بلغتْ الأربعين وشاخ معها حلمها الذي طالما راودها كل ليلة. إذ تخيلته فارسا شابا وسيما يقترب منها ويرمي لها بسهام الحب.. انما يوما بعد آخر بهتت صورته وتضاءلت، حتى اختفت تماما.. أما هو فقد بلغ الخمسين وما زال مُعتَدا بأولى أمنيات الشباب، من رغبة عارمة في الاقتران بشابة شقراء ليست أقل من ملكة الجمال حسنا.. ومع حلميهما أو لنقل أوهامهما غادرهما قطار العمر، وتسربت من بين أصابعهما رمال الزمن في غفلة منهما ..
ولا ادري أن صح وصف " قطار العمر" واقترانه بفرصة الحصول على زواج ناجح أم لا؟ لكن جرت عادة التشبيه به ، ومن تخلف عنه يفوته أو يفوتها قطار العمر. وربما قبل ذلك بقليل قد يتشبثان ولو بآخر عربة منه ..
سكون بارد ووحشة مدمرة تغشى عوالم العوانس من الجنسين، بعد غرقهم في بحور من الأمنيات دون بلوغ أي شاطئ. وهكذا يسرقهما العمر ليس فقط بسبب طموحهما المبالغ به وتصوراتهما الخاطئة في اختيار شريك الحياة، بل قد تجرفهما أحيانا تيارات الحياة الصعبة وعقباتها القاسية مثل الانشغال بالعمل والركض وراء توفير لقمة العيش، أو التنقل المتواصل بين مناطق وبيئات مختلفة حتى يسقطا في وهم اشد قساوة، يجعلهما يفكران بعدم جدوى المحاولة والتجريب بعد فوات الأوان.
ولعل اغلب ما تشتكي منه العوانس اليوم، هو ممارسة الرجال ضغوطا من الشك والغيرة المفرطة، بحيث انهن حتى حين تتساهل إحداهن، وتقدم رقم هاتفها على سبيل المثال لشخص تُعجب به وترغب بالتعرف عليه، فانه سرعان ما تتسرب الشكوك إليه متصور أنها فتاة سهلة، يمكن أن تتواصل مع أي شخص غيره، في مفارقة عجيبة تحتمها ظروف التواصل الاجتماعي وتجعل الجميع لا يفارقون تلفوناتهم ويتواصلون مع بعضهم من دون تردد .
قضية أكثر خطورة نشأت أخيرا بعد إقرار التعديلات على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 ، وما نص عليه بعض بنود المدونة "الجعفرية" من إجحاف وإلحاق ضرر كبير بحقوق المرأة، حرمها من الإرث و الحرية الشخصية ، بل وأمعن في أذاها عندما أطال فترة النشوز من عامين إلى سبع سنوات.
هذه القضايا وغيرها جعلت كثيرا من النساء يصرحن بعدم رغبهن بالزواج، خشية وقوعهن في تلك الفخاخ. بل واصبح بعض العوائل لا يعنيه زواج البنت كما في السابق، وصار يفضل عدم تزويجها حماية لها. وشخصيا أعرف سيدة إعلامية مثقفة، أوصت بناتها الشابات بعدم التفكير بالزواج، خصوصا ممن ينتمي للمذهب الجعفري!
أيّ تدمير أسري سنشهد، وأي فخاخ نصبت للمرأة العراقية؟ وكأن الذي تحملته من مسؤوليات ومشاكل سياسية واجتماعية في الفترات السابقة لم يكف القائمين على هذا القانون. وها هي بدلا من تكريمها، تواجه بالعقوبات لمجرد خلاف اسري بسيط! .