأل مارك ستراند، في كتابه: «عاصفة ثلجية واحدة»: «أخبروني، أيها الناس، ما الشعر أصلًا؟ هل يموت أحدٌ دون قليلٍ منه؟».

لقد كان الحضور الحقيقي لموفق في شعر العالم وليس في الشعر العراقي فحسب، فهو زاد من مقاومته حتى الموت الكامل. إنه هدية من أرضنا المعطاءة واعتقد أننا اغتنمناها وكنا شاكرين لها. أدرك أن هذا النمط من الشعراء كانوا هدية الزمن، وإنهم كانوا هدية بلا مقابل. إنهم شيء استمتعنا بوجوده وساعد الآخرين على فهم الشعر والمشاعر التي لا يستطيعون إيجاد طريقة للتعبير عنها.

إن نموذج الحضور الرائع والغياب الحزين، تناقلناه من جيل إلى جيل. حيث يبكي كوليردج، من بين آخرين، في مونوديا عن موت تشاترتون، العبقري الذي سقط مبكرًا «أنا أبكي لأن العبقرية المولودة في السماء يجب أن تسقط»، ويستنكر كيتس هذا المصير الحزين ويأسف على ذلك. جاء الموت ليحجب إلى الأبد هذه العين التي أضاءتها العبقرية «يا تشاترتون! كم هو حزين جدًا مصيرك! / عزيزي طفل الحزن – ابن البؤس! / متى حجب فيلم الموت تلك العين».

ولكن رثاء العبقرية المأخوذة من الحياة، والتي تحولت إلى أسطورة رومانسية حقيقية للشعراء الصادقين، هو الحق الذي يجب أن يعيشه. والخبز الذي علينا أن نفتته على مرقده. السبب هو الموت الذي أُجبرني على تقديمه.

نحن نتحدث عن شاعر يتم تعريفه من خلال التفرد. وفوق كل شيء، يمكننا أن نقول اليوم إن التفرّد لم يكن مربحًا وإن راقت الأبيات الجميلة للناس العاديين.

أتنهد بسبب افتقاري إلى العديد من الأصدقاء الذين لم «أشبع» من اللقاء معهم، ومع أحزاني القديمة، أودّع «موفق» بالسونيتة الـ30 لشكبير بترجمتي، كأنين الوقت الضائع:

«ثم هل يمكنني أن أغرق عينًا لم تعتد على التدفق، لأصدقاء أعزاء اختبأوا في ليلة الموت التي لا موعد لها،

وأبكي من جديد على حزن الحب الذي ألغي منذ زمن طويل،

وأئن على حساب العديد من المشاهد التي اختفت.

ثم هل يمكنني أن أحزن على المظالم التي فاتتني،

وأروي بثقل من حزن إلى حزن عن

الرواية الحزينة عن حزني السابق،

الذي كنت أدفع ثمنه كما لو لم أدفعه من قبل.

ولكن إذا فكرت فيك، يا صديقي العزيز،

فسأعوض كل الخسائر وتنتهي الأحزان.

كنت أرى «موفق» ينتظر الموت بين الزهور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الانتروبيا: حالة ينحرف فيها الجفن نحو مقلة العين مما يسبب تهيجاً وانزعاجاً في القرنية.

***************************************************

موفق محمد .. الشاعر الظاهرة

زهير الجبوري

منذ الكوميديا العراقية نهاية ستينيات القرن الماضي، وصولا الى (عبدئيل) و(بالتربان ولا بالعربان) و(سعدي الحلي في جنائنه) ثم المجموعة الشعرية، وانتهاءً بـ(بين قتلين) قدم الشاعر الراحل موفق محمد تجربته التي افاضت الكثير في الشعرية العراقية، حيث كانت له اسلوبيته الخاصة وصوته المائز ولغته المعهودة، فهو من الجيل الستيني الذي تربى على قاعدة الشاعر الممتلىء والمطلع على الكثير من الثقافات والقراءات المتنوعة، ومع انه يجيد كتابة القصيدة الشعبية بمهارة عالية، ضمنها في كتابة الشعر الفصيح، لتعطي لونا خاصا به انطوى على اسلوب أدائي له خصوصيته في البناء والتلقي معاً..

فضلاً عن اجادته كتابة القصيدة المعاصرة، بكل ما تحتويه من تضمينات فنية عديدة في (الوزن والنثر والعبارات الشفاهية) فإنه يمتلك طريقة إلقاء خاصة لصوت منبري حاد، ساعده على الطريقة الأدائية في التأثير والتأثر، فكانت متعة الأصغاء لدى المتلقي مؤثرة جدا، بل اعطت جمالية اضيفت الى القصيدة ذاتها، بمعنى يمتلك شفرة الضربة الشعرية التي تبقى في ذهنية المتلقي او القارىء، لذا احسب ان ما قدمه جعله أكثر حضورا من بين اقرانه الشعراء.

