اخر الاخبار

إذا أرادت الدولة (وهنا نقصد الحكومة فالدولة في طور التكامل إذ لم تصبح لحد الآن دولة مؤسسات) ترشيد كميات الانفاق فلتكن أولوياتها تحديد مجالات الأنفاق بوضوح والتفريق الذي لابد منه بين قطاعات الإنتاج والقطاعات غير الإنتاجية (الاستهلاك الفوضوي) والتي تتشكل من هياكل متنوعة، وأبلغها وضوحا تلك التي تتصف ببيئتها القابلة للهدر المالي ودورها في صناعة الأزمات المالية خصوصا والأزمات الاقتصادي عموما وخير أداة لقياس شكل ومحتوى هذين المجالين من خلال الموازنات السنوية التي تشكل واحدة من اهم أدوات السياسة المالية التي يتوقف عليها الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

  فكل الموازنات السنوية ابتداء من عام 2003 شهدت عجزا سنويا اكثر من النسب المقررة اقتصاديا والتي تسهم في إبقاء معدلات التضخم بالنسب الطبيعية ،فالعجز في الموازنة يمثل أحد التحديات التي تواجه تنفيذ الموازنة السنوية وهو الأهم فان الزيادة في هذا العجز يترتب عليه وجوب البحث عن مصادر تمويله وأول هذه المصادر كما هو مفترض الإيرادات المتأتية من قطاع الإنتاج الحقيقي، ولما كان هذا القطاع بحكم الغائب تتحمل مسئوليته الحكومات المتتالية منذ عام 2003 لهذا تلجا الحكومة إلى مصادر الاقراض الداخلية والخارجية ومع أن أرقام تلك الموازنات هي أرقام تخمينية ولا يمكن ان تتحول إلى ميزانيات حقيقية ما لم تتوافر الحسابات الختامية وهي الأداة الموثوقة بعد مرورها في محطة ديوان الرقابة المالية وإجراء عمليات التدقيق المالي، وقبل تحليل تداعيات العجز المالي التي تترتب عليه تكاليف القروض سواء الداخلية منها او الخارجية لا بد من تحليل مسببات العجز ومنها الإنفاق المبالغ فيه وغير المنضبط الذي تتداخل فيه مظاهر الفساد والهدر المالي وهذا يبرز في الموازنات التشغيلية وخاصة العقود الخدمية.

 ولمزيد من تحليل أسباب العجوزات بين النفقات والإيرادات فلنأخذ البيانات التالية فإن إجمالي الرواتب المدفوعة بأنواعها للنصف الأول من عام 2025 بلغت 44.946 تريليون دينار وإجمالي إيرادات النفط الخام المصدر 45.983 تريليون دينار، إلا أن الإيرادات غير النفطية قد انخفضت من 7 تريليون دينار في النصف الأول من عام 2024 إلى 5 تريليون في النصف الأول من عام 2025 بنسبة انخفاض بلغت 44 في المائة، أي أن مساهمات الإيرادات غير النفطية قد انخفضت بنسبة 8 في المائة خلال عام 2025 وهي بعيدة عن النسبة المستهدفة البالغة 20 في المائة، ومن الواضح ان هناك فائضا مضللا في حسابات الدولة لعام 2025 فالنفقات العامة مع السلف تبلغ 58.925 تريليون دينار والايرادات العامة تبلغ 62.003 تريليون دينار فالفائض الوهمي في هذه الحالة 3.078 تريليون دينار وهذا الفائض الوهمي ناتج عن استبعاد نفقات جولات التراخيص النفطية البالغ 7.485 تريليون دينار والمبالغ الخاصة بما يسمى بالاتفاقية الصينية التي تصل إلى 3.132 وبإضافة هذه النفقات إلى النفقات العامة سترتفع النفقات العامة إلى 69.542 تريليون وبالتالي سيكون لدينا عجز حقيقي وليس وهمي مقداره 7.539تريليون. 

 فضلا عما تقدم فان النفقات الإدارية في الجهاز الحكومي غير المنتج تشكل عبئا قاسيا على الموازنات السنوية فعلى سبيل المثال فان مجموع نفقات البرلمان للفترة 2015—2025 قد بلغت 6 تريليونات دينار أي بمدل 35 مليار دينار لكل قانون جرى تشريعه خلال الفترة المذكورة اما في الدورة البرلمانية الأخيرة فقد بلغ إنفاق البرلمان الكلي 2.4 تريليون دينار بمعدل كلفة القانون الواحد 35 مليار دينار فيما بلغ إنفاق الدورة السابقة 1.8 تريليون دينار اقر خلالها 91 قانونا بمعدل 20 مليار دينار كلفة تشريع القانون الواحد.

 إن العرض المتقدم يشكل كشفا محدود ومبسطا عن الطريقة التي تدار بها الأموال العراقية والتي تركت أبوابا مفتوحة أمام المتربصين بسرقة أموال الدولة من داخلها بالاستعانة بزبائن يتواجدون خارج الجهاز الحكومي، ولكن لهم مسالك خاصة مع العامين داخل الجهاز ما يتطل مراجعة شاملة تفاصيل النفقات العامة بما يؤمن سلامة الانفاق في الأماكن المخصصة لها والاستعانة بديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والتعامل مع ملاحظاتهما بمنتهى الحرص.