كان المدرب الوطني على مدى عقود طويلة أساسَ الكرة العراقية ونقطةَ قوةٍ رئيسية لها، بفضل حرص المدربين العاملين مع الفرق العراقية، الذين كان لهم دور مهم وفاعل في التأثير على واقع كرة القدم في دول الجوار والخليج والمنطقة. وقد انعكس هذا الواقع بشكل واضح على فرق تلك الدول ومستوى كرة القدم فيها، الأمر الذي يتطلب منا اليوم دراسة هذا الحال والواقع بعناية واهتمام.
وهنا يبرز تساؤل مشروع: هل تراجعت كرة القدم لدينا، أم أن واقع اللعبة في دول الجوار والمنطقة قد تقدم بخطوات أسرع مما كان عليه الحال عندنا؟ وهل تخلف مدربونا فنياً عن تطورات الكرة العالمية؟
أقول إن كرة القدم العراقية، وبسبب ظروف الحصار، شهدت توقفاً مؤقتاً، وتراجع مستواها مقارنة بالكرة العالمية، في مقابل تحقيق دول المنطقة تقدماً نسبياً، وهو ما تؤكده النتائج الواضحة للعيان عند المقارنة بيننا وبين دول الجوار والمنطقة وعموم آسيا. وقد رصدنا هذا الواقع وقرأناه خلال السنوات الأخيرة، ما يستوجب منا ممارسة دور شجاع والتعامل مع الحقيقة بصدق وصراحة.
وعندما نتحدث عن كرة القدم، بوصفها اللعبة الشعبية الأولى، نجد أننا كنا في طليعة هذه اللعبة، إلا أن السياسات الفاشلة، والحروب العبثية، والخلافات بين القوى السياسية، أدت جميعها إلى إخفاقات كبيرة في الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً، وأسهمت في تراجع المستوى الفني لمختلف الألعاب الرياضية، في مقابل تقدم ونمو ملحوظين في دول الجوار والمنطقة والإقليم. وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها، إذ انعكس هذا التراجع على مجمل الواقع الرياضي.
وشمل هذا التراجع أيضاً مدربي الفرق العراقية، حيث نجد اليوم أن العديد منهم يعانون من الإهمال والتراجع في المستوى الفني. ومع بدء تطبيق نظام الاحتراف، بدأت الأندية والفرق تبحث عن كفاءات تدريبية ذات مستويات فنية عالية للارتقاء بكرة القدم العراقية، مقارنة بما وصلت إليه اللعبة في دول الجوار والمنطقة، التي شهدت تطوراً ملحوظاً في الجانبين الفني والتدريبي.
وقد انعكس هذا التطور في حدوث ما يمكن تسميته بـ "الهجرة العكسية"، نتيجة ارتفاع المستوى الفني للاعبين والمدربين، الأمر الذي دفع ببعض المدربين العرب واللاعبين المحترفين العرب إلى الساحة العراقية. غير أن ما يهمني في هذا السياق هو إهمال المدربين المحليين العراقيين، مقابل الاهتمام بالمدربين المحترفين العرب من مصر وعُمان وتونس والإمارات وسوريا وغيرهم، مع وجود إهمال واضح للمدرب العراقي.
مع التأكيد على أن المدربين العرب ليسوا بالضرورة أصحاب مستويات فنية عالية جداً، إلا أنهم يتميزون بمتابعة جيدة لأحدث مستجدات وعلوم التدريب، مقارنة بالمدربين العراقيين الذين حُرموا من فرص تطوير قابلياتهم وتجديد معلوماتهم وخبراتهم.
ومن هنا أناشد الاتحاد العراقي لكرة القدم أن يولِي اهتماماً خاصاً بالمدرب العراقي، لِما يمتلكه من خبرة ومعرفة فنية، وقدرة على التعلم والانفتاح على عالم التدريب الحديث. وأقول لأحبتي في الاتحاد العراقي لكرة القدم إنكم مسؤولون عن المدرب الوطني، ومن الضروري إدخاله في دورات تدريبية وتطويرية لتجديد وزيادة معارفه، باعتبار أن الاتحاد معني بتطوير قدراته الفنية والمعلوماتية، بما يسهم في تحقيق النتائج والإنجازات المطلوبة والارتقاء بمستواه الفني.
فالمدرب العراقي يمتلك عمقاً ثقافياً وقدرة عالية على التطوير، ولديه قابلية على الاطلاع على أحدث المستجدات العلمية في عالم الرياضة والتدريب، إضافة إلى رغبته الجادة في التعلم وزيادة المعرفة. لذا أدعو الزملاء في الاتحاد العراقي لكرة القدم إلى الاهتمام بالمدربين الشباب ورعايتهم، وإتاحة الفرصة لهم للاستزادة والاطلاع على أحدث العلوم في مجالات التدريب الرياضي.
وأؤكد أن مدربينا الشباب قادرون على النجاح والتفوق في هذا المجال، وبذلك يمكننا صناعة جيل من الكفاءات التدريبية في مختلف الألعاب الرياضية، ولا سيما كرة القدم.