الشاعر موفق محمد اشتغل على قصدية واضحة في تجربته، حيث كانت له مواقف من السلطة، فكرس اغلب كتاباته في تأجيج الحس المضاد عبر اسلوب خطابي حاد، جعل الطبقة المضادة ذاتها تنجذب لما يكتبه، او بالاحرى يستقبلون قصائده بوصفها الصوت المساند للأنسان المنتفض والرافض، وهو امتداد لشعراء الحماس الذين تتحول قصائدهم الى مواقف تؤجج الشارع وتُصعد من حدته بخاصة الجيل الاخير من الشباب الذين افترشوا في ساحات التظاهرات>

اما ما يخص حضوره الاجتماعي والتربوي، فقد اعطى بصمة كبيرة بين ابناء مدينته، فهو النديم والفكه وهو الاستاذ المربي والصديق، وكثيرا ما يحيطون به الأحبة من تلاميذه ليتذكروا المواقف والشواهد، ومن خلال هذه التجربة الواسعة في حياته الثقافية والتربوية، فقد صنفه النقاد بشاعر الألم العراقي وشاعر الوجع، ككل، يمكن تسميته بـ(الظاهرة السسيو ثقافية) لأنه من أكثر الشعراء او الادباء الذين قلبوا المعادلة حين جعلوا الأدب للناس كافة لا لفئة النخبة، وقد ماشيته كثيرا وجلست معه كثيرا؛ فوجدت له بصمات كبيرة بين ابناء مجتمعه وكذلك حضوره الكبير بين ابناء المدن الاخرى..

الشاعر موفق محمد لا يدون الاشياء بقدر ما يحمل من تلقائية فطرية، وكثيرا ما نجد أثره عند اقرب الناس اليه، ولي شرف الاحتفاظ بالكثير من تجربته الشعرية الممتدة لعقود، وحين طلب منه الشاعر العزيز عمر السراي (الامين العام في اتحاد ادباء العراق) ان يطبعوا له ديوانا شعريا كانت اجابته مختصرة أنا لا اجيد لملمة قصائدي اذهبوا الى زهير الجبوري، وبالفعل كانت لي مهمة جمع قصائده وارسالها الى اتحادنا العريق لتظهر له آخر تجربة، للشاعر موفق محمد حياة واسعة كرسها في مهنته التربوية والثقافية، والحديث يطول عنه غير اننا نختصر ذلك بكل ما قدمه في الساحة العراقية والعربية، رحمة الله عليه، سيبقى بيننا في كل ما قدمه وما تركه من أثر.

**************************************************

موفق  محمد  يرى  تمثالَه ُ

ريسان الخزعلي

لا

حاجة َ

لك َ

بعد َ

الآن َ

أن تسأل َ عن :

الخلود ِ وعبدئيل َ

وسعدي الحلّي وشط ِّ الحلَّه .

لقد أصبحت َ حيّا ً مرّتين ِ ../

حياتُك َ وقد رأيتَها

وموتُك َ .. يُهديك َ نصْبا ً يراك

فكم أنت َ طيّع ٌ للحضور ِ ..؟

ترى موتَك َ حيّا ً .. وحيّا ً يراك َ الموت ُ ..!

فمَن

 دل َّ

المقادير َ

أن تلتقي  في نزهة ٍ هذا النهار ..؟

وكيف َ انتصقت َ الطريق َ  ..،

ترد ُّ الذاهبين َ إلى المقبره ..؟

إنّك َ اليوم َ وحتى الساعة ِ

 تُجبرُنا  وتجبرُ الأولاد َ والأحفاد َ ..،

أن

تكون َ

الزيارة ُ

نصفين  ِ

فمَن  يحتمل ُ القسمة َ على اثنين ِ ..،

غيرُك َ والنَصْب ..؟

لكنّك َ واحد ٌ حين َ تنشطر ُ العيون ...

*********************************************

الصفحة الثانية عشر

الحزن يلفّ العراق تشييع مهيب لشاعر الشعب موفق محمد

بغداد – طريق الشعب

شيّعت أوساط ثقافية ورسمية وشعبية، صباح أول أمس الجمعة، جثمان الشاعر الكبير موفق محمد في مدينته الحلة، على وقع الموسيقى الجنائزية للجوق الموسيقي التابع إلى قيادة شرطة بابل، وبمشاركة وفد من قيادة الحزب الشيوعي العراقي وجموع من الشيوعيين.

