سعادة غمرتني وأنا أوقع روايتي ضمن زاوية التواقيع، في أحد أركان الحديقة الواسعة المحيطة بتمثالي شهرزاد وشهريار على جادة شارع أبي نؤاس السبت الماضي. شعرت وكأن شهرزاد تعيد حكاياتها المذهلة طاردة قوى التسلط الظلامية لشهريار بروح شفافة، امتزجت مع نسيمات خريفية لطيفة أشاعت فرحا وفضولا متزايدا لدى جماهير غفيرة ، ربما أحُصيت بالآلاف، للإطلاع والمعرفة.
مهرجان " أنا عراقي .. أنا اقرأ" فعالية شبابية بامتياز، حققت نجاحا باهرا على مدى اثني عشر عاما.. شباب متطوعون همهم التشجيع على القراءة ، وصلوا الليل بالنهار من أجل توفير المستلزمات وجمع الكتب من المتبرعين، سواء كانوا من جهات رسمية أو من أصحاب المكتبات الخاصة ودور النشر. وفّروا هذا العام خمسة آلاف كتاب وزعت مجانا على الحضور، إلى جانب إهداء ديوان موفق محمد "بين قتيلين" المطبوع على نفقة اتحاد الأدباء أيضا دعما للمهرجان.
لابد لي من تسجيل لقطات مذهلة توقد فينا جذوة الأمل بثقافة مدنية لجيل شبابي، لم يدخر جهدا لإنجاح المهرجان. هالتني معرفة قدوم ثلاث شابات عراقيات من السويد تطوعن منذ عدة أعوام لتنظيف حدائق المهرجان! أي شعور وطني وانتماء مخلص يحملن هؤلاء ؟! شيوخ وعجائز لم تحملهم أرجلهم للوقوف في طوابير الحصول على الكتب ، فافترشوا مع أحفادهم الصغار ثيّل الحديقة في نزهة " ثقافية" يتصفحون ما حصلوا عليه من كتب ..
ولعل من أهم ميزات المهرجان وخصوصا ما يتعلق بزاوية توقيع المؤلفين كتبهم، العلاقة المباشرة بين الكاتب وجمهوره، فضلا عن لقائه بمن تَعنّى للحصول على توقيعه على نسخة كتابه.. والجميل أن كثيرا من الشباب ممن قدموا من مناطق بغداد البعيدة ومن المحافظات أيضا ، ركزوا بأسئلتهم على محتوى الكتب الموقعة ، طارحين أمنياتهم بممارسة الكتابة الأدبية وبلوغهم منصة التوقيع نفسها ذات يوم.
نجح المهرجان بجهود الشباب المنظمين في مواجهة صعاب وعقبات شتى، منها شحة الدعم المادي وعدم توفر المكان المناسب لحفظ كتبهم ولتجمعهم. وحتى وقت قريب كان يشغلون أحد أقبية عمارة عتيقة، حتى تمكنوا أخيرا من استئجار بيت في الكرادة بمبلغ يعد باهضا جدا بالنسبة لإمكاناتهم.
من جانب آخر بيعت في المهرجان باجات ورقية وفانيلات (تي شيرتات) حملت شعار المهرجان، ولاحظت ان الكثير من الأدباء دفعوا لقاءها مبالغ جيدة تشجيعا لهم..
لم يقتصر المهرجان على توزيع الكتب وإنما تضمن فعاليات فنية تمثلت بالرسم والنحت المباشرين من قبل فنانين، وتقديم فقرات حزورات ثقافية لمجاميع من الحضور، و الفائز منهم يحصل على كتب مميزة ، إلى جانب تقديم فقرات وأغاني مرحة للأطفال ، وأداء معزوفات فنية رائعة لفرقة العود، ومن ثم تقديم الحفل الغنائي الختامي.