اخر الاخبار

في غضون أسابيع فقط، امتلأت الشوارع الرئيسة والفرعية بلافتات الدعاية الانتخابية، علقت بانضباط لافت وسرعة مدهشة، وكأن البلاد لا تعرف التعطيل الإداري أو ضعف الإمكانات حين يتعلق الأمر بمصالح السياسيين. مشهد يثير سؤالاً مؤلمًا: كيف استطاعت الجهات الرسمية تهيئة كل هذه المساحات، وتوفير الكهرباء والإعلانات والمواد الطباعية خلال شهر واحد، بينما مؤسسات السلامة المهنية تعاني الإهمال منذ عقود؟

مفارقة صارخة بين ما ينجز حين تكون المصلحة للسياسيين، وما يؤجل حين تكون المصلحة إنسانية. فدوائر السلامة التي يفترض أن تكون درعاً لحماية للعمال، تحولت إلى مبان خاوية، بعضها صار مخزنا للورق أو الاثاث المتهالك، والعاملون فيها بعيدون عن اختصاصهم، يقضون ساعات الدوام بالنوم في الأقسام بانتظار نهاية اليوم، لا تفتيش، لا تدريب، ولا أي أثر لمسؤولية حقيقية تجاه الأرواح التي تزهق في مواقع العمل.

الحكومة التي تمتلك القدرة التنظيمية لملء المدن بصور المرشحين خلال أسابيع، تعجز منذ سنوات عن توفير قبعة أمان أو مطفأة حريق في ورشة بناء. وحين تقع الكارثة، تتوارى خلف لجان تحقيق شكلية، أو تلقي باللوم على "الظروف"، وكأن السلامة رفاهية يمكن الاستغناء عنها.

إن المشكلة ليست في نقص الموارد، بل في الأولويات المقلوبة. فحين يوجه الجهد العام لتلميع صور المسؤولين لا لتأمين حياة العاملين، يصبح الدم أرخص من الدعاية. والنتيجة أن اللافتات الانتخابية تعلّق في الطرق، بينما لافتات التحذير من الخطر تختفي من أماكن العمل.

ربما لو كان لكل عامل لافتة انتخابية، لأنتبهت الحكومة إلى وجوده. فسلامة الإنسان في هذا البلد ما زالت مؤجلة، تنتظر موسماً انتخابياً جديداً، على أمل ان يتذكر أحدهم أن حياة المواطن أهم من صورته على الجدار.