وتوفي الراحل ظهر الخميس عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد صراع مع أزمة صحية حاصرته خلال الأسابيع الأخيرة. حيث دخل المستشفى قبل نحو شهر، وخضع لعلاج مكثف، إلا أن محاولات الأطباء لم تسعفه، ليرحل تاركا إرثا شعريا عميقا غزيرا معبرا عن أوجاع الشعب وهمومه. 

وانضم إلى المشيعين حشد كبير من أبناء مدينة الحلة وبغداد ومدن أخرى، تعبيرا عن حبهم لـ"شاعر الوجع العراقي".. ذلك اللقب الذي أطلقه عليه محبوه لما تحمله قصائده من آلام وطنية وهموم إنسانية بقيت صورها راسخة في الذاكرة الشعبية. 

وانطلق التشييع من أمام منزله وسط الحلة. حيث لُف نعشه بالعلم العراقي، وسط أجواء مهيبة سادها الحزن، وعبارات وداع امتزجت بالدموع والقصائد، ليودع جثمانه نهاية في "مقبرة وادي السلام" في النجف.  ونعى المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الفقيد "الشخصية الثقافية الوطنية الشامخة، ابن الحلة والعراق الوفي، الشاعر الشيوعي المبدع المتفرد موفق محمد".

وجاء في نص النعي: "برحيله المفجع والموجع اليوم خسرنا رفيقا أمينا مخلصا، وإنسانا نادر المثال قلبا وعقلا، إنسانا بقي أبدا يفخر بانتمائه إلى عالم الفقراء والكادحين (...) لقد فقدنا اليوم في موفق محمد شاعرا مقاتلا بحق، مناضلا جسورا كرّس نفسه ومواهبه للدفاع عن الناس المحرومين المهانين".

وكان الاتحاد العام للأدباء والكتّاب قد نعى الفقيد في بيان رسمي، أكد فيه أن "موفق محمد كان رائدًا من روّاد كتابة الحزن العراقي، وواحدًا من الأصوات التي جسّدت واقع الوطن بكل صدق ومرارة"، مضيفا أن "الراحل مثّل الجسر الذي ربط بين حاجة المجتمع للأدب، وبين هموم الفقراء والمهمّشين، فكان صوتهم ولسان حالهم في مواجهة القهر والتجاهل".

وبُعيد رحيل الشاعر، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى فضاء حزنٍ شاسع. إذ لم تكاد تخلو صفحة من نعي او شهادة بحقه او تأبين له، فضلا عن صور تذكارية معه، ما يدلل على عمق محبة الناس له، ويُثبت في المقابل سخطهم على السلطات الظالمة الفاسدة، التي كان الفقيد من أشد منتقديها وكاشفي قبحها في شعره. 

هذا وأقيم في مدينة الحلة أمس السبت (ويقام اليوم الاحد أيضاً) مجلس عزاء للشاعر الكبير الراحل، حضره وفد من قيادة الحزب الشيوعي العراقي يتقدمه سكرتيره الرفيق رائد فهمي.

*********************************************

في البصرة {سيرة مناضل} على قاعة الشيوعيين

البصرة – طريق الشعب

ضيّفت المختصة الثقافية للجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في البصرة و"ملتقى جيكور" الثقافي، أخيرا، الرفيق المحامي عباس حسن الساعدي، في جلسة حملت عنوان "سيرة مناضل".

الجلسة التي نُظمت على "قاعة الشهيد هندال" في مقر المحلية، حضرها جمع من الشيوعيين وأصدقائهم، وأدارها الرفيق الكاتب قاسم حنون، الذي قدم نبذة عن سيرتي الضيف المهنية والحزبية في صفوف الحزب الشيوعي العراقي.

بعدها تحدث الساعدي عن حياته الحزبية وعما تعرض له من اضطهاد على أيدي أزلام العهد الدكتاتوري المباد، في السجون والمعتقلات، وأيضا خلال عمله الوظيفي في دوائر الدولة.

وشهدت الجلسة مداخلات عن مسيرة الساعدي ساهم فيها عدد من الحاضرين.

وفي الختام، قدمت "دار الأدب البصري" هدية تذكارية للساعدي.

***********************************************

في {بيت المدى} استذكار الكاتب والصحفي علاء حسن العتابي

متابعة – طريق الشعب

نظم "بيت المدى" للثقافة والفنون، أول أمس الجمعة على قاعته في شارع المتنبي، جلسة استذكار للكاتب والصحفي الراحل علاء حسن العتابي، الذي فارق الحياة مطلع العام الجاري بعد صراع مع المرض.

