اخر الاخبار

 

عند ذهابنا كل يوم إلى دوائرنا نقف في طابور السيارات، حيث منظر الازدحام والإرباك المروري، ما يجعلني أعود بذاكرتي إلى أيام الطفولة والصبا التي قضيناها في تلك القرية الجنوبية الوادعة عند تخوم البحر، عندما كنّا نعرف سيّارات الأجرة والحمل والباصات بأسماء سائقيها، وهم لا يتعدون عدد أصابع اليدين. وكانت عربات النقل تتكون من باصات مرسيدس أبو عرّام، وباصات خشب، وتاكسيات 56 و59 شوفرليت وفولكا وغيرها، وكنت تجد الشارع غير مزدحم أبداً، فبين آونة وأخرى تمرّ سيارة، ولم تكن هناك تجاوزات في الشوارع وأماكن التوقّف والعبور والانتظار والكراجات. الكل يحترم البعض، والبعض يحترم الكل في مهنتهم التي أساسها الفن والذوق والاحترام. وحين اشتعلت نار الحرب مع إيران ونزحنا إلى مركز البصرة، لم تكن هناك أيضا سيارات كثيرة، فكنا نقطع المسافة بين 5 ميل والعشّار في أقل من ربع ساعة!

اليوم وبعد انفتاح الحدود على كل شيء، وحيث دخل الإرهابيون والقتلة مثلما دخلت المخدّرات والسيارات وعربات النقل والحمل والتكتك والستوتة بأشكال وألوان مختلفة، وازداد عددها بشكل لا يُصدّق، دخلت بلادنا أنواع من السيارات الخاصة والعامة بطرق شرعية وغير شرعية ، أثقلت كاهل شوارعنا التي لم يطرأ عليها تغيير منذ سبعينات القرن الماضي، إلاّ ما ندر.

سيارات أمريكية ويابانية وكورية وصينية وألمانية وفرنسية وإيرانية، دخلت عن طريق المستوردين المتنافسين على جني الارباح، وعبر الشركة العامة للسيارات ومنافذ أخرى، وسبّبت الكثير من المشاكل والأزمات، إضافة الى شاحنات البضائع والوقود التي تملأ الشوارع الخارجية والداخلية ليلاً ونهاراً، مسببة إرباكاً في السير وحوادث مرورية أودت بحياة الكثيرين.

صرنا لا نستطيع الوصول إلى أماكن عملنا إلاّ بشقّ الأنفس، ونقضي وقتاً طويلاً يتجاوز بداية الدوام الرسمي بسبب الازدحام الشديد وصعوبة السير.

الحضارة مطلوبة ومسايرة الواقع والتقدّم العلمي والتكنولوجي مطلوب أيضا، ولكن وفق دراسة وتخطيط ميدانيين لكل شيء.

ففي جميع بلدان العالم نجد شاحنات الحمل ونقل البضائع الكبيرة والمتوسطة لها شوارع خاصة تسير فيها وبأوقاتٍ محددة تدخل المدن، كي لا تسبب إرباكا في المرور داخل المدن والحوادث في الطرق الخارجية !!

وفي كل بلدان العالم تكون أعداد السيارات متناسبة مع الشوارع لكي تستوعبها، حيث يجري فتح شوارع جديدة وبناء مجسّرات وأنفاق لمرور العربات.

أمّا نحن فلم نقم بفتح شوارع جديدة ، بينما أدخلنا كل موديلات السيارات حتى التي لم تنزل للسوق بعد!

وقمنا بإنشاء مجسّرات وأنفاق لكن تركناها غير مكتملة، وأربكنا السير وخلقنا أزمات مرورية اضافية!

وفوق ذلك نسمح للصبيان الذين لم يبلغوا الحلم بقيادة المركبات بين الأزقة والأسواق وحتى في الطرق الخارجية، ونتيجة لتهورهم في السياقة حدثت وتحدث مآسٍ كثيرة ..

فالى متى هذا كله؟ ومتى نتوقف لنفكر في المعالجة ثم نباشرها؟