قبل ايام لعلع الرصاص في شارعنا. خرجنا نستطلع الأمر فقيل لنا: أخذوا عروسا من بيت فلان. وحين سألنا: لماذا الرماية العشوائية هذه؟ اجاب أحدهم : ناس فرحانة وتريد تعبّر عن فرحها!
أفراحنا رصاص / أحزاننا رصاص / وكل شيء في حياتنا رصاص !
في ما مضى كانت أفراحنا عفوية جداً، نملأ الدنيا سعادة وحبوراً، نرقص، نغني، نعزف بكل الآلات شيباً وشباباً، نساءً وأطفالاً، في القرية تسمع الطبول والمزامير و(الهلاهل) وتأخذك (الصفكة) و( الخشّابة) على قارب من فرح غامر. وفي المدينة تسمع للموسيقى وقعاً خاصاً وجلسات طربٍ وسعادةٍ لا توصف.
وكما هي الأفراح، كانت أحزاننا أكثر عفويةً، يجلّلنا الحزن ويسكن كل جوارحنا بكل أشكاله وطقوسه وآهاته.
وبين هذا وذاك كانت علاقاتنا الاجتماعية مفعمة بالمحبّة والتسامح والألفة والتعاون والمودة.
حينما يخطئ أحدنا يعاتَب حد البكاء، ليُعلنَ أسفه وندمه ويصحح خطأه ويظل يبحث عن الصواب دائما.
وحينما يُسيء بعضنا للآخر، يغفر إساءته ويسامحه ليعود نادماً لن يكررها أبداً.
وحين يحتاج واحد منّا مساعدةً يقف الجميع معه في شدّته ووحدته ويؤازروه ليتعافى .
ما الذي حصل اليوم فتحولت هذه الحياة المشرقة الجميلة الى شكل آخر، وصرنا نتعامل بلغة أخرى؟ هي لغة الرصاص والدم والموت والخراب والكراهية والحسد والبغضاء والخوف .
أفراحنا تتحول الى مآسٍ بعدما يلعلع الرصاص ليموت طفل أو امرأة أو شاب .
وأحزاننا تقود الى ساحة حرب لا تعرف أي نوع من الأسلحة قد أُستُعمِل فيها!
الموت صار مجانياً جداً، ولا نحسب أهمية للإنسان الذي هو أثمن رأس مال في الوجود!
ما الذي جعلنا نحب العنف هكذا ؟ حتى صرنا نلون حياتنا بالرصاص؟
أ لم يكن بمقدورنا حرق كل الأوراق الصفراء والسوداء والقاتمة في حياتنا، وجعل أيامنا خضراء وبنفسجية يجللها الفرح والطيبة والمحبة والتسامح والإلفة ؟
كيف ألبسنا حياتنا لبوس ثقافة الرصاص، وصرنا نتفاهم بلغة الموت والخراب؟ هذا السؤال علينا أن نتوقف لنفكّر في إجابته قليلا، قليلا فقط ، وسنعرف الحل حتماً.