حضر الجلسة التي أدارها الكاتب رفعت عبد الرزاق، عدد من أفراد عائلة الراحل وأصدقائه وزملائه، فضلا عن جمع من المثقفين والصحفيين والأدباء. وقدم عدد من الحاضرين شهادات عن مسيرة الفقيد في الصحافة والمسرح، وعن أسلوبه المتفرد في تحويل الوجع اليومي إلى كوميديا ذكية.

د. فرات جمال العتابي، نجل شقيق الفقيد، استهل الجلسة بكلمة باسم العائلة، قال فيها أن "الفقيد ترك أثرا لا يُمحى في نفوس جميع أصدقائه وزملائه في العمل وأهله وأحبته"، مضيفا أن "عمي علاء كان يطل علينا دائما بوجهه المبتسم، فيؤنس وحشتنا ويزيل عنا كروب الأيام كلما داهمتنا. كان يرجم الشر والفساد بومضاته الساخرة، ويقاتل الأذى بالحب والوداد الصافي، وفي ذات الوقت كان متألقا في كتاباته، يحمل قضية وموقفا لا يساوم عليه، ملتزما بقضايا الإنسان والحرية". 

بعدها قدم المسرحي د. زهير البياتي، مداخلة تناول فيها بدايات معرفته بالفقيد نهاية الثمانينيات، حينما كان يتردد على فرقتي "المسرح الشعبي" و"مسرح اليوم"، مبينا أن علاء ألف نصوصا مسرحية عديدة، أحدها عن الكاريكاتيري الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، وعمل آخر بعنوان "الموت قسرا"، أخرجه البياتي نفسه بمعية الفنان الراحل كاظم العبودي، وتم تقديمه في منتدى المسرح بداية التسعينيات.

وتحدث في الجلسة أيضا، كل من الكاتب محمد غازي الأخرس، الناقد السينمائي علاء المفرجي، رعد كريم، اياد الملاح، زيدان الربيعي ود. حيدر عبد الخضر.

وفي حديث صحفي على هامش الجلسة، ذكر شقيق الفقيد د. فلاح العتابي، أن شقيقه بدأ حياته معلما. حيث تخرج في دار المعلمين ومارس التدريس قبل أن يختار أن يعلّم الناس بأسلوب مختلف عبر المسرح، ثم الصحافة، ثم الإذاعة.

وأوضح أن الفقيد كتب مسرحيات منذ أيام المتوسطة والإعدادية، وأبدع في النصوص الساخرة، التي تجمع بين الألم والفكاهة، مضيفا أن الراحل ترك بعدها سلك التعليم واتجه نحو الصحافة، وعمل في مؤسسات عديدة محلية وخليجية، قبل أن يستقر به المقام كاتب عمود يومي في جريدة "المدى"، تحت اسم "نص ردن".

أما مدير تحرير جريدة "المدى" الكاتب علي حسين، فقد ذكر أنه يرتبط بعلاقة قديمة مع الفقيد، تعود إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، مبينا في حديث صحفي أن "علاء كان كاتباً مسرحياً متميزاً، كتب عدداً من المسرحيات، وفاز ببعض الجوائز آنذاك".

وأضاف قوله أن "والد علاء، حسن العتابي، كان من الشخصيات الوطنية المعروفة. وكل العائلة مشهود لها بالوعي والنضال. فهي عائلة شيوعية معروفة في مدينة الناصرية، اضطرت للانتقال إلى بغداد جراء ملاحقات الأمن".

وأشار حسين إلى أن "الفقيد كان كاتبًا ساخرًا يملك أسلوبًا خاصاً. يكتب النقد الاجتماعي والسياسي بسخرية راقية، غير مباشرة، لا تصل حد الجرح أو الفجاجة، وهو ما نفتقده كثيرًا اليوم".

وتابع قائلا أن "علاء عمل في الإذاعة، وكان مذيعا بارعا. كما قدم برامج تلفزيونية وإذاعية ذات طابع ثقافي وإنساني".

*********************************************

شعب الخيام

عن "منظمة أوما" لحقوق الإنسان، صدر حديثا كتاب بعنوان "شعب الخيام – شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية"، من تأليف علي الخطيب. يوثق الكتاب قصص ضحايا احتجاجات تشرين. ويسلط الضوء على تجاربهم وتضحياتهم، مستندا إلى مقابلات كان قد أجراها باحثون مع الضحايا وعائلاتهم.

