تراجع الجواز العراقي إلى المرتبة قبل الأخيرة في مؤشر "هينلي" العالمي. وهذا ليس مجرد رقم في قائمة، بل شهادة دولية على عمق نكوص الدولة العراقية. فالجواز ليس مجرد ورقة عبور. انه انعكاس لصورة الدولة وهيبتها وعلاقاتها، وهي اليوم صورة شوهتها المنظومة السياسية القائمة على المحاصصة والفساد والولاءات الضيقة.
حين يُمنح العراقي "درجة صفر" في حرية التنقل، فلأن العالم يرى بلده بلا مؤسسات مستقرة ولا سياسة خارجية متماسكة وموثوقة. إذ البلدان تُحترم قدراتها المتنوعة، خاصة القدرة على بناء دولة تحترم مواطنيها، وتمتلك قرارها الوطني والسيادي.
إن ما كُشف توّا لا يُلام عليه الجواز، بل المتنفذون الذين جعلوا الدولة كيانًا هشًا في نظر الغير، وعزلوا العراقيين خلف جدران التأشيرات والموافقات. وإن إنقاذ الجواز العراقي يبدأ بإصلاح النظام السياسي نفسه، لا بمجرد إصدار جواز جديد بلون مختلف، مهما بلغت درجة الأمان فيه.
الجواز العراقي اليوم يدفع ثمن غياب المشروع الوطني، وضعف الدولة ومؤسساتها وقدرتها على انفاذ القانون. ومعه يدفع ملايين العراقيين ثمن عزلة صُنعت بإرادة داخلية قبل أن تفرضها الدول الأخرى. وإن استعادة قيمة الجواز تبدأ باستعادة قيمة الدولة وهيبتها، وبناء سلطة تمثل العراق لا نفسها.