واستعان المؤلف بفريق عمل من ثمانية أشخاص، قاموا بجمع البيانات عبر إجراء مقابلات مع أكثر من 250 ضحية خلال احتجاجات تشرين، بمن في ذلك أصحاب الدعاوى الكيدية، الجرحى، وعائلات الشهداء.

يقع الكتاب في 310 صفحات من القطع المتوسط.

*****************************************************

فرقة مسرحية كركوكية  تقطف جائزة في قرطاج

متابعة – طريق الشعب

تمكنت "فرقة مسرح كركوك" التابعة لفرع نقابة الفنانين في المحافظة، من إحراز جائزة أفضل عمل متكامل ضمن مسابقة النقد في مهرجان قرطاج الدولي للمسرح المونودرامي بدورته السابعة، والذي اختتم أخيرا بمشاركة 13 فرقة دولية. 

جاء فوز الفرقة بالجائزة عن عمل مونودرامي عنوانه "النكات"، من تأليف علي عبد النبي الزيدي وإخراج وتمثيل مريوان زنكنه.

كذلك قدمت ادارة المهرجان لوح شكر وتقدير للفنان الكركوكي سيروان عمر، على تنظيمه ورشة فنية في سياق المهرجان، حول الموسيقى كعنصر أساسي مكمل للمونودراما.

*****************************************

قف.. نهر الحلة الحزين

عبد المنعم الأعسم

أنهار كثيرة بكت شعراء خلّدوها ومضوا.. دجلة الجواهري وبويب السياب وبردى أحمد شوقي ونيل أمل دنقل. كان برتولد بريخت في خمسينيات القرن الماضي قد دوّن سيرته بين مويجات نهر المسيسبي العجوز الذي "يجرف المواشي والأرض" أما موفق محمد أبو خمرة فقد أعطى لنهر الحلة إجازة المرور الطليق إلى طلْق أمّه وهي تقترحه جنينا في رحمها النبيل: "أرجو ان لا يخاف أحد/ ها أنا أحب الحلة/ فما زلت جنيناً في رحمها/ أسمع صوت أمي/ في هسهسة الخبز/ وفي نهرها الهادر بالحَمَام/ هذا النهر الذي مد ذراعيه وسحبني برفق من رحمها/ وخبأني وأراني ما في قلبه من تيجان/ وكنوز/ ولفّني في سورته/ لكن نهر الحلة قد اكتسى بالسواد /لأن النهر يلبس عباءات الثكالى/ ثكالى الحروب التي دمرت وطنه/ يا نهر أنّى لك هذا السواد".

ويشاء موفق محمد أن يحاور أنهار بلده الأخرى من فوق جسر نهر الحلة العتيق: "سألوا دجلة، وهو مشلول الضفتين /مثقل بالرؤوس اليانعة التي تقوم فيها الساعة وينشق القمر/ ما الذي تتمناه الآن؟ /فرتّل بموجة مقطوعة اللسان/ أروني الفرات/ لأطبع غيمة دافقة على جبينه/ وأعزف له بساقيةٍ ثقَبَها الرصاص".

*قالوا:

"لا تخف من النهر الجاري".

 مثل شعبي شامي

**********************************************

اطلاق مشروع تحويل {بيت السيّاب} إلى متحف

متابعة – طريق الشعب

أعلنت مفتشية آثار وتراث البصرة ومنظمة اليونسكو و"مؤسسة رؤى البصرة" الثقافية، عن إنطلاق مشروع إعمار بيت الشاعر بدر شاكر السياب في منطقة جيكور بقضاء أبي الخصيب، وتحويله إلى متحف أدبي.

جاء ذلك في جلسة احتضنتها باحة اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة الأربعاء الماضي.

ووفقا لما جرى إعلانه، فإن المشروع سيُنفذ ضمن منحة الاتحاد الأوربي للمرحلة الثالثة من مشروع "إحياء مدينتي الموصل والبصرة القديمتين".

وحضرت الجلسة نخبة من المثقفين والأكاديميين والمهتمين بالشأنين الثقافي والتراثي، إلى جانب مستشار رئيس الوزراء د. عارف الساعدي، والمدير العام لدائرة قصر المؤتمرات في وزارة الثقافة د. منتصر الحسناوي، فضلا عن ممثلين عن منظمات ثقافية دولية ومحلية.

ومن المقرر أن يتحوّل بيت السياب إلى متحف أدبي يستقطب الزائرين والمهتمين بالأدب العربي الحديث، ما يساهم في تنشيط السياحة الثقافية وإحياء الذاكرة الأدبية لواحد من أبرز شعراء العراق.